الأربعاء 18 ديسمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

بين المركزي والصناعة

الأربعاء 24/أغسطس/2022 - 04:34 م

استقبلت بمزيج من السعادة والتفاؤل حدث تغيير محافظ البنك المركزي واختيار بديل قوي له، ومن قبله تعيين وزيرا جديدا للصناعة على قدر كبير من الطموح والكفاءة، فكلا من حسن عبد الله، القائم بأعمال محافظ البنك المركزي وأحمد سمير، وزير الصناعة الجديد، لديهما من الخبرة والرؤية ما يؤهلهما لإحداث نقلة وتطور في ملفات حيوية استعصت طويلا على الحل.

فالأول يعلم القاصي والداني ما تعرض له من ظلم بيّن، وهو مصرفي بارز مشهود له بالكفاءة الشديدة والقدرة على الإنجاز والتعامل مع الملفات الصعبة وتاريخه شاهد قوي على ذلك، خاصة وأنه يأتي خلفًا لمسئول ربما قد تسبب في الأزمة التي نعانيها الآن، والتي تعرضت لها سابقا ولا داع للخوض فيها مجددا لسبب بسيط وهو أنها معلومة للجميع.

أما الثاني، فهو زميل وصديق عزيز رافقته في برلمان 2015، وأشهد له بالبراعة في إدارة لجنة الصناعة واللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، بالإضافة إلى دوره في إقرار العديد من مشروعات القوانين التي تخص قطاع الأعمال والصناعة وتشجيع المنتج المحلي والاستثمار والبنك المركزي، وما حققه على مدار دورتين في مجلس النواب، يثبت امتلاكه الحكمة والإدارة والفنيات العالية في مجال السياسات العامة ذات الطابع الاقتصادي.

فأثق تماما من قدرتهما على إحداث نقلة إيجابية فارقة في الملفات التي تخص مجالي عملهما، وبما أن هناك تقارب بين كلا المنصبين فهي فرصة لتسليط الضوء على طبيعة الأزمة التي نواجهها وكذلك رؤيتي للحل.

بداية، فالمشكلة التي نعانيها "اقتصاديا"، ترجع أساسا إلى غياب التنسيق اللصيق بين البنك المركزي والمجموعة الاقتصادية في الحكومة، فيما يتعلق بالصناعة وتعارض خطط تطويرها مع سياسات البنك المركزي السابقة، ومن ذلك بعض القرارات الخاصة بالاعتمادات المستندية خاصة مع اشتداد الأزمة العالمية وتسببها في مشكلات عدة أبرزها، زيادة السيولة من النقد المحلي في الأسواق وزيادة التضخم المترتب على ذلك، وكذلك عدم توافر العملة الصعبة بما يؤثر بشكل كبير على مستلزمات الصناعة والمشروعات الوطنية نظرا لعدم توافر متطلبات الإنتاج.

إضافة إلى تسبب سياسات المركزي في إقحام البنوك بشكل كبير طرفا في العملية التصنيعية والتجارية، وهي ليست مجاله إطلاقا، فدورهم ليس إشرافي على المشروعات أو تقييمي ولكن تسهيل التجارة فقط وتوفير تمويل للمشروعات، إنما السياسة التجارية فهذه مسئولية المجموعة الاقتصادية وعلى رأسها وزارة الصناعة، وهو الأمر الذي تناولته في مقال سابق حينذاك ألقى الضوء على التبعات غير الجيدة لقرار المركزي بوقف التعامل بمستندات التحصيل.

 

اقرأ أيضًا  قراءة في قرارات المركزي الأخيرة


 

هذه الإشكالية تفاقمت مع محاولة البنك المركزي للاستئثار بمهمة تحديد السياسة التجارية والاقتصادية، وبناء عليه أصبح الوضع غير متزن، فأصحاب الشركات والمصانع دُفعوا إلى تقدم مستنداتهم ورؤيتهم للبنوك وهي من تدرس الأمر في ابتعاد عن رؤية وزارة الصناعة أو المجموعة الاقتصادية برمتها او من خلال تنسيق بسيط ولكن تبقى القيود الإدارية بمثابة دائرة جمركية مُسبقة، مما تسبب في العديد من التأخير وتكدس البضاعة في الموانئ على سبيل المثال.

فالحكومة ممثلة في المجموعة الاقتصادية سمحت باستيراد منتجات أو على الأقل لم تضع قيود على استيراد بعض المنتجات، وعليه جاء رجال الأعمال والمستوردين بمنتجات من الخارج، ليواجهوا برفض البنوك تدبير التمويل أو اعتماد المستندات الخاصة بها، بما ترتب على ذلك تكدسها في الموانئ، في انتظار الفرج، وهنا مكمن المشكلة، وهو غياب التنسيق أو محاولة البنك المركزي لعب دور لا يخصه.


وبالتبعية، تكون أولى الحلول التي أطرحها، هي العمل على توفير تنسيق على مستوى عال بين وزارة الصناعة والبنك المركزي لتحديد المستلزمات الاستيرادية حتى يستطيع البنك المركزي تدبير العملات التي يحتاجها القطاع، وتقوم الصناعة بدور تحديد المنتجات المطلوبة ويختص المركزي فقط بتدبير الأموال الخاصة بهذه المنتجات.

يمضي بالتوازي مع ذلك، عمل البنك المركزي على التخلص من المتأخرات أو ما يعرف في التجارة بـ Trade backlog وهو يتكون من أولًا المستحقات طبقا للاعتمادات المستندية وهي ذات أولية أولى، ثم ثانيا الموافقة على مستندات التحصيل الخاص بالإفراج عن البضائع الموجودة في الموانئ وتسهيل إجراءات دخولها من الجمارك.

أما بالنسبة لوزارة الصناعة، فإنه طبقا للمادة 8 و18 من اتفاقية التجارة الدولية، هناك ما يعرف ما بالقيود الكمية " quantitative restrictions"، وهي تتيح الحق لأي من الدول استخدام قيود على الاستيراد معلنة بشكل مسبق ومحددة لفترة زمنية، حينما تواجه الدولة مشكلة في ميزان المدفوعات وهو ما نواجهه حاليا، في عدم توافر الدولار بالشكل الكافي، وهذا الأمر يتيح للدول بكل أريحية وقف استيراد منتجات أو أصناف معينة بشكل حسمي ومعلن حتى لا نجلبها من الأول بدلا من التعرض إليها من خلال البنوك، من خلال القيود الخفية التي يتم انتهاجها حاليا لمنع استيراد منتجات بعينها.

وذلك ليس بدعة بل إن هناك دولا بالفعل منهم الأكوادور وأوكرانيا لجأت في فترات معينة إلى فرض منع واضح وصريح لبعض الأصناف غير الأساسية لتخفيف الحمل على المعروض النقدي الدولاري، وهذا لم يؤثر على التصنيف الائتماني لهذه الدول، خاصة وأنه أمر مشروع طبقا لاتفاقية التجارة الدولية ومعروف لدى المؤسسات الائتمانية، بل إنه أفضل من وضع قيود خفية على الاستيراد.

هذه الإجراءات تضع نوعا من الرؤية المستقبلية للمستثمر والتاجر والمصنع ليعرفوا ما يمكن التعامل عليه وما هو غير متاح بشكل واضح وشفاف، وبناء عليه يمكن بناء خطط مستقبلية وميزانيات حقيقية.

بجانب ضرورة السماح للمستوردين والمصنعين بتدبير احتياجاتها الدولارية مجددا، وهو أمر كان معمول به مسبقا، ولكن البنوك لا تسمح بذلك الآن خشية من تفاقم السوق السوداء ووجود سعر موازٍ للدولار، فهذه الخشية لا داع لها حاليا خاصة مع وفرة للتقارير الدولية التي تشير إلى أن سعر الدولار حاليا قابل للتصحيح، كما أن ترك السوق ليحرك نفسه بنفسه دون تدخل حكومي وفقا لسياسة العرض والطلب لن يسبب أزمة لاسيما في الوضع الحالي الذي يتساوى فيه سعر الدولار في الرسمي والغير رسمي؛ مما يؤكد أن فجوة السعر التي تعرضت لها البلاد في 2016 بالضرورة ناتجة عن احتياج وليس مضاربة.

في النهاية لا يسعني إلى تمني مزيدا من التوفيق لكلا من حسن عبد الله وأحمد سمير، فرغم الظروف الاقتصادية الصعبة للغاية وفرضها العديد من التحديات ومن قبلها الوضع المحلي، إلا أنني كلي ثقة وتقدير لخبرة الاثنين بما يؤهلهما لتجاوز الأزمة والتعامل بحكمة شديدة.

تابع مواقعنا