ما تخافوش
كيف لنا أن نقنع أبنائنا وأجيالنا القادمة بأن العمل والاجتهاد؛ هو المقياس الحقيقي للنجاح والارتياح، وأمامهم هذا الكم الهائل من التساهل والإهمال والفوضى والعشوائية والانفلات الأخلاقي المدر للأموال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فمن خلال رقصة فتاة، واستعراض سيدة، وتجاهل رجل، وميوعة شاب؛ يجني رواد السوشيال ميديا، الأموال، ضاربين بعرض الحائط كل الأخلاق والأعراف.
يكفيك جولة واحدة على تيك توك أو إنستجرام، أو أي تطبيق يعرض مقاطع مصورة؛ لتعرف حجم الكارثة، وكلما تعمقت؛ انعزلت.. وكلما تجولت؛ شاهدت.. وخِفت.. فلا أستطيع أن أخفي خوفي على أبنائي ومجتمعي من هذا العالم الافتراضي الموازي لعالمنا الواقعي، بما فيه من إسفاف واستخفاف واستنفار ضد كل القيم والأخلاق ولكن..
بحكم عملي في صحافة الحوادث، وتغطية الملف الأمني ومتابعتي المتواصلة منذ أكثر من 11 عاما، تطورت خلالها الجريمة، وأدوات ارتكابها، وطرق تنفيذها؛ أعلم جيدا أن المجرم يطور من أدواته، ويواكب التكنولوجيا الهائلة بكل إمكانياتها الجبارة، فظهرت الجريمة الإلكترونية المنظمة منذ سنوات، واستهدفتنا بحزمة جرائم للاختراق الأمني، واستهداف الهوية، وكسر إرادة الشباب، وتحولت الحرب من مواجهات عسكرية نظامية، إلى حروب تكنولوجية، تحت شعار: ليه أسيح دمك لما أقدر أخليك تسيح دمك ودم اللي من دمك بنفسك.
تشرفت بدعوة كريمة من وزارة الداخلية، الأربعاء الماضي، لحضور حلقة نقاشية عن الأمن السيبراني، أحد أبعاد الأمن القومي المصري، التي نظمها مركز بحوث الشرطة، حول: أهمية التصدي للهجمات السيبرانية؛ نظرا لخطورتها على المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، حاضر فيها عدد من الخبرات الأمنية بوزارة الداخلية، ومتخصصون في مجالات مختلفة، ودارت النقاشات فيها حول: تأثير وخطورة الحروب التكنولوجية والعملات الافتراضية والواقع المعزز على الأمن بمفهومه الشامل.
لفت انتباهي خلال الندوة، مصطلح: الهندسة الاجتماعية، على لسان مدير إدارة المصنفات بوزارة الداخلية، وهو أحد وسائل السيطرة على العقول، مثل: استخدام التكنولوجيا في الحصول على معلومات شخصية، ثم الاتصال بالمواطنين، وإقناعهم بأنهم البنك المركزي؛ لإمدادهم بمعلومات عن حساباتهم البنكية، ثم اختراقها وسرقتهم.
أحد أبرز التحديات، قضايا النصب الإلكتروني وطرق مواجهتها ولكن في المقابل كان الإعلان عن أكبر عملية نصب تمت في مصر وكشف النقاب عن قضية الرمال البيضاء وضبط المتهمين فيها مصريين وأجانب وملاحقات عصابات الاستيلاء على أموال المواطنين بعد الاستيلاء على بياناتهم الشخصية عن طريق النت والكم الكبير من ضبطيات رجال مباحث الأموال العامة بوزارة الداخلية رغم حذر وحيطة وتعقيد مرتكبي جرائم النصب والاحتيال الالكتروني من أهم عوامل طمأنة المواطنين.
حنكة المتحدثين وخبرة المتخصصين خلال الحلقة النقاشية، وإدراكهم لواقع جديد؛ كنت أخشى أن نتوه فيه، ومدى تأثيره على هويتنا وأمننا الشامل، وأخلاقنا وتقاليدنا، ومتابعتهم ومواكبة مصر بأجهزتها كافة، لكل ما يخلخل الأمن والسلم المجتمعي؛ أثلجت صدري، لأن فكرة أن تكون الدولة بأجهزتها بمعزل عما يدور في العالم الافتراضي الموازي والحروب الحديثة النفسية والتكنولوجية؛ هاجس مرعب، لطالما أرَّقني.
وطالما تحدثت عن الوعي والخوف والخطر؛ لا بد من استحضار رد المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، السفير بسام راضي، على مخاوف سيدة، علقت على صفحته الرسمية، وكتبت: تحياتى لحضرتك.. من فضلك فيه شعور وإحساس منتشر بين الناس.. فيه خطر على الأمن القومي.. إحساس بالإحباط والخسارة وعدم الأمان.. أرجوكم ساعدوا الناس وانتبهوا.. ارفعوا وعي الناس وحاربوا اللي منتشر على السوشيال ميديا.
الرد جاء؛ ليطمئنها، ويريحني: سيدتي الفاضلة عزة… كل من يستقرئ أحداث تاريخ مصر القديم والحديث؛ يدرك تمامًا أن مصر محروسة بعناية الله- تعالى-، بالحفظ والرعاية والحماية، لمصر وأهلها، من كل سوء ومكر وكيد وعدوان.. مصر دائما محروسة بقيادتها الوطنية الشريفة، ورجالها المخلصين وشعبها العظيم.. ومهما تكالبت عليها الأحداث الجسام والمؤامرات المعقدة الجسيمة من الخارج أو الداخل؛ دائما ما تنتصر على كل ما واجهته من ظروف ومصاعب.. مصر دائمًا محروسة بحفظ الله- المليك المقتدر- رغم طمع الطامعين، وحقد الحاقدين، ومكر الماكرين.. وصدق الله- عز وجل- الذي قال في محكم آياته، على لسان سيدنا يوسف- عليه السلام-: «ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ»، وصدق رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-، عندما قال عن أهل مصر: «إنهم في رباط إلى يوم القيامة».
تصطف مصر برجالها المخلصين، وأجهزتها المختلفة؛ لمواجهة هذه الحرب، بالردع والنصيحة، ورفع وعي المواطنين، ولكن بقي دور كبير على الأسرة والمجتمع، وإليك عزيزي القارئ، رسالة القاضي الجليل، المستشار محمد الجندي، لـ حنين حسام فتاة التيك توك، المتهمة بالاعتداء على قيم أسرية، ودعوة قاصرات لإنشاء فيديوهات ومشاركات ومحادثات مع الشباب، مقابل أرباح، بعد تخفيف الحكم عليها إلى السجن 3 سنوات، وغرامة 200 ألف جنيه: المحكمة أخذتك بقسط من الرأفة؛ نظرا لحداثة سنك، عسى يكون ما حدث درسا لك، وردعا لكل من يريد أن تكوني قدوة له في هذا العمل المشين، ورسالة إلى كل أب لا يراعي أبناءه، فكلكم راع ومسئول عن رعيته.
حفظ الله مصر وأهلها وشبابها من كل مكروه وسوء.