الاتصال السياسي وآليات التأثير في الجماهير
يتميز العصر الحالي بأنه عصر الاتصال والمعلومات؛ لما يمتلكه من قدرة على التأثير والإقناع، وتشكيل الأفكار، وصياغة الرأي العام والتوجهات السياسية، فالاتصال عاملا من عوامل التنمية، وعنصرا متزايد الأهمية في التطوير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، حيث أن التطور الكبير الذي طرأ على وسائل الاتصال والإعلام والتكنولوجيا في الفترة الأخيرة؛ عزز من دور الاتصال في المجال السياسي، فقد أتاحت له فرصة نقل الأخبار والمعلومات بصورة سريعة وبتكاليف اقل، وبدون أي رقابه تذكر.
ولقد شهد العالم في نهايات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي، تطورات وتحركات سياسية كبيرة مما دفع الدول والحكومات باللجوء إلى مختلف الوسائل والأساليب الاتصالية والإعلامية من أجل تحقيق غاياتها وأهدافها، وتعميق مبادئها والترويج لأيديولوجيتها المختلفة، وظهر الاتصال السياسي الذي يهتم بالجوانب والقضايا السياسية، ويقوم بإحداث التأثير والتغيير في الآراء والأفكار والقناعات لدى الجمهور؛ ليساهم في عملية صنع القرار السياسي، وصار يحظى باهتمام الوحدات والتيارات السياسية؛ كونه المعبر عن فكرها وفلسفتها ونشاطاتها وتطورها وقدرتها على التأثير في الجمهور.
وتطور الاتصال السياسي مع تطور وسائل وأدوات الاتصال المختلفة، إذ أصبح يهتم بكيفية توظيف واستغلال تلك الوسائل في العملية السياسية، حيث يقوم بنقل وتحليل النشاط السياسي، وإتاحة المجال أمام السياسيين وقادة الرأي للحصول على المعلومات والبيانات، وتلقي ردود أفعال الجمهور نحو سياستهم وقراراتهم ومواقفهم؛ مما يساعد في كل العمليات والخطوات المصاحبة لصنع القرار السياسي، فضلا عن اعتماد الجمهور عليها لتكوين اعتقاداته واتجاهاته ومواقفه المختلفة إزاء الأحداث والسياسات التي تقع داخل الواقع المحيط به.
وتسعى الدول على اختلاف الأنظمة السياسية القائمة فيها إلى استخدام وسائل الاتصال إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي تسعي إليها، وقد أصبح الاتصال السياسي عنصرًا من العناصر المهمة في تقييم أداء السلطة والقائمين عليها فالاتصال السياسي يؤدي وظيفة سياسية هامة ويعمل على إحداث تأثيرات واقعية ومحتملة على عمل وسلوكيات الأفراد المستقبلين لمضمون رسائله الإقناعية.
ويأتي اقتراب الاتصالات السياسية الذي طرحه دونالد.ر. كيندر(Donald R. Kind)، والذي يدخل ضمن الاتجاه السياسي لبحوث التأثير، لبحث تأثيرات الاتصال الجماهيري خاصة في المجال السياسي، والتي يقصد بها الاتصال الذي يتم بصورة مكثفه في اتجاه واحد، موجها من عدد صغير من المرسلين إلى عدد كبير من المستقبلين، وهو ما يطلق عليه Minimal Effects.
ويشير اقتراب الاتصالات السياسية إلي ان تأثير وسائل الاتصال الجماهيرية خاصة فيما يتعلق بالاتصال السياسي يعمل من خلال ثلاث عناصر أساسية، هي:
- الانتباه Attention.
- الإقناع Persuasion.
- الفعل Action.
وتلك العناصر يجب أن يتم الاهتمام بها في كل عملية اتصالية سياسية؛ يهدف من خلالها التواصل مع الجماهير وغرس أفكار معينه لديهم لدفعهم إلى تبنيها، حيث أن وسائل الاتصال بشكل عام والاتصال السياسي بشكل خاص يجب أن يعمل على ضمان الانتباه إلى محتوى الرسالة من خلال آليات معينه، ومن ثم العمل على إقناع الجمهور بتلك الرسالة من خلال استراتيجيات معينه، وأخيرا القيام بالفعل المستهدف لضمان تحقيق الهدف المرجو تحقيقه وهو ما سيتم شرحه بالتفصيل في المقالة القادمة.