أحمد عنتر يكتب: مشهدان من حريق كنيسة المنيرة
مشهد داخلي
في وسط الضي اللاهب لم أرتعب ولم أتململ ولم أتألم، عشت اللحظات التي عاشها أبانا من قبل وفاضت روحي بسلام، لا بد أن مينا فكر بهذا المنطق وسط الحريق، لملم بعض رماد من أسفل قدميه ووضعه على جبينه والتفت عن يمينه إلى الدامعين قبل أن يكمل سعيه إلى السماوات راضيا بالنهاية.
كان الفتى معروفا بمحبته، مشهورا بسمت الطيبة وبسمة العارفين، وكان حالما دوما بحياة الشهداء ومماتهم، وكان عاشقا لمصر وأهلها الذين سمع صراخهم خارج الكنيسة لوعة وخوفا وحزنا على الشهداء داخلها، وسط محاولات الإنقاذ وهرولة الإسعاف، وضجيج الموجوعين الملتحفين بالنهاية الكريمة مثله.
مرت الأيام عليه كالحلم قبل يوم الحريق، إذ كان الفتى مينا يزداد تشبثه بالأهل والبلد، وكان يوميا يحلم بتاريخ من الاستقرار والحب مع خطيبته رولا، صاحبة الروح الطفلة التي كانت تملأ الكنيسة مرحا وحبورا إذا اجتمعا داخلها، لتتلون لهما معا في النهاية لوحة جدارية وهمية بجوار صورة «السيد».. لوحة تأخذهما معا إلى الملكوت بعد رحلة إرضاء الرب راضين بختامها الإيماني الخالص.
مشهد خارجي
ولأن للموت جلال، كانت مشاهد مينا يتخيلها محمد عامر، خارج المبنى المشتعل، فينخلع قلبه حزنا على الضحايا، يهرول بأقدام حافية ليحاول إطفاء النار المتجبرة، بل يفكر في اقتحامها، فتمنعه الأيدي، مع مشاهد خلفية تحمل أصواتا عدة للنواح، أو زفيفا رهيفا للرياح المحملة بعبير الشهداء.
كل حدث تنقضي آثاره إلا الفقد، وكل رعب قد تحتمله نفسك، إلا أن ينزاح عن الوجود حبيب، أمام عينيك، وأنت قابض على العجز وقلة الحيلة، إذ للموت فصاحة، وحديث مقبض، دائما يتحدث أولا ليدفع مريديه للتعليق بعده.. صراخ الشهيد دائما يتبعه وجع من الأحبة، في وطن تلفه الوحدة وتحوطه المحبة بين مسلميه ومسيحييه كأنهم بنيان واحد.
في بلادنا لموت رفقاء الوطن سعر تدفعه روحك كمدا وبكاء، وتبقى مكبلا بالوجع، تربت على نفسك بأيد مرتعشة، وتهدهد أحزانك بكلمات تخرج من فم جففه الحزن، ليمنح الملايين رسالة واحدة بأن المصريين متكاتفون في الفرح والحزن وأن بقاء مصر مربوط ببقاء حبل المودة ونسيج الوحدة، الفائق لكل محاولات المغرضين.