خطيئة استسهال الكتابة..!
الكتابة إن لم تكن نحتًا للمفردات من جبال الحروف والكلمات، لا يُعوّل عليها.
الكتابة إن لم تكن التقاطًا للمعاني والأفكار من أعماق الحياة والتجربة الإنسانية وبحور الأسطورة والدين والفلسفة، لا يُعوّل عليها.
الكتابة إن لم تكن تكوينًا هندسيًا، ونحتًا فكريًا وأسلوبيًا، بعد قراءة عميقة وبحث واستقصاء، لا يُعوّل عليها.
الكتابة إن لم تحمل قبسًا من جلال الجبال والعمارة الدينية القديمة، وتناغم الموسيقى الكلاسيكية، ورهبة موسيقى الكون، لا يُعوّل عليها.
الكتابة إن لم تُثِر روح ووعي القارئ، بحيث ترتقي بذوقه ومعرفته، وتنمي حسه الإنساني والنقدي، لا يُعوّل عليها.
الكتابة إن لم تفتح أمام القارئ نوافذ وآفاقًا جديدة للتفكير والحياة، لا يُعوّل عليها.
وفي زمن استسهال وابتذال البحث العلمي والكتابة والجرأة على نشرهما، ممن لا يملكون مقوماتهما وأدواتهما، يتحتم علينا تذكر دروس الرصانة العلمية والأدبية التي وضعها كبار الكُتاب، وهي الشروط التي تجعل الموهبة ورصانة العقل والقراءة أهم شروط الكتابة.
أبرزها قول الأستاذ عباس محمود العقاد: "إنه لكي يكتب جملة واحدة، كان عليه أن يُقلب ألف طن من معدن الكلام".
وكذلك قول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: "إن المكتوب هو نتاج المقروء".
وإذا عدنا لتراثنا الأدبي العربي نجد الكثير من الشواهد الشعرية والأقوال التي تؤكد ما ذهب إليه الأستاذ العقاد والفيلسوف سارتر، وهو الرأي الذي يجعل الكتابة حصادًا للقراءة، وحصادًا لمعارف وخبرات مُكتسبة، ونتاجًا لأدوات ومهارات مُحصلة، ومرآة لعقل ونفس الكاتب.
مثل قول الشعبي: "يُعرف عقل الرجل إذا كتب وأجاب".
وقول العتبي: "عقول الناس مدونة في كتبهم".
وأخيرًا قول ابن المقفع: "كلام الرجل وافدُ عقله".
وبناء على كل ما سبق، يُمكننا اليوم أن نعرف لماذا أصبح "أغلب" ما نقرأه على صفحات الجرائد والمواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، وفي الكثير من الأبحاث العلمية والنصوص الشعرية والأدبية الجديدة، "كتابة ميتة" لا روح ولا حياة فيها، ولا تُثير فينا مشاعر، ولا تحرك عقلًا، ولا تقدم معرفة، ولا تخلق وعيًا.
وفصل المقال، إن الكتابة في كل ميادينها تتأسس على الموهبة بداية، ثم على البحث والعمل الدؤوب لامتلاك المهارات والأدوات المؤدية إلى الإجادة فيها، كما تتطلب بعد ذلك أن يكون لدى الكاتب كلام جدير بأن يُقال ويُكتب.