قضت عمرها في البحث ووجدت إجابتها داخل الأزهر.. رحلة فتاة إسبانية أشهرت إسلامها بمصر │ صور
بماذا أدعو ولمن؟.. كانت تلك هي نقطة البداية في مشوار لورينا وندرلوست، الفتاة الإسبانية التي تعيش في جزر الكناري بإسبانيا، قبل أن تنطلق في رحلة تفتح عيناها على حقائق، لطالما بحثت عنها ولم تجدها سوى في مصر، مُعلنة إسلامها في الأزهر.
لحظات من التوتر مُمتزجة بالرهبة والسعادة والهيبة، عاشتها لورينا وندرلوست داخل أروقة جامع الأزهر الشريف ظهر 17 مايو الماضي، وهو اليوم الذي اعتبرته الفتاة الإسبانية، تغييرًا لحياتها بنسبة 180 درجة، بعد نطق شهادة أن لا إلا الله وأن محمد رسول.
لا يعتبر قرار لورينا وندرلوست، وليد يوم السابع عشر من مايو، أو مجرد تأثر ونشوة شعرت بها من الاختلاط بالمسلمين والشعائر الإسلامية سواء في شهر رمضان أو العيد أو بالأيام العادية، خلال زيارتها إلى مصر، بل كان الأمر نِتاج تساؤلات وبحث منمق بدأت فيه الفتاة الإسبانية منذ عام 2010، عندما قررت أنها لا تدين بالمسيحية أو أي ديانة، كونها لم تجد أي من تساؤلاتها.
تروي لورينا في لقاء خاص مع القاهرة 24، رحلتها الكاملة التي أوصلتها لقرار الدخول بالإسلام، فهي فتاة تعيش مع أسرتها في جزر الكناري بإسبانيا، تربت داخل مدرسة مسيحية كاثوليكية، وظلت تتلقى جميع تعاليمها على يد قساوسة ورهبان منذ طفولتها إلى أن بلغت 15 عامًا، ولكن لطالما كان يدور في رأسها؛ تساؤلات عديدة، ولا تجد إجابات لها في أي مكان.
شغوفة بحب الاستطلاع والمعرفة.. لم ترض لورينا واقفة مكتوفة الأيدي أمام أوضاعها التي يراها البعض طبيعية للغاية، لكن كان دائمًا هناك صوت داخلها يدفعها للبحث عن إجابات على جميع تساؤلاتها، فكانت غير راضية عن عدم تدريس الدين الإسلامي أو أي ديانة أخرى بالمناهج في المدارس.
ورغم وجود العديد من المسلمين في جزر الكناري، كونها تقع على مقربة وانفتاح على القارة الإفريقية، وبالتالي الشرق الأوسط، إلا أنها لم يكن لها أي صديق مُسلم.
التواصل مع المسلمين
انطلقت لورينا إلى ألمانيا، ليصبح لها أول مجموعة من الأصدقاء المسلمين، الذين تباينت جنسياتهم، فمنهم المغاربة أو الأتراك، وبدأت أعينها تتفتح على حياة أخرى؛ تتمكن من خلالها؛ إشباع جزء من نهمها في المعرفة، والحصول على إجابات لبعض أسئلتها، وذلك قبل أن تزور تركيا وتشعر بمشاعر حب واتصال لم تشعر بها من قبل مع أحد المساجد هناك.
واصلت لورينا رحلاتها السياحية للعديد من البلاد مثل المغرب وفلسطين، لتتواصل مع أعداد أكبر من المسلمين، وتسألهم عن العديد من المفاهيم، وتتعرف على طريقة مزاولتهم للشعائر الدينية، وتحصل على إجابات أكثر، قبل أن تعيش واقعة كانت بداية لتغيير كل شيء.
مرضت والدة لورينا، وهو ما جعلها تذهب للكنيسة كما اعتادوا، ولكن هذه المرة تساءلت لورينا بماذا أدعو؟ ولمن أدعو؟ ثم وعدت والدتها بأنها ستأخذها في رحلة إلى مصر عندما تشفى من المرض، حيث أنه لطالما كان حلم الأم، أن تزور بلاد الفراعنة.
تعرفت الفتاة الإسبانية خلال زيارتها لمصر على صديق؛ أخذت تسأله عن العديد من الأشياء، التي كانت مُختلطة عليها عندما تسمع عن الإسلام هنا في أوروبا، وقد تواجه العديد من الأشكال النمطية غير الصحيحة عنه، وهو ما رفضت لورينا الاستسلام لهذه الأفكار المغلوطة، وأخذت تفهم منه أكثر وأكثر.
إلى ماذا يلجأ الإنسان عندما تزدحم الأفكار في رأسه؟
بعدما قضت لورينا إجازة مع والدتها في مصر، واختلطت بالمصريين الذين أجابوها عن المزيد من تساؤلاتها؛ بدأت الفتاة الإسبانية تشعر بأن هناك شيء ما يتغير بداخلها تمامًا، ولكن ما هو؟؟
الكتابة.. الكتابة كانت هي الحل الأمثل، فعندما يتخبط الإنسان ويشعر بالضياع أو بازدحام المشاعر بداخله، غالبًا ما تكون صياغة مشاعره في كلمات بحبر على ورق؛ طريقًا لترتيب ما يشعر به أو تنظيم خيوط بنات أفكاره.
وعندما ضربت جائحة كورونا العالم، وتم تعليق مُختلف الأنشطة والأسفار والأعمال لفترات وشهدت البلاد إغلاقًا، انفتح عقل لوريانا، وكأن العالم قد توقف لوهلة، ليجعلها تملك الوقت لصياغة مشاعرها وتفكيرها على الأوراق، وتعرف ماذا يحدث بداخلها، وبدأت تكتب كل شيء تفكر فيه ويومياتها، إلى أن توصلت بأن الإسلام بدأ يترسخ بداخلها، وترغب في معرفة المزيد والمزيد عن هذه الديانة، ووجدت أن مصر هي أكثر مكان فتح أعينها على كل شيء، وبالتالي قررت حزم أمتعتها، والتوجه لمصر لقضاء إجازة على مدار 3 أشهر.
لم تجرب شرب الخمر من قبل؟ كيف!
لم تجرب الكحول من قبل؟.. كيف يمكن لشخص في هذا العمر لم يشرب الخمر مرة واحدة في حياته؟ّ!.. كانت إحدى المفاجآت الكبرى للفتاة الأوروبية، فشرب النبيذ هو أمر عادي لدى الجميع في أوروبا، وأساسي في أي مناسبة أو تجمع عائلي أو حتى عشاء عمل وغيره.
وفور وصولها، التقت الفتاة الإسبانية بأصدقائها المصريين، وبدأت تتسائل أكثر فأكثر.. لماذا لديكم أغلب الفتيات محجبات، وتوجد سيدات أخرى في الخمسينيات غير مُحجبات؟.. لديكم الكثير من الكنائس.. كيف ذلك!، قبل أن تفهم لورينا من صديقها أن المسيحيين يعيشون بشكل طبيعي في مصر، وأن لكل شخص الحرية في ديانته.
في إفطار المطرية المهول الشهير، شعرت لورينا بحب شديد لجميع الأجواء، وشعرت أنها بشكل ما؛ تنتمي لهذه الأجواء، وهذا الدين بكل تفاصيله، لتقرر أن تغير ديانتها إلى الإسلام.
اختارت يوم 17 مايو لإشهار إسلامها، لأنها ولدت يوم 17 سبتمبر، وبمحض الصدفة كان يوم الثلاثاء مثلما كان اليوم في مايو، وأرادت أن يحدث ذلك في الجامع الأزهر، لما تشعر به من حُب وتواصل معه، كي تسير على خطى الأميرة ديانا، التي جاءت لمصر وزارت الجامع الأزهر، وارتدت هناك الحجاب أثناء زيارتها، فقررت أن تخطو خطاها.
شيوخ الأزهر يتأكدون من نقاط بعينها قبل نطق الشهادة
جاءت اللحظة الحاسمة، ووطأت قدم لورينا أروقة جامع الأزهر، لتدخل الغرفة مع شيوخ الأزهر الأجلاء، الذين أخذوا يسألونها العديد من الأسئلة، للتأكد من سلامة نيتها، وتأكدها الشديد من الإقدام على هذا القرار، ولكن أصعب سؤال بالنسبة لها كان عندما أراد الشيوخ التأكد من أن قرارها شخصي تمامًا، وليس بسبب شاب ما أحبته وما إلى ذلك، وهو ما أخذ من لورينا وقتًا؛ كي تتمكن من شرح وجهة نظرها كاملةً، وتروي لهم جُذور القصة التي بدأت منذ أن كانت تبلغ من العمر 15 عامًا.
أول وصية قدمها الشيوخ لـ لورينا؛ بضرورة أن تكون صالحة مع والديها، وهو ما جعلها تتوتر بعض الشيء، لأنها لم تخبر والدتها بعد، حيث أنها أرادت اتخاذ قرارها بعقلها فقط، لكنها وعدت الشيخ أنها ستكون صالحة معهم بالطبع.
أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله.. اللحظة التي توقف عندها الزمن داخل لورينا، التي شعرت بالمهابة والسعادة والتوتر وكل شيء في آن واحد، وهو ما جعلها تبكي من شدة التأثر والخشوع.
توقفت لورينا عن شرب الكحول منذ عام ماضي، حيث أنها كانت تعمل على إعداد نفسها جيدًا لهذه اللحظة، كما أنها تعلمت كيفية أداء الصلاة، وهو الأمر الذي ساعده فيها أصدقاءها كثيرًا، الذين أخذوا يرسلون إليها مقاطع الفديو والملفات، لشرح كيفية أداءها.
تتعلم لورينا كل شيء خطوة بخطوة، دون أن تعقد المسألة على نفسها فكل شيء بهدوء، حيث أنها تمكنت من حفظ سورة الفاتحة باللغة العربية، وما يحمل ذلك من مشقة كبيرة بالنسبة لشخص لا يعرف اللغة العربية، كما أنها تقرأ القرآن الُمترجم إلى الإسبانية، والذي أهداه إليها أحد الأصدقاء.
الأصدقاء كأوراق الشجر هناك من يبلى ويحتاج لجزه لإفساح الطريق للجدد الذين يقبلونك كما أنت
تخلى عنها العديد من الأصدقاء بعد تغييرها الدين، ولكن اعتبرت أن ذلك حدث كي يُفسح لها مجالًا لـ أصدقائها الجدد، فكيف يتم قص الأوراق الهالكة بالشجر لتنمو الأوراق الجديدة؟، ستعيش لورينا مع أصدقاء يحبونها أيًا كان وضعها، حسب رواية الفتاة لـ القاهرة 24.
من جانبها، قالت والدة لورينا، موجهة حديثها للفتاة: إذا كنتِ سعيدة فأنا سعيدة، كذلك اثنين من أصدقائها.
وتخطط الفتاة الإسبانية في الوقت الحالي، إلى القدوم والعيش بمصر طوال حياتها، كونها البلد التي غيّرت لها واقعها ومستقبلها، وساعدها في الوصول لنفسها أخيرًا.