الانفلات الرياضي يهدد جمهوريتنا الجديدة
شاهد الجميع حادث اعتداء جماهير الإسماعيلي على حافلة جماهير الأهلي قبل مباراة الفريقين معًا في الدوري، وهو حادث يحمل في طياته مخاطر شتى ومحاذير جمةً؛ تُحدث خللًا في النسق الفكري والاجتماعي الإنساني الذي أرست قواعده الجمهورية الجديدة.
المباراة من الناحية الرياضية والجماهيرية ليس لها قيمة فنية أو تنافسية في الفوز ببطولة الدوري بعد حسمها لصالح نادي الزمالك، كما أنها تقام في ملعب بعيد عن التكدسات السكانية والجماهيرية، وهو ملعب الجيش بمدينة برج العرب، إلى جانب أن الفريقين رفعا عن كاهل جماهيرهما العبء النفسي والشحن الزائد بعد أن سلم الأهلي بضياع البطولة ولعب المباراة بفريق الناشئين، وأيضًا أثلج الإسماعيلي قلوب جماهيره بالبقاء في الدوري الممتاز قبل أسبوع.
حادث الاعتداء ليس شغبًا رياضيًا بقدر ما هو نذير لسرطان بدأ الانتشار في النسيج الاجتماعي للوطن، أعراضه خطاب الكراهية المنتشر في الإعلام الرياضي؛ وطفو نزعة التعصب والسخرية على الساحة الرياضية لهثًا وراء التريند، وإطلاق نار البُغض كالهشيم عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وكذلك تبوؤ المنفلتين أخلاقيًا صدارة مقاعد الإدارة الرياضية، وتشابك التحليل بالتهليل، واختلاط الحياد بالاضطهاد، سواء كان الطرف هذا أو ذاك.
الوسط الرياضي بكافة عناصره الفنية والإدارية والإعلامية يحتاج إلى تطهير واجتثاث ما تنتجه من جيف، فطيور الظلام منها القمَّام والجوارح والكواسر تحوم فوق الهامات والقامات لتنقضّ على كل جيفة بارزة ظاهرة، وتقدمها لأقرانها كأنها فريسة من الرؤوس الشامخات، وتروج زيفًا بمقدرتها على النهش والنبش، وأنها الصالحات الطالحات في بيئة مقحفة، وأبطال سؤدد يقاومون طغيانًا وقهرًا، وينعقون صراخات المظلومية، فيتلقفون فئات من المجتمع ويوجهونهم حسب بوصلة الفوضى التي تتحرك إبرتها من التذمر إلى الرفض والإنكار والتخريب والتدمير.
جمهوريتنا الجديدة تسمو بالإنسانية، وتنتهج الفضيلة المجتمعية، وتمير أهلها الشرف والأخلاق؛ لكن فيها "المنفلتين أخلاقيًا" يتسلقون الحرية نحو شرف زائف، وإن استطاعوا أن يحظوا بالشرف فسينالونه دون الفضيلة وهو شرفٌ باطلٌ؛ لأنه يسبح ضد تيار المصلحة العامة للوطن، والتي قال عنها الفيلسوف الاسكتلندي فرانسيس هتشسون إنها (أي المصلحة العامة) أسمى غاية أخلاقية.
الانفلات الرياضي بات خطرًا على الوطن، لأنه يمثل غمامة صبح تريد أن تحجب إشراقة الجمهورية الجديدة، وعشوائية حركاتها تُظهرها أقوى من القانون؛ بل ومن كل قوانين الطبيعة، وتغذي جو التشاحن والتطاول والتشابك؛ لكن من حسن الحظ أن الوطن قائم على مؤسسات لديها قدرة للردع ورأب الصدع، وأتوقع أن تشهد الساحة الرياضية تدخلات مؤسسية لإعادة الموازين لطبيعتها؛ التزامًا بالأعراف المجتمعية ومواثيق الشرف الشاهقة كساريات لأعلام الجمهورية الجديدة.