بعد الإساءة إليها باتحاد الكتاب.. كيف كانت أم كلثوم بلسم جراح المصريين في الحرب العالمية الأولى؟
شهدت ندوة أقيمت مؤخرا باتحاد كتاب مصر، هجوما عنيفا على سيدة الغناء العربي أم كلثوم، حيث تطرق شاعر إلى الحياة الخاصة لسيدة الغناء العربي، أم كلثوم واصفا إياها بالموالدية، وأنها صاحبت 11 رجلًا.
وبالتأكيد لا يعلم من قال هذا الكلام الدور الذي لعبته سيدة الغناء العربي في حياة المصريين في مراحل مختلفة، وفي أصعب الأوقات منذ ظهورها على ساحة الغناء وما نقله الكاتب بالكبير رجاء النقاش عن دور أم كلثوم في تطييب جراح الناس في الحرب العالمية الأولى.
يقول رجاء النقاش: ليس من المبالغة في شيء أن نقول إن الصبية الصغيرة أم كلثوم كانت البلسم الشافي لجراح المصريين بعد الأيام الحزينة السود التي مرت بمصر خلال سنوات 1914، 1918 وهي أيام الحرب العالمية الأولى، ففي تلك الفترة كان المصريون يساقون إلى الحرب بطريقة مؤلمة ولم تكن عائلة في الريف لم تمسها هذه الجراح بشكل من الأشكال، وكانت الصبية الصغيرة أم كلثوم بأناشيدها الدينية وتواشيحها القديمة هي المواساة الحقيقية للشعب.
يضيف رجاء النقاش: لعل هذه الصورة التي يرسمها لنا المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي تبين لنا قيمة المواساة التي قدمتها الفنانة الصبية للشعب دون أن تدري ذلك أو تفهمه.
ينقل النقاش ما أورده الرافعي عن هذه السنوات المظلمة أثناء الحرب العالمية الأولى وهي نفس الفترة التي بدأت أم كلثوم في أواخرها تجوب البلاد طولا وعرضا وتملأ بالمتعة السعادة قلوب الفلاحين: لقد جندت السلطة العسكرية العمال في مختلف أرجاء البلاد لاستخدامهم في أعمال الجيش البريطاني وبلغ تعدادهم نيفا ومليون مصري وكانوا يؤخذون کرها باسم المتطوعين، وما هم بمتطوعين، ويعاملون معاملة المعتقلين، ويُجرُّون بالحبال ويساقون كالأغنام ويقام عليهم الحراس، وينقلون بالقطارات في مركبات الحيوانات، ويعاملون أسوأ معاملة ولا يعني بصحتهم ولا بغذائهم وراحتهم.. ومات كثيرون منهم في ميادين القتال، أو في صحراء سيناء والعريش أو في العراق وفرنسا، وأصيب كثير منهم بالأمراض والعاهات التي جعلتهم عاجزين عن العمل، واجتمعت إلى تلك المظالم مظالم أخرى بما لجأت إليه السلطة العسكرية من مصادرة الناس في أرزاقهم وحاصلاتهم الزراعية ومواشيهم ودوابهم، فقد استولت عليها بأبخس الأثمان وبأسعار تقل كثيرا عن أسعارها في الأسواق، وفرضت على كل مركز من مراكز القطر المصري مقدارا معينا من الحبوب يورده إلى الجيش بهذا السعر البخس، فكان الأهلون يطلب منهم في بعض الأحيان أكثر ما عندهم، فيضطرون تحت تأثير الضغط إلى شراء ما يطلب منهم بأسعار السوق، ويقدمونه كرها بالسعر البخس.
يعلق رجاء النقاش: في هذا الجو الحزين كانت أم كلثوم تمسح قرى مصر، بحثا عن رزقها ورزق أسرتها، في مقابل ما تقدمه من فن إلى جماهير الفلاحين، وكانت تذهب إلى هذه القرى المختلفة، إما مشيا على قدميها، وإما راكبة على ظهر حمار، وإما في عربة من عربات الدرجة الثالثة في قطارات الدلتا القديمة وما يشبهها.
أم كلثوم وتخفيف آلام الفلاحين
ويتابع النقاش: وهكذا كانت أم كلثوم منذ اللحظة الأولى في حياتها تلعب دورا سياسيا وإنسانيا في حياة الفلاحين، وكانت بالتأكيد تلعب هذا الدور دون أن تدري أنها تقوم به، وأنها تخفف عن الفلاحين آلامهم ومأساة حياتهم في ظل الحرب والإنجليز، كل ما كانت تدريه هو أنها تطيع أباها وتساعده في الحصول على رزقه ورزق الأسرة.