مؤتمر الدراسات القبطية.. فرص مصر التي لاينبغي أن تضيع
يجيئ انعقاد مؤتمر الدراسات القبطية ببروكسل هذه الأيام، ليجدد أهمية النظر في مسألة الدراسات القبطية وما تعنيه للتراث المصري ولكل دارس لتاريخ هذه البلاد، ولما يمكن أن يتحول من خلاله هذا الباب العلمي الهائل لمصدر من مصادر القوة المصرية، ورافد من روافد الدخل القومي.
فطالما أثيرت – على سبيل المثال لا الحصر- مسألة إحياء مسار رحلة العائلة المقدسة داخل مصر، بما ينطوي في هذه المسألة من تذكير وتأطير لدور وصورة مصر في العالم القديم وفي مجريات أحداثه، وبما يضفي عليها مزيدا من القوة المعنوية والرمزية بوصفها البلد التي استضافت السيد المسيح وأمه الصديقة مريم عليهما السلام.
ناهيك عن البعد السياحي الاقتصادي الذي يضاف لهذه العوامل الرمزية والأدبية بالغة الأهمية.
وأتذكر حين حضرت مؤتمر الدراسات القبطية في نسخة العام 2016 في لوس أنجلوس بجامعة كليرمونت، وكنت أشغل وقتها مدير معهد الدراسات القبطية بجامعة الإسكندرية، أن الحديث دار بين الحاضرين عن حتمية استضافة مصر للنسخة القادمة من المؤتمر، إذ أنها الطرف الأول المعني في هذا الصدد.
ولايغفل أي أثري أو مهتم بتاريخ الحضارة المصرية أهمية هذه الاجتماعات والمحافل العلمية الدولية التي تكن كل الشغف للحضارة المصرية، ولربما لا تلقى الاهتمام الكافي والتغطية اللائقة بها من جانبنا.
وأسوق هذا المثال، مشغولا ومهموما، كما هو حال كل دارس ومشتغل بالتاريخ والآثار المصرية، بعدد من المؤتمرات المثيرة للريبة التي كرست كل جهدها لنسب الحضارة المصرية بمنجزها الضخم، لأعراق ودول وأتباع ديانات أخرى.
ودبجت هذه المؤتمرات أوراقا تنتحل طابعا علميا وتلفيقات لا أول لها ولا آخر، لخصم حضارة مصر من المصريين، وإيلاء ثمرتها لأمم أخرى!
ولا ينخدع أي متمرس في مجال الآثار والتاريخ المصري بمثل هذه الأقوال المرسلة، ولا الدلائل الملفقة.
بيد أن في القلب غصة من أن يصبح تاريخ المصريين عرضة للتلاعب إلى هذا الحد.
والحق يقال أن الصروح الرسمية المصرية من جامعات ومراكز علمية وعلماء آثار وتاريخ، لا يدخرون جهدا في دحض كل هذه الأقاويل الزائفة. لكن النفس تتوق إلى سياق أكثر إحكاما وأكثر منهجية وتكاملا في الرد على هذه الأكاذيب.
وبالعودة إلى مؤتمر الدراسات القبطية (نسخة 2016 بلوس أنجلوس) وهو مؤتمر علمي مرموق ومحترم، وأتشرف بأنني كنت جزءا منه، أقول أن مثل هذه المؤتمرات ينبغي أن ينصرف إليها جهد ضخم لتنعقد في مصر، ولتستضيف المهتمين والقامات العلمية حول العالم على أرض هذه البلاد، وأن تجري سجالاتهم وأبحاثهم تحت سماء مصر المحروسة.
فهذا الملف تحديدا له خصوصية مصرية أصيلة، ويقع ضمن مكونات الأمن القومي المصري وضمن روافد الشخصية المصرية الثرية المسلحة في طبقة من طبقاتها بالثقافة القبطية العميقة الجذور.
ومن ثم تمثل مثل هذه المؤتمرات ثقلا علميا، ومصدرا بحثيا، ووجهة محتملة لجلب الزوار وجذب الانتباه إلى هذه البلاد العظيمة.
سيما في ظل الجهود الضخمة المبذولة من جانب الدولة المصرية لإعادة ترتيب أركانها وملفاتها لتعظيم الاستفادة من كل الإمكانات المتاحة.