وسيلة مواصلات اسمها التضحية
النجم الأمريكي سيلفستر ستالون، واحد من أهم وأشهر الفنانين في العصر الحالي، وصلت شهرته لمكانة عالية مستحيل تتخيل معاها إزاى البداية كانت غير مبشرة وبالسوء ده، الطفل اللي من أسرة بسيطة واللي بدأت معاناته مع الدنيا أثناء عملية ولادته لما اتعرض لخطأ طبي من خلال دكتور قطع بدون قصد عصب في جسم الرضيع، عمل شلل في الجانب الأيسر لوجه الطفل وخلاّه غير قادر على الكلام لفترة مش بسيطة ولسه حتى سايبه أثر لحد دلوقتي.
سنة بعد التانية ولما كان سلفستر بيكبر، كان بيكبر جواه حلم التمثيل، وللأسف بيكبر حواليه الخلافات بين والده ووالدته، اللي قرروا ينفصلوا وهو عنده 12 سنة!.. لحظات الخناق اللي بينهم قبل الانفصال، خلّت أسعد أوقات سلفستر، هي اللي بيقعدها في أوضته مع الكلب بتاعه، ده الكائن الوحيد اللي كان بيخاف عليه، وبيقدم له حب بدون مقابل، بعد انفصال الأبوين، كل واحد منهم شاف حياته واتجوز، وفضل الابن متمرمط بين البيت ده والبيت ده، شوية بشوية كبر الطفل وبقى شاب في العشرينات، وبيقرر ياخد الخطوة الأصعب، أنا بحب السينما، ومش لاقي نفسي في البيئة دي، اللي ولا ناسها شبهي، ولا أماكنها بتاعتي، هتعمل إيه يا عم "سلفستر"؟ هسافر نيويورك، الفرص هناك أكبر، وهيبقى عندي مليون اتجاه أحقق من خلالهم حلمي بإني أمثِّل، طب أنت معاك فلوس؟ لأ، بس هتصرف، وهستلف من أهلي.
حاول يمين وشمال محدش اداله حاجة، كل اللي معاه هما بس يادوب الكام دولار اللي كان محوشهم بعد خصم مصاريف السفر لنيويورك، كمل في قراره بمنتهى التصميم والشجاعة وسافر، الجميل في الموضوع إنه أخد معاه الكلب بتاعه.. أجر شقة صغيرة جدًا بمعظم المبلغ اللي كان معاه، وكان عنده عادة يومية إنه ينزل يلف على شركات الإنتاج يعرض نفسه عليهم كممثل.. للأسف كان بيترفض تقريبًا مع على الباب، يوم بعد يوم كانت الظروف بتزيد صعوبة خصوصًا مع طرد صاحب الشقة له لإن الفلوس اللي دفعها مدة الإيجار تجاوزتها خلاص، فجأة لقى "سلفستر" نفسه في الشارع مع كلبه.. مفيش مكان يناموا فيه ولا فلوس يشتروا أكل حتى، أهو الكلب في النهاية حيوان وهيعرف يتعامل ويلقط رزقه من صناديق القمامة في الشوارع، بس البني آدم هيعمل إيه؟.
كان بيعمل زى الكلب برضه وبيدور في صناديق القمامة على حد سايب بواقي أكل ولا حاجة، حاجة في منتهى الأسى، ووصل بيه الوضع إنه كان بينام في ورشة الأتوبيسات الرئيسية في ميناء نيويورك لمدة 21 يوم كاملين، بدأ يحس بوجع في بطنه، غالبا بسبب الأكل الملوث اللي كان بياكله، وطبعا مفيش فلوس للعلاج، بدأ كمان يبقى فيه مطاردة من الشرطة له؛ لأنه بالنسبالهم عبارة عن شخص مشرد وهيئته مريبة، فكل ما يتشاف في مكان؛ يهرب منه لمكان تاني، لأ لازم شقة، ولو حتى أوضة أقعد فيها، ولازم مصدر للفلوس أجيب بيه أكل.. يعمل إيه؟.. مش لاقي حل.. بص للكلب بتاعه، واللي كان برضه بيبص له وكإنهم اتفقوا سوا على الحل بالإشارة، "سلفستر" قرر يبيع الكلب، قرار مؤلم وصادم، ونفذه وهو حرفيًّا بيعيط؛ لأنه بيبيع حتة منه، بس الهدف اللي كان جواه كان مهم برضو، باعه فعلًا.. بكام؟.
هو كان عايز 50 دولار، بس الشاري صمم يشتريه بـ 25 دولار بس، وافق وباعه، بعد ما تمت عملية البيع؛ حط الفلوس في جيبه ومشي يلف في شوارع نيويورك وهو بيحاول يقاوم دموعه اللي غلبته، بالصدفة لقى على بوابة حلبة ملاكمة، إعلان، إن كمان يومين بالظبط فيه ماتش ملاكمة لـ"محمد علي كلاي"، اللي كان "سلفستر" بيحبه جدا، فقرر يحضر الماتش، يا عم "سلفستر" يعني هتدخل الماتش وتدفع فيه فلوس من فلوسك اللي هي أصلًا قليلة، واللي الله أعلم هيكفوك لحد إمتى؟، أيوا، هعمل كده، راح أجَّر أوضة صغيرة، واشترى التذكرة وحضر الماتش.. وهو بيتفرج على الماتش؛ جت في باله فكرة فيلم!.. روح الأوضة، بس قبل ما يوصل، اشترى رزمة ورق وقلم، وسهر بالليل يكتب قصة الفيلم، اللي سماه "روكي"، واللي استوحاه من تفاصيل ماتش الملاكمة.
طب أنت أصلًا بتعرف تكتب سيناريوهات؟ لأ، بس حاسس حاجة وعايز أكتبها.. الشيء الغريب واللي فعلًا مالوش تفسير، إن شوية الورق اللي كتبهم، خرجوا في النهاية فعلا عبارة عن سيناريو متكامل ومش ناقصه حاجة.. وكتبه في قد إيه؟، يومين بس، من اليوم اللي بعد اليومين، خرج في لفة جديدة على مكاتب المنتجين، عشان يعرض عليهم السيناريو، أنا مش جاي المرة دي عشان أمثل بس، لأ، أنا جايب لكم سيناريو عظمة ومكتوب حلو.. المنتجين انبهروا بالسيناريو، وماكانوش مصدقين إن اللي كاتبه هو الشاب الصغير اللي واقف قدامهم ده.. منهم اللي عرض عليه يشتريه بـ 120 ألف دولار، ومنهم اللي عرض عليه 200 ألف دولار، بس "سلفستر" ماوافقش، إيه الجنان ده، أومال عايز كام، هو أنت لاقي، أنا مش عايز الفلوس الكتيرة دي، بس عايز أنا اللي أبقى بطل الفيلم.. يا سيدي ما ينفعش، أنت ممثل وجه جديد، إزاي نخليك تبقى بطل فيلم أكشن ضخم زي ده، قالهم أهو ده شرطي الوحيد.
الفكرة إن الفيلم فعلًا كان مكتوب حلو، ولُقطة، وماينفعش يتساب، معظم المنتجين طنشوا وكانوا بيلعبوا على فكرة إن الولد المشرد ده، مسيره يرجع تاني، وهو مذلول، ويقول لنا اشتروا الفيلم، وماكنوش مصدقين إنه بيعمل كده عشان عايز يمثل، لكن افتكروه طماع وبيعمل حركات عشان يزود الفلوس مش أكتر، فكانت النتيجة، إن هما كمان قرروا يتقلوا عليه، بس فيه منتح منهم استغل حالة التقل اللي حصلت من الباقيين، وقال لـ "سلفستر"، بص يا ابن الناس، أنا هشتري منك الفيلم، وهخليك تمثل فيه، بس بشرطين، الأول إنك مش هتاخد أجر كممثل، والشرط التاني، إني مش هدفع في السيناريو أكتر من 35 ألف دولار بس، ها، قولت إيه؟، يمكن قبل ما الراجل يكمل كلامه، كان "سلفستر" وافق ومضى العقد، وأخد في إيده فورا الـ 35 ألف دولار، وبمجرد ما أخدهم، طلع جرى على بيت الراجل اللي باع له الكلب بتاعه من كام يوم، وطلب منه إنه يرجع الكلب تاني.
صاحب الكلب، قال لـ "سلفستر" هبيعهولك بس بـ 3 آلاف دولار، يعني اشتريته مني بـ 25 دولار وعايز دلوقتي تبيعهولي بـ 3 آلاف؟، أيوا، وأنا موافق، وفعلًا اشترى "سلفستر" كلبه مرة تانية، أو صديقه القديم، وعمل فيلم "روكي" اللي نجح، وكان بداية مشوار لنجم مبهر ومُلهم وعبقري اسمه “سلفستر ستالون”، اللي اضطر في لحظة من اللحظات وغصب عنه، يضحي بأهم كائن عنده في حياته، عشان يقدر يعيش بس، وبمجرد ما جات له،الفرصة والظروف اتحسنت؛ استعاده مرة تانية، جايز ماكنش عارف إنها هتبقى تضحية مؤقتة، بس الأكيد إنه كان فاهم إنها تضحية مهمة.
أوقات بتضطر تضحي بشيء مهم، عشان شيء تاني أهم.. لا أنت خاين ولا بياع، ولا الحاجات أو الناس اللي سيبتهم، شرط يكونوا سيئين.. بس هي دي طبيعة الدنيا.. تسيب حاجة كانت مهمة في وقت عشان خاطر حاجات هتبقى مهمة بعدين.. تكون في علاقة حب تفاصيلها عظيمة، بس بتضحي بيها لأنها بقت بتسحب منك أكتر ما بتديك، واستمرارها هينهي حتى الحلو اللي كان فيها في يوم.. تكون في وظيفة موفرالك الدخل المعقول، بس بتضحي بيها؛ لإن فيه فرصة تانية أفضل.. تكون في علاقة صداقة مع شخص عمرك ما قصرت معاه، بس بقت العلاقة بتضغط على أعصابك، وبتاكل من وقتك ونفسيتك؛ فبيبقى الأفضل للطرفين هو البُعد.. عايز تنجح في دراسة؟.. هتسهر وهتضحى بالأنتخة وساعات النوم الكتير.. عايز تنول حد بتحبه؟.. هتحاول تسابق الزمن وهتشتغل أكتر وبشكل أكبر من اللي بيشتغله الناس العادية.. عايز جسم رياضي؟.. هتضحي بمعظم أنواع الأكل اللذيذ، وهتلتزم بنظام تمرينات صارم، وهكذا.
الكاتب والإذاعي "ديف رامزي"، قال: (لن تضحي إلا عندما تؤمن بشدة بالنتيجة).. لازم تكون مستوعب إن "التضحية"، وسيلة مواصلات من مكان، لمكان أفضل، ومن شيء، لشيء أهم، وهي جزء من تركيبة الحياة، المهم إنك ماتكونش ظالم، ويكون عندك أسبابك اللي مايختلفش عليها اتنين.. محدش بياخد كل حاجة، بس الأهم، إن اللي هاخده؛ يكون موفرلي الحد الأدنى من الراحة، وألاقي نفسي فيه ومعاه.