يد الرئيس السيسي ويد الكاظمي تعيدان العراق إلى صدارة المشهد الإقليمي
منذ نحو ثماني سنوات حيث تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد حكم مصر، حرص الرئيس على دعم العمل العربي المشترك، وتقود القاهرة مبادرات وقمم لخدمة الشعوب العربية بأكملها كما تعمل على لم شمل الفرقاء العرب، ودعم ائتلافهم وتعزيز تضامنه، وتضع مصر الأمن القومي العربي والتعاون المشترك بين الدول العربية على رأس أولوياتها.
وفي إطار اهتمام السيسي بالدول العربية يعمل على الأمن القومي العربي، وربطه بالأمن القومي لجمهورية مصر العربية، حيث تمتلك مصر قوة متكاملة من حيث الفاعلية البشرية والدبلوماسية والعسكرية.
وتأتي قمة العلمين في توقيت هام بالنسبة لمصر والدول العربية المشاركة، لمواجهة تحديات عدة تواجهها المنطقة، ووضع حلول للأزمات الخارجية التي تواجه المنطقة بالكامل،
حيث تشهد مدينة العلمين، قمة عربية مصغرة بين قادة 5 دول وهم مصر والإمارات والبحرين والعراق والأردن، وتتمثل القمة امتدادا للعديد من اللقاءات التي عقدها القادة العرب على مدار الشهور الماضية للتنسيق والتشاور وتوافق الرؤي فيما بينهم.
فمن قمة بغداد منذ نحو عام وإلى قمة العلمين يُثبت العراق حضوره الجيوسياسي، وأنه لم يعد متلقيا، بل انتقال إلى مستوى الفاعل الإقليمي والدولي، وذلك بعدما نجحت حكومة مصطفى الكاظمي في تعويم خطاب دولة يفرض نفسه على الجميع من خلال احترام سيادة العراق وموقعه ونظام مصالحه.
ومن المرجح أن يتم مناقشة التطورات الراهنة في العالم العربي في ضوء الأزمات والمشاكل الحالية ومنها تداعيات وآثار الأزمة الروسية الأوكرانية على دول المنطقة، والأزمة الراهنة في العراق والأوضاع على كل من الساحة الفلسطينية والليبية واليمنية، وأزمة وتداعيات الملء الثالث لسد النهضة.
لكن هذه القمة تثبت أن العراق يطير إلى العلمين بقيادة الكاظمي ووراءه دولة إقليمية مكتملة الشروط، برغم ما تمر به العملية السياسية من منغصات، إلا أن حضور العراق بات جزءا من سياسات المنطقة الاستراتيجية، حيث يدرك المشاركون في القمة مدى أهمية موقعه الجغرافي وحساسياته الديمغرافية، كصلة وصل يحتاجها جواره القريب والبعيد للعبور الآمن بين حدوده الشرقية والغربية.
الإصرار على حضور العراق في العلمين هذه المرحلة الانتقالية عالميَا حيث يشهد العالم إعادة تموضع دولي، اعتراف إقليمي بأنه شريك في أقلمة السياسات الدولية، ومؤثر في الاستقرار العالمي، ويملك كافة الإمكانيات لكي يصبح دولة ارتكاز إقليمية، شريكة في رسم سياسات المنطقة.
عندما يكون هناك حكومة عراقية قادرة على استثمار موقع العراق وإمكانياته، تصبح الطريق ممكنة للوصول إلى دور بحجمه التاريخي، وفي استعادة تأثيره الإيجابي بعد سنوات من العداوات والاحتراب، وذلك من خلال السياسات العقلانية وتصفير المشاكل التي مكنت حكومة الرئيس الكاظمي من حجز موقع دائم للعراق على الساحتين العربية والإقليمية.
رؤية الكاظمي ثاقبة دفعت الخصوم للجلوس على طاولة الحوار
وتعد رؤية رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في السياسة الخارجية للعراق كانت عاملا أساسيا في التحولات العربية والإقليمية والدولية في التعاطي معه، رؤية عبّر عنها الكاظمي من خلال تبنيه سياسات حوار الجوار التي أدت إلى خفض مستوى التوتر، ودفعت الخصوم الإقليميين للجلوس إلى طاولة الحوار في بغداد.
بين فكرة تحييد العراق عن صراعات المنطقة، وإنهاء فكرة أن يكون دولة تشكل تهديد لاستقرارها، أو ممرا للتقويض أو مكانا لتصفية الحسابات، انتقل العراق مع الكاظمي إلى موقع الشراكة الجيوسياسية والجيواستراتيجية، والأبرز أن الكاظمي أعاد تأهيل موقع العراق كمحطة إلزامية في عبور قطار الشرق السريع، لكنه أيضا أعاد إطلاق قطار الرافدين ليكون العراق محطة رئيسية على طريق الشام الجديدة التي تبناها الكاظمي سياسيا اقتصاديا وثقافيا.
العراق بات شريكًا أساسيًا في القضايا العربية
سياسيا، في العلمين انضم العراق رسميا إلى دول الاستقرار العربية، وبات شريكا في رسم التفاهمات العربية والإقليمية ونظام مصالحها المشتركة، من ضروريات الأمن الجماعي العربي إلى مصالح الأمن القومي الإقليمي، وبعيدا عن مزايدات بعض المتضررين وبعض المشككين بإمكانية نجاح هكذا قمم أو حتى بنجاح دور العراق، خصوصا أن مخرجات هذه القمم لم تتنازل لا عن الثوابت العربية فيما يخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فهي لن تكون بوابة للتطبيع مع إسرائيل كما روج البعض، وليس في وارد التآمر على أي جار إقليمي أيضا، كما أن الكاظمي وحكومته لن يكونا على استعداد للمشاركة لو كان على جدول أعمال هذه القمم أو اللقاءات هكذا قضايا.
في لغة المعايير، وضع الكاظمي بصمته في السياسة الخارجية، نجح في رسم دور يتناسب مع حجم بلده، الأمر الذي أهله إلى هذه الشراكة الإقليمية والدولية، هذا الإنجاز وفي هذه الفترة القصيرة في ظروف داخلية غير مستقرة وخارجية متوترة، جعله شخصية استثنائية نجحت في إدارة مكان استثنائي في موقعه وإمكانياته.
يُسجل للكاظمي مسلكه السياسي، فمن وضوح رؤيته ومقاربته نجح في تخطي ألغام داخلية وخارجية زُرعت في طريقه، لكن إصراره على تحقيق أهدافه الوطنية مكنه من استعادة موقع العراق ودوره، وهذا النجاح يُوضع في خانة المعايير التي فرضها مسلك الكاظمي على أي شخصية تطمح في الوصول إلى هذا المركز، ستكون ملزمة بالحفاظ على هذا الإرث ومتابعته.
دور الكاظمي الإقليمي ظهر جليا في قمتي جدة وبغداد واللاتين عكسا القوة الإقليمية للعراق بعد أعوام من غياب الدور.
مؤتمر بغداد
مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، مؤتمر لدول الجوار العراقي، عقد يوم السبت 28 أغسطس 2021 في العاصمة العراقية بغداد، شاركت فيه تسع دول عربية وأجنبية، إضافة إلى عدة منظمات إقليمية ودولية، وجاء في بيانه الختامي مساندة العراق أمنيًا واقتصاديًا بما يحقق استقراره وسيادته ووحدة أراضيه ودعا دول المشرق العربي وجواره للتعامل مع تحديات المنطقة على أساس التعاون والمصالح المتبادلة وحسن الجوار.
مَثّل العراق رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، وشارك في المؤتمر من دول الخليج العربي كل من الكويت ومثلها رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، والسعودية ومثلها وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، والإمارات العربية المتحدة ومثلها نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وقطر ومثلها الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ومن الدول العربية كل من: الأردن ومثلها الملك عبد الله الثاني بن الحسين، ومصر ومثلها الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومن الجوار غير العربي إيران ومثلها وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، وتركيا ومثلها وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، ومن الدول الغربية شاركت فرنسا ومثلها الرئيس إيمانويل ماكرون، ومن المنظمات الدولية، شاركت كل من جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي، ومثلت من قبل أمنائها العامين.
قمة جدة
شارك العراق في قمة جدة للأمن والتنمية، والتي كانت عبارة عن سلسلة قمم دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية، في أول رحلة خارجية له إلى المنطقة منذ توليه منصبه.
عقدت أولى تلك القمم باجتماع ثنائي بين قيادتي المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في 15 يوليو 2022، تلاها في اليوم التالي اجتماع قمة خليجية عربية أمريكية ضم قادة مجلس التعاون الخليجي والأردن والعراق ومصر.
فيما جاء البيان الختامي لقمة جدة على أهمية الشراكة الاستراتيجية بين دول الخليج العربي والولايات المتحدة، أشار قادة مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، في بيان مشترك على هامش قمة جدة للتنمية والأمن، التزامهم بحفظ أمن المنطقة واستقرارها.
وأكد أيضا على دعم الجهود الدبلوماسية الهادفة لتهدئة التوترات الإقليمية، وتعميق التعاون الإقليمي الدفاعي والأمني والاستخباري، وضمان حرية وأمن ممرات الملاحة البحرية. والتأكيد على خلو منطقة الخليج من كافة أسلحة الدمار الشامل.