أبناء الشتات.. عندما يكون للمعاناة وجه طفل | تحقيق استقصائي
المقتلعون من الجذور.. القاهرة 24 يكشف العالم السري للأطفال غير المصحوبين بذويهم
تحقيق وتصوير: صلاح لبن وأحمد سعيد حسانين
قبل عامين، جاءت طفلة سودانية، في الخامسة عشرة من عمرها إلى مصر، لاجئةً دون مرافق جعلتها أمها تغادر موطنها بمفردها؛ لوجود خطورة جسيمة على حياتها هناك تعرضت الطفلة للاغتصاب في القاهرة من قبل شخص سوداني الجنسية كان يتتبعها، ودخلت حياتها في دائرة جهنمية منذ تلك اللحظة.
على ملامح وجهها ترتسم معاناة تضفي عليها طابعا مميزا، معاناة تُنبئ عن عذابات لا تُطاق اختبرتها تلك الطفلة وعاشتها بكل كيانها، معاناة هي مزيج من الشعور بالانتهاك والخوف والحرمان والقلق والاغتراب العميق في حاضر قاسٍ لا يبشر بمستقبل رحيم.
تلك الطفلة ليست الوحيدة التي مرت بهذا النوع من المعاناة، فهناك أعدادا تقدّر بالملايين من الأطفال غير المصحوبين تركوا أهلهم ووطنهم، وأُجبروا على الرحيل إلى الجهة التي حددتها لهم عصابات التهريب، وحسب تقديرات منظمة اليونيسيف عام 2015، فإن ما يقرب من 50 مليون طفل حول العالم يقعون فريسة صراعات وحروب وفقر مدقع في أوطانهم، ويلجؤون إلى خوض رحلة محفوفة بالمخاطر، من أجل الوصول إلى ملاذ آمن.
أثناء الرحلة الشاقة التي يقطعها هؤلاء الأطفال، الذين سقطوا من شقوق الحياة اليومية، يتعرض بعضهم إلى الاحتجاز على الحدود لفترات تتخطى المدد القانونية، ويُمَارس ضدهم أشكالًا مختلفة من العنف والتعذيب والترهيب، كما تتعرض نسبة كبيرة منهم للاعتداءات الجنسية.
وتصنّف المنظمات الدولية الأطفال غير المصحوبين، بأنهم الفئة الأكثر ضعفًا بين اللاجئين، وتؤكد تقارير صادرة عنها بأنهم يفتقدون الحماية والأمن، كما يواجهون أزمة في الحصول على الغذاء والإيواء والسكن والصحة والتعليم.
على مدار عام ونصف من البحث في أوضاع تلك الفئة المنسية، تمكّنا من جمع شهادات موثقة بمقابلات مصوّرة، وتسجيلات صوتية، تكشف عن العالم المخفي والمجهول لهؤلاء الأطفال المقتلعين من جذورهم، والذين يمثلون جنسيات إفريقية مختلفة: الصومال وأريتريا والسودان وجنوب السودان وتشاد.
كما تضمن التحقيق عرضًا شاملًا لأبعاد تلك القضية، مُزوَّدًا بإحصاءات ورسومات وبيانات تكشف تفاصيل ذلك الملف الشائك، الذي تحوّل إلى ورقة على مائدة المفاوضات بين قادة الدول.
تهاني.. طفلة تكره ابنتها وتخاف من الجميع
أكره ابنتي، عندما أنظر لها ينتابني شعورًا بأنني مقيدة، أحيانًا أتمنى أن يعود بي الزمن للحظة ولادتها كي أُلقي بها بعيدا؛ فهي دائمًا تُذكرني بما أريد نسيانه.. بتلك العبارة الصادمة استعادت تهاني ذات السبعة عشر عامًا تفاصيل ذكرى الواقعة التي تعرّضت لها قبل عامين، والتي عانت على إثرها من أزمة نفسية حادة، بعدما أصبحت أُمًّا مسؤولة عن طفلة ناتجة عن علاقة بالإكراه.
تهاني (اسم مستعار)، فتاة سودانية، جاءت إلى مصر دون مرافق، اضطرت والدتها إلى تعديل عمرها لتزيده 3 سنوات، حتى تتمكن من مغادرة البلاد بطريقة شرعية، على أمل أن تلحق بها في المستقبل.
تعرضت تهاني للاغتصاب في القاهرة على يد شخص سوداني الجنسية: جعلني الأمر محاصرة بنظرات الناس، رغم أنني حاولت الدفاع عن نفسي ولم أستطع فعل شئ.. تقول تهاني لـ القاهرة 24، موضحةً أنها تعرضت لخداع شخص سوداني الجنسية ضرب جرس الشقة التي كانت تسكنها، وأخبرها بأنه يريد قراءة عداد الغاز، لكنه قام بالاعتداء الجنسي عليها.
تهاني كانت تقيم في ذلك الوقت مع سيدة سودانية، تعرفت عليها عقب وصولها القاهرة:
كنت أريد أن أخبرها بتفاصيل الواقعة، لكني خشيت ألا تصدقني، وتطردني من الشقة، ثم أجد نفسي أمام مشكلة جديدة.. والآن أشعر بالخوف من نظرات المقربين مني، حيث أقرأ فيها أنني جانية ولستُ مجنيا عليها.
ووفقًا لما سجلته المفوضية من إحصاءات عن خطة استجابة مصر لدعم اللاجئين الصادر في 2020 فإنه خلال شهر أكتوبر 2019 ارتُكب 30 حادثًا ضد الأطفال تحت إطار العنف الجنسي، وشمل 23 فتاة و7 فتيان، وتضمن 16 حالة اغتصاب و10 اعتداءات جنسية، و4 حالات إيذاء ومضايقات.
تهاني تقدمت ببلاغ بالواقعة عقب الولادة، فيما وكّلت المفوضية محاميًا لها، الأمر الذي مكنها من استخراج شهادة ميلاد للطفلة، مع منحها اسم عشوائي: قالوا لي هنختار اسم لأبوها من عندنا.
لم تكد تهاني تتجاوز الشهر الرابع من الحمل، حتى تمكنت والدتها سلمى عبد الرازق (اسم مستعار) من إتمام رحلة شاقة، مع سماسرة التهريب عبرت بواسطتها إلى البوابة المصرية؛ لتعثر على ابنتها، لكنها اصطدمت بأن ابنتها الصغيرة تحمل طفلًا في أحشائها من شخص لا تعرفه.
سلمى تقول لـ القاهرة 24: ابنتي لم تكتشف حملها سريعا، فلم تربط بين انقطاع دورتها الشهرية والواقعة التي تعرضت لها، لم تكن تعرف أن الدورة الشهرية تنقطع خلال فترة الحمل.
استخدمت سلمى دراستها لعلم النفس في محاولة تأهيل طفلتها نفسيا: وجدتُ أنها غير مستعدة للتعامل مع حفيدتي بصورة جيدة، فقمت بتحمل المسؤولية كاملة، وأضفت ابنتها إلى ملفي بالمفوضية، وكنت أضطر إلى اصطحاب الرضيعة معي أثناء العمل خوفا من أن تتعرض للإيذاء على يد والدتها.
وأشارت إلى أن ابنتها تتابع مع دكتورة تُدعى جلوريا من منظمة crs، والتي تعمل على تأهيلها نفسيًا، بينما رفضت أن تتواصل مع مؤسسة "بستك" التابعة لمفوضية اللاجئين؛ لأنها وجدت المشرف على حالتها بها سوداني الجنسية.
وتضطر سلمى إلى تغيير محل الإقامة كل 5 أشهر تقريبا، خوفا من أن يصل إليها الأشخاص السودانيون الذين أجبروها على ترك وطنها.
أعيش في منطقة بعيدة عن أعين السودانيين، وإذا قابلت أحدا من أصدقائي أصف له مكانًا بعيدًا لنلتقي فيه.. تقول سلمى، وتواصل: أخشى أيضا من أن يعرف أعمام ابنتي بمكاننا، فيأخذوها مني لأن القانون السوداني ينصفهم في ذلك.
قصة تهاني واحدة ضمن مئات القصص المأساوية لفئة الأطفال غير المصحوبين بذويهم، ممن يصنفون بأنهم الأكثر ضعفا بين مجتمع اللاجئين، وتنضم لشهادات قمنا بتوثيقها لكشف ما يتضمنه هذا الملف من انتهاكات تتعرض لها هذه الفئة في ظل غياب دور المنظمات المختصة.
أحلى صحبة.. مبادرة لمساعدة الأطفال على الاندماج
مها طبيق، سيدة سودانية، قضت 17 عاما في مصر، مهتمة بملف الأطفال غير المصحوبين أطلقت منذ 6 أعوام مبادرة أحلى صحبة، والتي ضمت سيدات من السودان وإريتريا، لمساعدة هذه الفئة من الأطفال على الاندماج مع المجتمع، ومحاولة التواصل مع المنظمات الدولية من أجل توطينهم.
في حديثها مع القاهرة 24، قالت مها إن فكرة المبادرة تبلورت في جلسات القهوة، التي تضم أكثر من 50 امرأة يتناقشون في قضايا مختلفة في بيت واحد؛ تطرقنا وقتها لمشكلة الأطفال غير مصحوبين، لأنهم يعيشون ظروفا صعبة.
وأضافت: معظم الأطفال غير المصحوبين الذين اهتممنا بهم من إرتريا والسودان وتشاد، كنا نوفر لهم المبيت والاستضافة في الجمعية الخاصة بنا، كما تواصلنا مع هيئة إنقاذ الطفولة وبستك، وتمت معالجة الكثير من الحالات وتوطينها.
وتشير مها إلى أنهم تمكنوا من إنقاذ العديد من الأطفال الذين فكروا في الانتحار، لافتة إلى أن منظمة بستك عالجت العديد من الأطفال الذين مروا بظروف صعبة أيضا.
وحكت طبيق عن قصة أثرت عليها نفسيًا، كانت لطفلة إرترية ضمن المجموعة التي يتابعون حالتها في الجمعية، تقول: تعرضت الطفلة لخديعة من سمسار أخبرها بأنه لديه عمل لها بمبلغ كبير، وعندما ذهبت معه وجدت نفسها في شقة يقيم بها ثلاثة شباب.
ظلت الطفلة الإريترية رهينة لديهم، يتبادلون فيما بينهم اغتصابها، ويوجهون لها تهديدات بالقتل إذا ما فكرت في الهرب.. ساءت حالة الطفلة، ما جعل الشباب يتخلصون منها بإلقائها في الشارع، وتوفيت بسبب تعرضها لنزيف، حيث أثبت الطب الشرعي بأنها كانت تعاني من حمل خارج الرحم.
منذ عام 2017 قررت مها طبيق ألا تستمع لقصص الأطفال غير المصحوبين وأن يقتصر دورها على المساعدة بالتواصل مع المنظمات والتنسيق والتشبيك بينها وبين الحالات التي يعثرون عليها، وذلك بعدما لاحظت أنها تتأثر سلبيًا بتلك القصص، حيث خضعت للتأهيل النفسي جراء تعاملها مع هذا الملف، فقد كانت تتذكر فترة طفولتها وأزمتها كلاجئة.
مسؤول العلاقات الخارجية بمكتب المفوضية بالقاهرة ريم عبد الحميد، أشارت إلى أن ما يقرب من 37٪ من مجموع اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين في مصر هم من الأطفال بينهم 4،067 أطفال منفصلين أو غير مصحوبين بذويهم مسجلين، وفقًا لإحصائيات المفوضية حتى شهر نوفمبر 2020.
وأوضحت مسؤول العلاقات الخارجية بمكتب المفوضية، أن الأطفال غير المصحوبين يأتون من إرتريا والسودان وجنوب السودان وإثيوبيا والصومال وسوريا.
وقالت ريم، إن المفوضية في مصر من بين أكبر برامج إعادة التوطين، إذ يعمل مكتبها على زيادة فرص إعادة التوطين لجميع اللاجئين، لافتة إلى أن أماكن إعادة التوطين محدودة للغاية، حيث تسير وفقًا لما تحدده بلدان إعادة التوطين، وذلك لأنهم يضعون معايير خاصة لمن يرغبون باستضافتهم في بلدانهم.
فاطمة.. 14 عاما مع البامبرز.. ورصاصة في الساق
في شقة متواضعة بأحد الأحياء الشعبية بمدينة السادس من أكتوبر، تسكن الطفلة الصومالية فاطمة حسين، ذات الأربعة عشر عاما، بصحبة ثلاث فتيات أخريات، من السودان وإرتريا والصومال، جميعهن وصلن إلى مصر عبر رحلات هجرة غير شرعية.
فاطمة كانت الأصغر بين بقية الفتيات المشاركات معها في السكن، لم تكن تجيد اللغة العربية أو الإنجليزية، كانت تستخدم فقط لهجة صومالية محلية، ما جعلها تنعزل عنهن في غرفتها معظم الوقت.
مرت الطفلة الصومالية بأزمات نفسية شديدة، فما عانته من صعوبات في رحلتها التي بدأتها من مقديشو إلى القاهرة ترك شوائب بداخلها يصعب إزالتها، فعلى إثر تلك التجربة أصبحت تعاني من التبول اللاإرادي، لذلك اضطرت لتخصيص جزءٍ من مصاريفها لشراء حفاضات الأطفال.
حال فاطمة الآن أفضل نسبيا عن ذي قبل، لكنها ما زالت غير قادرة على توفير تكاليف علاجها، فقد أصيبت بطلق ناري في ساقها على خلفية الرحلة التي قطعتها إلى مصر، الأمر الذي سبب لها صعوبة في الحركة: عندما طرقت أبواب المفوضية السامية لشئون اللاجئين لأحصل على دعم أعالج به ساقي لم أجد من يساعدني.
الدراسة بالنسبة لفاطمة لم تعد أمرًا مجديا، لأن المناهج التعليمية تقدم بلغة لا تتقنها، والعمل من الأمور المؤرقة بالنسبة إليها أيضا، فعلى الرغم من صغر عمرها وظروفها الصحية الصعبة إلا أنها مستمرة في البحث عن مصدر دخل يوفر لها المال اللازم للمعيشة، لكنها دائمًا ما تفشل في إيجاد فرصة مناسبة.
فاطمة لا تتقن العربية لذا كانت تتحدث إلينا بواسطة ترجمة شقيقتها جواهر.
جواهر وصلت إلى البوابة المصرية قبل 6 أعوام، عاشت ظروفًا صعبة في بلادها، وبسببها ذاقت أسرتها ويلات التعذيب، ولم تكن شقيقتها الصغرى فاطمة بمنأى عن ذلك.
جواهر هي الأخت الكبرى لفاطمة، لعبت المصادفة دورًا في أن يجتمعا سويًا بعد أعوام من الفراق.
فاطمة تعرضت للاحتجاز بسببي، وعانت خلال رحلتها إلى مصر نتيجة إصابتها الشديدة التي جعلتها عاجزة عن الحركة بصورة طبيعية، أحاول تعويضها عن كل شيء، حيث أعمل 16 ساعة يوميًا لتوفير احتياجاتنا.. تقول جواهر.
لقاء جواهر بشقيقتها جاء عن طريق المصادفة البحتة؛ فقد تلقت اتصالًا من صديقةٍ لها قبل بضعة أشهر، تخبرها فيه بوجود مجموعة من اللاجئين الصوماليين في منطقة سوق السيارات بمدينة نصر، بينهم طفلة من نفس بلدتها، ذهبت جواهر على مضض، لتكتشف أنها تقف أمام شقيقتها الصغرى.
"لم أصدق نفسي عندما اكتشفت أنني أمام أختي. احتضنتها. كانت تبكي بشدة، بينما كنت عاجزة عن الحديث".. تقول جواهر.
تضيف جواهر: "كان آخر اتصال لي مع أسرتي في مارس 2016، كنت وقتها في جنوب السودان، بعد ذلك انقطع التواصل معهم، وأرقام البيت لم تعد متاحة، لذلك لم أتوقع هذه المصادفة".
تعود جواهر للحديث عن شقيقتها، قائلة: "عانت فاطمة كثيرًا من الرحلة، أكثر شيء يؤلمني أنني أجبرها على ارتداء الحفاضات. الأمر يزعجها، لكن لا يمكن أن أتركها تتبول على نفسها".
أزمة فاطمة النفسية لا تغيب عن حديث جواهر: "أختي كانت تعاني من التبول أثناء فترات المساء فقط، كانت تصحو من النوم، وتجد الفراش مبتلًا، لكنها أصبحت تعاني من المشكلة طوال اليوم، حيث تتبول تلقائيًا دون القدرة على التحكم في الأمر".
تشير جواهر إلى أن أكثر من نصف مساعدات المفوضية تذهب لبند شراء حفاضات، حيث تستهلك عبوتين من الحجم الكبير شهريًا بقيمة 500 جنيه.
"نحن نحصل من المفوضية على 900 جنيه شهريًا، الأمر لا يتعدى أكثر من ذلك، فلا يوجد اهتمام كامل بها، رغم أنها تحتاج إلى إجراء عملية في الركبة، وهو أمر تسبب لها في أزمة نفسية". تقول جواهر.
تقول الشقيقة الكبرى: "فاطمة كانت تحكي لي كل ما يزعجها، لكن هناك تغييرًا طرأ على شخصيتها مؤخرًا، إذ أصبحت تميل للعزلة، والبقاء لفترات أطول داخل غرفتها".
أجرت جواهر العديد من الفحوصات لشقيقتها فاطمة، منها أشعة على المخ والصدر وتحاليل دم، حيث تمكنت من الحصول على دعم المفوضية لتحمل تلك التكاليف، وذلك بعدما تدهورت حالة فاطمة.
عادت فاطمة للحديث، لتحكي تفاصيل أكثر عن رحلتها: "لم أكن أتوقع أن شقيقتي الكبرى ما زالت على قيد الحياة، كنتُ فقدت الأمل في العثور عليها".
"حركة الشباب اقتحمت منزلنا، وضربوا والدي ووالدتي، واحتجزونا جميعا، كانوا يجلدوننا كل صباح، لأنهم كانوا يبحثون عن جواهر، ويطلبون أن ندلهم على مكانها، ولم نكن نعلم شيئًا عنها".. تحكي فاطمة.
تقول الطفلة الصومالية: "تمكنت من الهرب بمساعدة إحدى سيدات الحراسة. كانت متعاطفة معي، لأنها اختُطفت مثلي، قبل أن تختارها حركة الشباب للعمل تحت خدمتهم".
توجهت فاطمة إلى السودان، وواجهت خلال تلك الرحلة صعاب كبيرة، حيث أصيبت بطلق ناري في الساق، وأثّر ذلك على حركتها أثناء توجهها إلى الخرطوم.
"كانت أفضل فترة في رحلتي عندما وصلت السودان، تعرفتُ على 4 فتيات من الصومال يدرسن هناك، منهن طبيبة ومعلمة ومهندسة.. كنتُ أعاني من أزمات صحية، كانوا يهتمون بي، وكانت حليمة الطبيبة تواصل علاجي، وتعطيني الحقن في البيت.. كنت أتعلم منهم أشياء كثيرة، وكانوا يدرسون لي، لكنني الآن عاجزة عن التعلُّم، ولا يمكن أن أصبح طبيبة مثل حليمة، كما تمنيت".
عاشت فاطمة في الخرطوم عامًا ونصف، وغادرتها حين اندلعت الثورة السودانية، متجهة إلى مصر، بعدما قررت الفتيات الأخريات العودة إلى مقديشو الصومالية، وكان من الصعب أن تذهب الطفلة مرة أخرى إلى وطنها.
التقطت جواهر طرف الحديث، قائلةً: "أختي تعلقت بهن، وأتمنى أن أجد وسيلة للتواصل معهن لأشكرهن على ما قدموه لها من رعاية، فهن تكفلن بكافة المصاريف خلال الفترة التي قضتها معهن".
"قررت أختي المجئ إلى مصر. هذا خيار أفضل من العودة إلى الصومال، فحركة الشباب المتشددة لن تتركها، إنهم يتحكمون في كل شئ. ويقطعون الإنترنت عن القرية وقتما أردوا، ويعيدونه حين يشاءون".
واقع أليم يعيشه هؤلاء الأطفال، فما بين استغلال وإيذاء الجنسي، وافتقاد الحق في الغذاء والإيواء والسكن والصحة والتعليم، تتواصل معاناتهم، وسط صمت وتجاهل من قبل المنظمات الدولية
آية ورزان.. طفلتان إرتريتان وسط سماسرة التهريب
في شقة متواضعة مكونة من غرفتين استقبلتنا السيدة الإرترية سميرة إبراهيم، التي ضمت الطفلتان الإريتريتان آية ورزان (10 سنوات و12 سنة) إلى أطفالها الستة، بعدما فقدا الأهل والوطن ووصلا إلى مصر بعد رحلة شاقة وسط سماسرة التهريب.
"أعلم أن هناك العديد من الأسر التي تستغل الأطفال غير المصحوبين للحصول على دعم من المفوضية، لكني أتعامل مع الطفلتين مثل أولادي، وأوفر لهما الحماية التي افتقدتها".. تقول السيدة الإرترية، مؤكدة أنها تعلم بوجود تجاوزات تتعرض لها تلك الفئة تصل أحيانًا إلى الاعتداءات الجنسية، وهو الدافع الذي كان وراء موافقتها على رعاية الطفلتين.
تقول السيدة سميرة: "الطفلتان اضطرا إلى الاستسلام لأوامر عصابات التهريب، ووصلا إلى مصر بعد رحلة صعبة تعرضا خلالها مثل التعذيب والمشي على الأقدام لمسافات طويلة".
وأشارت إلى أن الطفلتين يرفضان الحديث عن التجربة التي مرا بها.
لم تحصل رزان وآية على أي دعم من المفوضية حتى الآن، فيما تنتظر السيدة سميرة التي حصلت على "البطاقة الزرقاء" من المفوضية، فرصةً للتوطين في أوروبا، كما تبحث عن عائلة أخرى للطفلتين، وهو ما يجعل معاناة أية ورزان مستمرة.
الأسرة البديلة.. حيلة لاستغلال الأطفال؟
ملاذ 8 سنوات، محمد 6 سنوات، فاطمة 3 سنوات، ومهند سنة ونصف، 4 أطفال من السودان، توفت والدتهم وتتركهم بلا عائل، ليجدوا أنفسهم مجبرين على أن ينضموا إلى عائلة جديدة تضم 7 أطفال آخرين، تعكف على رعايتهم السيدة السودانية "هويدا الحاج".
"تطوعت لدى المفوضية لكي ينضموا للعيش معي، لأنهم بلا أهل، وخصصت لهم غرفة ليقيموا وسط أطفالي.. فأنا أمتلك الآن 11 طفلًا منذ أن انضموا إلينا".
تواصلت هويدا مع منظمة سانت اندروز، وأخبرتهم بوجود 4 أطفال بدون رعاية، وأنها تريد أن تضمهم إليها، وعلى إثر ذلك خصصت المنظمة زيارة لها لتقييم وضع الأطفال، وبعد التواصل مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أُتخذ إجراء فصل الأم عن الأطفال، وتخصيص ملف جديد يحمل اسم "ملاذ"، أكبرهم سنًا.
تقول هويدا: "سألتني المنظمة عن الأسباب وراء طلب انضمام الأطفال لأسرتي، فأخبرتهم بأن من حقهم أن يكون لهم أم وأسرة تعتني بهم".
تشير السيدة السودانية إلى أن ملاذ تطلب منها أن تدخل المدرسة، لرغبتها في تعلم القراءة والكتابة، وأنها الوحيدة التي رفضت أن تناديها بـ"ماما"، وتستبدل الكلمة بـ"خالة".
تضيف هويدا: "أحصل الآن على مساعدات من منظمتي سانت اندروز وكاريتاس. إذ توفر لي سانت اندروز كوبون للمواد الغذائية، ومصاريف الإيجار وحفاضات الأطفال، ومع ذلك أعمل لفترات طويلة للحصول على الأموال، لذا أترك أولادي معظم فترات اليوم.
أشرف ميلاد، المحامي المتخصص في شئون اللاجئين، يقول لـ «القاهرة 24»، إن "الأسرة التي تعول الأطفال غير المصحوبين تحصل على دعم مقابل الرعاية، وأعرف أكثر من أسرة تبنت العديد من الأطفال بسبب تلك الميزة".
يشرح ميلاد الأسباب التي أدت إلى وصول أعداد كبيرة من هذه الفئة إلى مصر، قائلًا: "الأطفال غير المصحوبين أتوا من الجنوب عبر مجموعات تدفقت إلى مصر بطرق غير رسمية، حيث بدأت عمليات النزوح من جانب الإرتريين والإثيوبيين بشكل جماعي منذ عام 2008.
يحدد المتخصص القانوني في قضايا اللاجئين طريقة التعامل مع الأطفال غير المصحوبين بعد وصولهم إلى البوابة المصرية قائلًا: "أول جهة تتعامل مع الأطفال غير المصحوبين هي مفوضية اللاجئين، من خلال شخص متخصص مسئول عن حماية الطفل، يجعلهم يملؤون استمارة خاصة بهم يطلق عليها". PIA
ويضيف: "الأطفال يتم التعامل معهم داخل المفوضية باستخدام المسار السريع، حيث تحدد المقابلة بأسرع وقت، وهناك مجموعة من المتخصصين في التعامل مع هذه الفئة".
ويستكمل: "المفوضية تستفسر عن أسرة الأطفال، وعندما تتأكد أنهم بدون عوائل، يتم اللجوء إلى أسلوب الكفالة، حيث يتم إدماجهم في أسر من نفس القبائل التي أتوا منها، ويتم توثيق الأمر".
ولفت إلى أنه يتم التعامل مع تلك الإجراءات بكل صرامة، فهناك حالات يتم استغلالها من قبل عصابات بيع الأعضاء.
وأشار إلى أن بعض الأسر في دول الجنوب يرسلون أطفالهم بطرق غير شرعية إلى الدول الآمنة والمستقرة، وعندما يتم قبول الطفل، يستغلون ذلك في تقديم طلب استقدام الأسرة للعيش معهم، لافتًا إلى أن هذه الأسر ليس لديها مشكلة في تعريض الطفل للخطر مقابل الانتقال معهم لحياة أفضل.
ويرى ميلاد أن مشكلة هؤلاء الأطفال تتمثل في أن العديد منهم لا يتمكنون من الحصول على المساعدات، ويطلق عليهم مصطلح "سقطوا من الشقوق"، وهو ما يسمى بفجوة الحماية والمصروفات.
ياسر فراج، مدير "مكتب حق"، المختص بقضايا اللاجئين الأفارقة، يشير إلى عدم وجود تشريعات بشأن الأطفال غير المصحوبين بصفة خاصة، ولكن من الممكن أن تصنف هذه الفئة ضمن "أطفال الشوارع".
ويؤكد فراج، أنّ القانون المصري يدعم إعاشة الأطفال الذين لا يمتلكون عائلات من خلال المؤسسات الاجتماعية المملوكة للدولة.
ولفت إلى أن اتفاقية 51 تمثل أساس المنظومة التشريعية للاجئين، وأن مصر أعلنت بشكل صريح تحفظها على عدة بنود منها العمل والسكن والصحة والتعليم، على أن توفر لهم المفوضية والمانحون تلك الخدمات.
وأوضح مدير مكتب حق لدعم اللاجئين قانونيًا، أن سانت اندروز من بين المنظمات الشريكة للمفوضية التي تمتلك قسم خاص لرعاية الأطفال غير المصحوبين.
ولفت فراج إلى أن بعض الأسر البديلة تتعمد تعطيل إجراءات وصول الأطفال لعائلاتهم الأصلية، وذلك لأنهم يحصلون على دعم مقابل رعايتهم، مشيرًا إلى أن الخوف من انقطاع ذلك الدعم يدفعهم إلى محاولة إفساد الأمر.
واقترح فراج بأن يتم إنشاء مؤسسة للأطفال غير المصحوبين تقدم خدمة الإقامة المجانية لهم، وتوفير خدمات التعليم والصحة وغيرها من المتطلبات الأساسية، متوقعًا أن المفوضية والمنظمات الشريكة إذا تعاونوا فإن لديهم القدرة على تنفيذ تلك الفكرة.
"الأجنحة القوية": بعض اللاجئين يدعون أن أطفالهم "غير مصحوبين"
أمير خالد، السوداني الجنسية، سكرتير جمعية "الأجنحة القوية" المهتمة بقضايا اللاجئين، يؤكد أن هناك بعض اللاجئين من جنسيات مختلفة يتنصلون من أطفالهم ويدعون أنهم ضمن فئة غير المصحوبين، لافتًا إلى أن هذه الحيلة كثيرًا ما تمر على المفوضية.
وأوضح خالد أن المشكلة تكمن في أن المفوضية تتعامل مع الجمعيات القاعدية المجتمعية (cpo) والذين يتم اختيارهم على أسس عرقية وقبلية، وبالتالي يكونون منحازين.
وأشار سكرتير جمعية "الأجنحة القوية" إلى أن تلك الأمور تؤدي في نهاية المطاف إلى حصول المفوضية على معلومات مغلوطة وغير صحيحة عن الحالات الخاصة بالأطفال غير المصحوبين.
وشدد على ضرورة أن توفر المفوضية آلية جيدة لتحديد الأطفال غير المصحوبين الحقيقيين، وأن يتم اختيار الكوادر المدربة والمؤهلة للتواصل الجيد مع التجمعات الأفريقية المتواجدة في مصر، ومعرفة أساليب التعامل معها.
واقترح خالد (الذي قضى 10 سنوات مهتما بقضايا اللاجئين) أن يتم الاستعانة بمختصين في الطب النفسي والاجتماعي ممن يمتلكون والكفاءة في التعامل مع المجتمعات الأفريقية.
فرحة منقوصة.. رماز تعرفت على أهلها وتنتظر "لم الشمل"
على الضفة الشرقية من نهر النيل، في المعادي جنوب القاهرة، كانت الطفلة التشادية رماز محمد (اسم مستعار) تنتظر دورها لمقابلة مسؤولين تابعين للجنة الدولية للصليب الأحمر، عقب تلقيها معلومات بالتوصل إلى أشقائها المقيمين بدولة كندا.
بدا الارتباك على الطفلة الصغيرة، التي بدأت عام 2021 ببهجة لم تعتد عليها، لم تصدق أنها ستجد أخوتها مرةً أخرى، لذا حرصت أثناء وجودها في مقر الصليب الأحمر على تدوين ما جرى باليوم والشهر والعام في الدفتر الذي لازمها منذ مغادرتها للوطن.
"يمكنك الآن التواصل مع شقيقتيك".. قالها الموظف المختص بالصليب الأحمر، لينتفض جسد الطفلة التشادية فرحًا. وبدأت المكالمة الأولى معهما بصوت يغمره السعادة: "أنا بخير لا تقلقوا".
بكت رماز طوال المكالمة التي استمرت لبضع دقائق، كانت ترد على أسئلة الشقيقتين (بشرى وسلانة) بشأن حالتها وصحتها وطبيعة المعاملة التي تتلقاها من الأسرة البديلة التي تقيم معها بالقاهرة: "كانت أول مرة أكلمهم.. وأول مرة أحس بحنان الأهل".. تقول.
لم تكتمل فرحة الطفلة، حيث أخبرتها موظفة بالصليب الأحمر بأنه من الصعب أن يساعدوها بالوصول إلى شقيقتيها عبر برنامج لم الشمل، وأنه سيتم التواصل بالمفوضية بشأن تلك المسألة، لتترك رماز المقر بفرحة منقوصة.
كان ذلك اللقاء في بداية يناير من عام 2021، وإلى الآن لم تتمكن رماز من إيجاد وسيلة للالتقاء بشقيقتيها، وعلى الرغم من أن الصليب الأحمر حدد مكان أخوتها، ومعرفة المفوضية بأن الطفلة تقيم مع أسرة بديلة لمدة تخطت العام، سبقها 6 أشهر جمعتها بعائلة أخرى، لم تتحرك أي جهة لإنهاء معاناة رماز.
معاناة رماز البالغة من العمر 17 عامًا، بدأت عندما أراد والدها تزويجها بصديقه الستيني، هو ينتمي لإحدى القبائل التشادية، التي لا تهتم برأي الفتيات في الزواج، حيث الرجال فيها هم من يحدد مستقبلهن، وأي قرار يصدر عن الرجال بمثابة القانون لابد من تطبيقه دون مناقشة.
اعتمدت رماز على عمتها التي تتولى مهمة رعايتها منذ انفصال والدها عن أمها، حيث طلبت منها العمة إظهار الموافقة على عرض الزواج أمام أبيها، في وقت هيأت فيه الظروف المناسبة لتهريبها إلى مصر.
"طُلقت أمي، وعمري ثلاث سنوات، ثم تركتني لأبي، وسافرت إلى السودان، وكنت أسمع من عمتي أنني لدي شقيقتين في كندا، لكني لم أر إلا والدي، ولم أحتمل البقاء معه خصوصًا بعد أن حاول إجباري على الزواج من رجل ستيني".. تقول الطفلة.
"هل كل الآباء بقسوة أبي؟".. تسأل رماز وهي تتحدث إلينا دون أن تعنينا بالسؤال، ثم تعود وتوجه عتابًا لأبيها الغائب: "كان عليك يا أبي أن تحب ابنتك أكثر من قبيلتك".
بمجرد وصولها القاهرة التقت رماز بصديقة عمتها، المقيمة بمنطقة الهرم، التي نسّقت معها العمة لاستقبالها والإقامة معها، وإنهاء إجراءات تسجيلها بالمفوضية، على أمل أن تصل إلى الشقيقتين، رغم أنها لم تكن تمتلك من المعلومات عنهما إلا أنهما تقيمان في كندا.
"المعلومات ضئيلة لا يمكن أن نستدل منها على شئ" كان ذلك رد الموظف التابع للجنة الدولية للصليب الأحمر بحسب حديث رماز لنا، وذلك أثناء مقابلتها الأولى، حيث لم تسفر عملية البحث عن شئ لمدة زادت عن العام قبل أن تتواصل معهما عبر الهاتف.
تروي رماز أنها قضت الثلاثة أشهر الأولى عند صديقة عمتها دون أن تشعر بضيق أو أنها ضيفة ثقيلة عليها، لكن بعد تلك المدة بدأت المعاملة تتغير تدريجيًا، ولم تكن تعلم السبب وراء ذلك التغير المفاجئ.
"بدأت تمنعني من التواصل مع عمتي، وأصبحت تعاملني كخادمة لديها، لا أنسى أنها كانت توقظني من النوم بكل قسوة بعد ساعتين أو أقل من الاسترخاء، ثم تطلب مني أن أقوم بترتيب الشقة وتنظيفها" تقول الطفلة، مؤكدة أنها كانت مثل السجينة.
"لم أكن أحصل منها على مصروفات شخصية، وفي المقابل كانت تأخذ المساعدات التي أحصل عليها من المفوضية، ثم تخبرني أن ذلك مقابل إقامتي التي لا أدفع منها شئ. كنت أحصل على 400 جنيه سلة غذائية و900 جنيه شهريًا من قبل منظمة كريتاس".
استطاعت الطفلة رماز الهرب بواسطة صديقة لابنة تلك السيدة، حيث تعاطفت معها، وأوصلتها إلى أسرة جديدة تقيم بمنطقة حدائق المعادي.
وجدت رماز معاملة لم تتوقعها من الأسرة الجديدة، فكانت لا تفرق بينها وأي فرد من بقية الأسرة، بالإضافة إلى أنهم قاموا بتحفيزها على مواصلة التعليم.
كانت رماز تدرس أثناء وجودها في تشاد بمدرسة تسمى بـ"الملك فيصل"، حيث فضلت المناهج العربية عن الفرنسية، وعندما أرادت أن تستكمل تعليمها بالقاهرة من خلال الالتحاق بالمدارس السودانية اضطرت إلى خسارة ثلاث سنوات، نظرًا لعدم امتلاكها الشهادات التي تثبت مستواها الدراسي، فاضطرت إلى أن تبدأ من السنة الثامنة وفقًا للنظام التعليمي السوداني.
الصليب الأحمر: نضعهم على رأس أولوياتنا
"ليو بروزر" نائب رئيس بعثة اللجنة الدولية لقسم الحماية بالصليب الأحمر بالقاهرة، رد على كافة أسئلتنا، وقال لـ"معدي التحقيق"، إنه يتم المساعدة في الاتصال بين أفراد العائلات الذين تشتت شملهم بسبب النزاع المسلح أو الكوارث الطبيعية أو في طرق الهجرة، مضيفًا أن "القاصرين غير المصحوبين بذويهم هم أكثر الفئات استضعافًا والذين نسعى جاهدين لمساعدتهم ونضعهم على رأس أولوياتنا".
"الأطفال غير المصحوبين بذويهم أو المنفصلين عن أحبائهم أو المتضررين من النزاع المسلح يتلقون أشكالًا مختلفة من المساعدة من قبل اللجنة الدولية، بحسب البلد والوضع، إما بشكل مباشر أو من خلال أحد شركائنا" يقول ليو.
ويؤكد: "اللجنة الدولية وسعت نطاق أنشطتها لضمان كفالة الأطراف المعنية حصول الأطفال على التعليم، سواء كانوا غير مصحوبين بذويهم أم لا".
وأشار بروزر إلى أنهم يعملون في بعض البلدان أيضًا مع المنظمات غير الحكومية الدولية والوطنية المعنية، لضمان حصول الأطفال غير المصحوبين بذويهم على مسكن في أثناء الفترة التي يستمر فيها البحث عن أحبائهم.
واستدرك قائلًا: "بينما نعتبر، كقاعدة عامة، أن المصلحة الفضلى للأطفال تتحقق من خلال لم شملهم مع أفراد عائلاتهم البالغين، فقد تكون هناك استثناءات، وفي هذه الحالة نعمل عن كثب مع المنظمات المعنية أكثر باتخاذ القرارات التي تراعي المصالح الفضلى للطفل".
واستكمل حديثه: "ثمة حالات تساهم فيها اللجنة الدولية إما في تكلفة إيواء القاصرين في أثناء الفترة التي يستمر فيها البحث عن أحبائهم؛ وتقديم المساعدة قبل لم الشمل، لكل من الأطفال والعائلة؛ أو تقديم دعم محدود بعد لم شملهم لتيسير إعادة إدماجهم أو توفير ظروف حياة كريمة لهم".
وبشأن الأطفال غير المصحوبين من ذوي الأصول الإفريقية الذين يحصلون على مساعدات من الصليب الأحمر، قال نائب رئيس بعثة اللجنة الدولية لقسم الحماية بالقاهرة: "ليس من السهل إصدار أرقام حول عدد القاصرين الأفارقة الذين يتلقون الدعم في جميع أنحاء العالم، قد يكون هؤلاء في إفريقيا أو في بلدان أخرى".
وأضاف: "في عام 2019، وهو آخر الأعوام التي تتوفر بيانات بشأن تلك الفئة، حيث جمعت اللجنة الدولية شمل 897 شخصًا بعائلاتهم، من بينهم 729 طفلًا غير مصحوب أو منفصل عن ذويه، مشيرًا إلى أنه في نفس العام تضمن أكبر عدد من الحالات التي عالجتها بعثات اللجنة الدولية في القارة الأفريقية؛ جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا ونيجيريا وإثيوبيا ونيروبي".
أشهر أزمات الأطفال غير المصحوبين في دول العالم
المغرب وأسبانيا
- انتشر مئات الأطفال غير المصحوبين بذويهم على حدود سبتة داخل وخارج الجيب الإسباني.
- استدعت المغرب السفير الإسباني في الرباط فبراير 2021.
- الاستدعاء كان بسبب تصرفات تجاه المهاجرين القاصرين المغاربة بداخل أحد مراكز الاحتجاز في جزيرة لاس بالماس.
- تمكّن ألف قاصر في 17 مايو 2021 من الوصول إلى جيب سبتة الإسباني انطلاقًا من المغرب
- 18 مايو 2021 أعلنت وزارة الخارجية الإسبانية، استدعاء السفيرة المغربية على خلفية تدفق آلاف المهاجرين إلى الأراضي الأوروبية من خلال جيب سبتة
- العفو الدولية أعلنت أن 2000 قاصر من غير مصحوبين بذويهم وصلوا إلى سبتة سباحة أو سيرا على الأقدام في 17 و18 مايو 2021
- اعتبرت المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية إيلفا جوهانسون أن تدفّق مهاجرين إلى جيب سبته الإسباني أمرا «مقلقا»
يونيسف: عدد الأطفال المغاربة داخل أوروبا يصل إلى 9 آلاف طفل، ما يعادل 68 % من إجمالي الأطفال القاصرين في أوروبا.
- العاهل المغربي وجّه بعودة كل القاصرين المغاربة الذين لا يوجد معهم مرافقون ودخلوا الاتحاد الأوروبي بطريقة غير مشروعة.
الولايات المتحدة والمكسيك
- فصلت إدارة ترامب 5500 طفل عن البالغين على طول الحدود بين عامي 2017 و2018
- مارس 2021 وضع أكثر من 5000 قاصر غير مصحوبين بذويهم في خيمة احتجاز تديرها هيئة الجمارك وحماية الحدود بالولايات المتحدة
- 25 مارس 2021، وافق البنتاجون على إيواء الأطفال المهاجرين غير الشرعيين في قاعدتين عسكريتين بولاية تكساس مؤقتا.
- الأطفال غير المصحوبين بذويهم كانوا يقضون 130 ساعة حجز في مراكز حرس الحدود، بينما الإطار الزمني القانوني هو 3 أيام
- أبريل 2021 ارتفعت عمليات توقيف المهاجرين غير الشرعيين على الحدود بين البلدين
- شهدت الأشهر الأولى بعد تنصيب بايدن تدفقًا كبيرًا للمهاجرين وخاصة من الأطفال غير المصحوبين بذويهم.
- مايو 2021، بلغ عدد الأطفال غير المصحوبين بذويهم والذين سمح بالبقاء في الولايات المتحدة 17171 شخصًا.
مَنّ الله: هكذا بدأت فكرة تعليم الأطفال غير المصحوبين
محمد مَنّ الله، سوداني الجنسية، متخصص في قضايا اللاجئين، يحمل في جعبته أكثر من 10 أعوام من العمل التطوعي المقدم للاجئين، دقّ خلالها أبواب مؤسسات ومنظمات دولية ومحلية للتعاون معها، كان من بينها منظمة الهجرة الدولية وهيئة إنقاذ الطفولة.
مَنّ الله ركز اهتمامه على ملف تعليم الأطفال الأفارقة الذين يواجهون عقبات تمنعهم من اكتساب هذا الحق، فكانت خطوته الأولى تأسيس جمعية "أرض اللواء"، وإنشاء مدارس تستهدف مساعدة الأطفال غير المصحوبين في التعلم بالمجان.
وجد منّ الله أن 90% من هؤلاء الأطفال من غير الناطقين باللغة العربية، ما يزيد من صعوبة اندماجهم في الحقل التعليمي، لذا خصص نشاط الجمعية لهذا الغرض ولجأ إلى عناصر مُدرَّبة على تعليم اللغة العربية وإتقانها.
"هؤلاء الأطفال دخلوا مصر بطريقة غير رسمية، ولا يمتلكون أوراقًا ثبوتية أو شهادات تعليمية تحدد مستوياتهم، بالإضافة إلى وجود فوارق في المناهج التعليمية، وتعرضهم لأزمات نفسية كبيرة تمنعهم من الدراسة في المدارس المصرية".. يوضح مؤسس المدارس الإفريقية الصعوبات التي تواجه هذه الفئة على المستوى التعليمي.
ويستكمل حديثه عن بدايات الفكرة قائلًا: "أسست مدرسة تعليمية في عام 2010، كانت عبارة عن فصل واحد، سميتها (فرصة)، اعتبرتها منفذًا بسيطًا لتعليم هؤلاء الأطفال اللغة العربية والرياضيات، وبعد مرور 3 أعوام، طوَّرتُ المدرسة لتتخذ الطابع الرسمي، والمعترف به، ثم أصبحت أمتلك 4 فروع بالقاهرة الكبرى، يدرس فيها الآن أكثر من 1000 طالب وطالبة".
تبلورت فكرة تأسيس المدارس لدى منّ الله عند انتهائه من إجراء العديد من البحوث في ذلك المجال، بالإضافة إلى ملاحظته أنّ الأطفال يأتون إلى المركز الذي يشرف عليه طوال فترات اليوم، وعندما يسألهم عن دراستهم، يخبرونه بأنهم بلا أولياء أمور يهتمون بتعليمهم.
يقول: "رأيت انطلاقًا من المسئولية الاجتماعية أن أمارس دور ولي أمر هؤلاء الأطفال، لذلك وركزت معهم على إتقان اللغة العربية حتى يستطيعوا التعبير عن حقوقهم، وأنشأت لهم مدرسة مجتمعية صغيرة تقدم لهم الخدمة دون مقابل لأكثر من 3 سنوات، وكان أغلب المدرسين الذين تعاملت معهم من المتطوعين".
وأضاف: "أسست عام 2013 الفرع الرئيسي للمدرسة، التي ضمت كافة المستويات التعليمية، وأستأجرتُ مكانًا أوسع لاستضافة أكبر عدد من المعلمين ممن يحملون جنسيات إفريقية مختلفة".
وتابع: "كان الهدف من رسالتي التعليمية أنه ليس للإنسانية حدود، وأن لهؤلاء الأطفال حق في السكن والتعليم".
"لدينا الآن مركز تعليمي متكامل، ونتعاون مع الصليب الأحمر في نشرة شهرية، واستطعنا مؤخرًا بعد مجهود كبير، الاتفاق مع السفارة السودانية وقسم التعليم بمفوضية اللاجئين على السماح للأطفال غير المصحوبين بإجراء امتحان الشهادة السودانية، وتمكنا من إقناعهم بذلك الأمر، وأصبح الأطفال يحصلون على الشهادة السودانية الموثقة".
وواصل منّ الله حديثه: "السفارة السودانية توفّر الاختبارات لغير السودانيين أيضًا، كما تؤدي دور لم الشمل لكافة الأطفال غير المصحوبين بغرض تعليمهم، ما أسهم في تقديم خدمات للإرتريين والصوماليين وغيرهم من الطلاب الذين يحملون جنسيات أخرى، لأن الدستور السوداني يتضمن بندًا ينص على أن التعليم حق للجميع".
وتُشرف السفارة السودانية على امتحانات الشهادة السودانية داخل مصر، بتخصيص مبانٍ بداخلها لتأدية الاختبارات، وذلك بدفع رسوم تقدر بـ 100 دولار للطلاب الذين يحملون الجنسية السودانية، و250 دولارًا للأجانب".
يقول منّ الله: "نقوم بدور حلقة الوصل بين الطلاب غير المصحوبين من السودان والجنسيات الإفريقية الأخرى والسفارة السودانية، وذلك من أجل تذليل العقبات التي قد تواجههم، نظرًا لافتقادهم أوراقهم الثبوتية".
وأضاف: "نتواصل مع منظمات إنسانية للمساهمة في دفع الرسوم، وكان يقوم بهذا الدور هيئة الإغاثة الكاثوليكية crs"
روى منّ الله تفاصيل مهمة بشأن تطور تلك الفكرة: "حصلت مؤخرًا على موافقة بتقديم منح جامعية للأطفال غير المصحوبين في أستراليا وأمريكا وكندا، وتعتبر هذه نقطة تحولًا كبيرة لهم، فعلى سبيل المثال قدمت أستراليا 100 فرصة تمريض، شريطة أن تكون أعمارهم أقل من 30 عامًا".
كان من ضمن القصص التي دفعت منّ الله إلى مساعدة الأطفال غير المصحوبين بصورة أكبر، وتخصيص جزء من وقته لخدمتهم، اقترابه من مأساة الطفلة إرترية ميار موسى (اسم مستعار).
"كنت أسمع يوميًا الكثير من القصص والتجارب المرهقة نفسيًا في قضية هؤلاء الأطفال، لكنني تأثرت شخصيًا بتجربة ميار التي تعرضت لمعاناة كبيرة بعد فرارها من إرتريا تنفيذا لرغبة أسرتها خشية تجنيدها إجباريًا".
الصدمة النفسية التي انتابت الطفلة، التي لم يتجاوز عمرها 14 عامًا، والتي وجدت نفسها فجأة وحيدة بلا أسرة أو مسكن يكون مأوى وملاذ لها، جعلتها في حالة صمت دائم، لا يصدر منها سوى صوت بكائها لمدة اقتربت من أربعة أشهر".
لم تجد الطفلة الإرترية التي لجأت للسفر بطريقة غير شرعية، أمامها سوى اللجوء إلى مفوضية شئون اللاجئين، التي أرسلتها بدورها إلى مركز أرض اللواء، أملًا في توفير خدمات ملائمة لها.
يكمل من الله لـ «القاهرة 24»: "لم تكن الطفلة تتحدث سوى اللغة الإرترية وتحفظ بعض الكلمات من اللغة العربية، وكانت آثار الصدمة النفسية تملأ وجهها، ولا تتوقف عن البكاء كلما تذكرت معاناتها، ورغم محاولاتي والمقربين مني الحديث معها إلا أنها ظلت ملتزمة الصمت لفترة من الوقت، كان أول مرة أسمعها تتحدث حينما طلبت أن أوفر لها وظيفة عمل بعد أن هاجر أصدقاؤها أيضا بصورة غير شرعية عبر البحر، فلم تجد سكنًا ملائمًا أو أموالًا تنفق على نفسها".
"حاولت قدر المستطاع مساعدتها، وكسب ثقتها حتى لا تتعرض لمضاعفات إضافية نتيجة الصدمة النفسية التي عاشتها، وفوجئت بها يومًا تؤكد لي أنها حصلت على وظيفة مع دكتورة تعمل في جامعة القاهرة ولديها طفلين صغيرين يمكن العيش معها ومساعدتها في تربيتهما، وجدت أنها فرصة مواتية لكي تتعلم لغة أخرى مثل الإنجليزية".. يقول من الله: “كان أكثر ما يؤرق الطفلة الإرترية رغبتها في العودة إلى وطنها من جديد والعيش بصحبة أسرتها، وظل ذلك الشعور يراودها لعدة سنوات، إلا أن القوانين التي تقرها إرتريا بصعوبة دخول أي شخص إلى أراضيها في حالة فراره منها بصورة غير شرعية كانت تقف حائلًا أمام تحقيق ذلك الحلم”.
يواصل من الله: "كنت أخشى عليها من الهجرة عبر البحر، وأعتمد على الثقة التي بنيتها بداخلها، وأحاول قدر المستطاع كسب الوقت معها حتى تسافر بطريقة سليمة، وحاولت التواصل مع أسرتها حفاظًا عليها، حتى وجدت الفرصة سانحة بعدما هاتفت زميلاتها بالخارج، وبعد التواصل، انتهى الأمر بسفرها إلى أمريكا ولكن بصورة طبيعية وليس بشكل غير شرعي".
نهال.. كل ما أتذكره عن السودان هو صوت إطلاق النيران
نهال خليل، طفلة سودانية، تبلغ من العمر 15 عامًا، اضطرت إلى خوض رحلة غير شرعية وسط سماسرة، دون أن يرافقها أحد من أسرتها، تركت وطنها بسبب الأحداث الدامية التي تعرضت لها دارفور، واشتداد المعارك حيث يسكن أهلها.
على الرغم من مرور 3 أعوام من وجودها في مصر، لا تعلم الطفلة أية معلومات عن أمها وأبيها وأشقائها الثلاثة.
تقول الطفلة السودانية التي قابلتنا في شقة صغيرة بمنطقة فيصل، حيث تقيم مع سيدة وطفل تعرّفت عليهما بعد وصولها القاهرة: "كل ما أتذكره من لحظة هروبي عن مدينتي، أصوات إطلاق النيران، وصرخات تنطلق من أفراد أسرتي، ولولا مساعدة بعض الجيران كان مصيري سيكون مختلفًا وسوداويًا".
تركت نهال جنوب دارفور متجهة إلى الخرطوم، ثم إلى حلفا، وصولًا إلى السودان، ثم القاهرة.
تقول: "أريد أن أتعلم، لكن السيدة التي أعيش معها لا تدبر لي احتياجاتي، وأشعر أن هناك أشياء كثيرة تنقصني. لا أعيش مثل بقية الأطفال".
وأضافت: "انتهيت من السنة التعليمية الثامنة، لكن رسوم الدراسة مكلفة، وتأدية الاختبارات تتطلب التعامل بالدولار".
تعاني الطفلة السودانية من مشكلة تتمثل في عدم قدرتها على الاندماج مع المجتمع المصري، وتشير إلى أنها أحيانًا تتعرض للسخرية بسبب لون بشرتها السوداء.
تقول: "أشعر بعدم الأمان. أحلم بأن ألاقي أسرتي وأعيش وسطهم في مكان أرتاح فيه".
نضال خليل، السيدة المشرفة على رعاية نهال، تقول: "الطفلة لديها تطلعات كبيرة، ولا تريد أن تعيش حبيسة واقعها. أحاول دائمًا أكون لها الحماية، وأن أغمرها بالعاطفة بقدر ما أستطيع".
وأضافت خليل: "كل ما أمتلكه عمل في مصنع حلويات بمنطقة أبو رواش يوفر لي 2500 جنيه بصفة شهرية، وكارت غذائي قدمته لي المفوضية، لكن ذلك لا يكفي احتياجات البيت، وتعرضت للطرد من الشقة قبل ذلك، لعدم قدرتي على سداد الإيجار. كنت جليسة المنزل بسبب خشونة القدم".
تعترف نضال بأنه لا يمكنها أن تكون بديلة عن أسرة نهال، وأن الطفلة بحاجة لدعم نفسي كبير للتأقلم على حياتها الجديدة.
تواصلنا مع ممثل منظمة يونيسف في مصر جيريمي هوبكنز، لمعرفة طبيعة الدعم الذي يقدمونه لهذه الفئة، فبدأ حديثه بأن الأطفال غير المصحوبين يمرون بالعديد من المخاطر يأتي من ضمنها أوضاعهم القانونية لوجودهم داخل الحدود المصرية، عدم وجود برامج للرعاية البديلة لهؤلاء الأطفال، إذ يتم الاعتماد على المجتمع المحلي والجمعيات الأهلية.
ويشير هوبكنز إلى أن من ضمن الأزمات التي تواجه الأطفال غير المصحوبين انخفاض مستوى المعيشة والحالة الاقتصادية، وعدم قدرتهم على الوصول للخدمات الحكومية المتاحة، فضلًا عن تعرض البعض لمشكلات نفسية واجتماعية عديدة، واعتداءات والتنمر والتمييز.
وبحسب ممثل منظمة اليونيسف في مصر فإنهم يعانون أيضًا من مخاطر الهجرة غير الشرعية خلال خروجهم من بلدانهم الأصلية حتى الوصول إلى البلد المضيف، مشيرًا إلى أن تزايد أعداد الأطفال غير المصحوبين يرتبط بوجود صراعات داخل البلدان حيث أن غالبية الأطفال الموجودين في مصر يأتون من سوريا وجنوب السودان وإرتريا وتشاد.
وحول الخدمات التي تقدمها اليونيسف لهؤلاء الأطفال يؤكد هوبكنز، أنه يتم تقديم الدعم النفسي لحوالي 2000 طفل غير مصحوب من إجمالي 4100 طفل متواجدين داخل مصر، وذلك من خلال التعاون مع جمعية الهلال الأحمر المصري.
وأضاف، أن المنظمة تنفذ أنشطة مختلفة مع الأطفال غير المصحوبين، وتقوم برصد الحالات وتحويلها إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لاتخاذ الإجراءات طبقًا لبرامج لم الشمل وكذلك متابعة تلك الحالات.
وقال هوبكنز إنه يتم رصد حالات الأطفال المعرضين للخطر من تلك الفئات وتقديم الخدمات الضرورية أو إحالتها إلى الجهات الأخرى مثل المفوضية ومنظمة الهجرة الدولية.
ويلفت هوبكنز إلى أنّ المنظمة تقوم بدعم الجهات الحكومية مثل المجلس القومي للطفولة والأمومة من خلال البناء المؤسسي للنظام الوطني لحماية الطفل ليتضمن الحالات الخاصة بالأطفال، حيث تم الإطلاق الرسمي للإجراءات التشغيلية القياسية الخاصة بالأطفال في حراك Children On the Move Standard Operating Procedures
كما يؤكد أنه يتم تقديم المساعدات المالية للحالات الطارئة، كما يتم تقديم الخدمات لجميع الأطفال دون تمييز للنوع أو الجنس
وحول آليات التنسيق مع الجهات والمنظمات الأخرى يقول، إنه يتم تكوين مجموعة عمل لحماية الطفل من العاملين والمعنيين، تجتمع شهريًا تتضمن إلى جانب يونيسف المفوضية العليا لشئون اللاجئين بالأمم المتحدة، وكافة الهيئات الدولية والمحلية العاملة مع الأطفال في حراك بما فيهم الأطفال غير المصحوبين.
وأوضح هوبكنز، أنه من خلال تلك اجتماعات يتم مناقشة الحالات المعرضة للخطر وكيفية تقديم المساعدة لها.
أزمات الأطفال غير المصحوبين حول العالم
- الطاقة الاستيعابية لمراكز رعاية الأطفال المهاجرين غير المصحوبين بذويهم في مقاطعة كينت البريطانية لم تعد تتسع للمزيد منهم
- يناير 2016، أعلن اليوروبول أن 10 آلاف طفل لاجئ لا يرافقهم ذووهم اختفوا بعد وصولهم إلى أوروبا
- 18292 طفلا مهاجرا غير مصحوبين بذويهم فُقدوا في أوروبا بين يناير 2018 وديسمبر 2020 وفقا للجارديان
- مايو 2019: 3788 طفلًا غير مصحوبين بذويهم مسجلين في اليونان وحدها.
- مكتب الإحصاء الأوروبي: قدّم نحو 14 ألف طفل غير مصحوبين بذويهم طلبات لجوء في دول الاتحاد الأوروبي خلال عام 2020 بينهم 2300 طفل سوري.
- ما يقرب من 11000 طفل غير مصحوبين بذويهم من بين ما يقرب من 140،000 شخص يصلون إلى اليونان وإيطاليا وإسبانيا طلبًا للحماية.
- 2020 قدّم نحو 14 ألف طفل غير مصحوبين بذويهم طلبات لجوء في دول الاتحاد الأوروبي بينهم 2300 طفل سوري.
- يناير 2021 أعلن وزير الهجرة البريطاني غلق أبواب المملكة المتحدة أمام الأطفال اللاجئين غير المصحوبين بذويهم
- ا يوليو 2021 حذر تقرير سنوي لوزارة الخارجية الأمريكية بتعرض الأطفال دون ذويهم في مناطق الصراع الإثيوبية لزيادة احتمال تجنيد جماعات مسلحة لهم.
- منظمة "انقذوا الاطفال" الإيطالية: مئات الأطفال الغير مصحوبين بذويهم الذين يسافرون عبر إيطاليا ودول أوروبية يتعرضون لسوء المعاملة والعنف الغير مسبوق
هبة العزازي.. نوفر دعمًا ماديًا محدودًا جدًا في حالات معينة
هبة العزازي مدير برنامج اللاجئين والمهاجرين بهيئة إنقاذ الطفولة تقول لـ«القاهرة24»، إن الهيئة تساعد الأطفال على التسجيل في المدارس والمراكز التعليمية، كما تقدم لهم دعمًا في المراكز التعليمية، من خلال فصول تعليم لغة عربية لغير الناطقين بها.
وأضافت العزازي أن الهيئة تتعامل مع ما يقرب من 1500 طفل غير مصحوب سنويًا من جنسيات مختلفة، مشيرة إلى أن لديهم فريقًا لإدارة الحالة يختص بأمن وسلامة واحتياجات الطفل والتشبيك مع الجهات المختلفة في حالة تعرضهم للمخاطر.
وتوضح مدير برنامج اللاجئين والمهاجرين بهيئة إنقاذ الطفولة أنّ الهيئة توفر دعمًا ماديًا محدودًا جدًا في حالات معينة للأطفال غير المصحوبين إلى أن يتم تسجيلهم بالهيئات المختصة بتقديم الدعم المادي، لافتة إلى أنه من ضمن الدعم مصروفات تخصص للطعام والشراب أو لتغطيه مصاريف إقامة مؤقتة في سكن آمن، لكن الهيئة تركز مجهودها على الدعم المعنوي بشكل أساسي.
وتكشف العزازي عن الجهات التي يتعاونون معها من أجل دعم الأطفال قائلة: "نشارك عددًا كبيرًا من الهيئات، لنستطيع تقديم الدعم اللازم والمناسب للأطفال، من ضمنها: كاريتاس، هيئة الإغاثة الكاثوليكية، كير، هيئة تير دي زوم، وأحيانًا نتعامل مع جمعيات محلية لتوفير غذاء أو ملابس للأطفال".
وتضيف المسؤولة بهيئة إنقاذ الطفولة: "نقدم الدعمين النفسي والاجتماعي ويتم تدريب الأطفال على كيفية التخطيط لمستقبلهم، والاندماج في المجتمع، وكيفية التغلب على الصعوبات التي يواجهونها. ونقدم أيضًا جلسات دعم نفسي فردية للحالات التي تحتاج إليها".
على الرغم من اختلاف الأزمات التي تواجه تلك الفئة، فإن ما يجمعهم الظروف القاسية التي مروا بها في بلادهم، والتي أجبرتهم على الانفصال عن ذويهم، والهروب بعيدًا عن أحضان الوطن، وهم يجرّون خلفهم الحسرة والخوف والألم، في طريق حدد مساره عصابات وسماسرة التهريب، ليصبحوا عرضة لمخاطر وصعوبات لا يقدر على تحملها من هم أكبر منهم سنًا وأكثر عنفوانًا.