أنا إنسان… هل تقبلني؟
يقول القديس بولس: “وهذا كُلُّه يَعَملُه الرُّوحُ الأَحَدُ نَفْسُه مُوَزِّعاً مَواهِبَه على كُلِّ واحدٍ كما يشاء” (1كورنثوس 11:12). مما لا شك فيه أن العالم كلّه تابع بشغفٍ لقاء الأخوّة الإنسانية الذي تم الاحتفال به في دولة الإمارات بالزيارة التاريخية لقداسة البابا فرنسيس بناءً على دعوة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي وتزامنت هذه الزيارة مع عام التسامح كما دعت إليه دولة الإمارات، ولا ينكر أحدٌ النتائج الإيجابية التي ستترتب على هذا اللقاء الخيالي.
إذاً علينا أن نتساءل: “كيف يمكننا أن ندعِّم هذا في حياتنا اليومية مهما كان دورنا متواضعاً؟” يجب أن نعي جيداً بأنه ليس كافياً أن نستضيف الآخر؛ بينما يجب أن نقبله من داخلنا، ولا يسعنا أن نفتح له أبوابنا على مصراعيها، ولكن أن نقبله كما هو وليس كما نريده نحن، أي نُعطيه الفرصة لكي يُصبح ذاته، بمعنى أن نُحِبّه مهما كان مختلفاً عنّا. إن غالبية الصراعات والحروب في العالم مصدرها هو عدم قدرتنا على قبول الآخر لكونه مختلفاً عنّا، لذلك يجب أن نفهم جيداً بأن كل واحدٍ له الحق في أن يُصبح ذاته وليس نسخةً منّا، لأن كل إنسانٍ هو فريدٌ من نوعه، كما أنه مدعو ليكون ويعمل ويقول ما هو مختلف عما نقوم به نحن، فكل شخصٍ لا يتكرر أبداً، كما أنه مثال فريد من نوعه ولا توجد نسخة أخرى منه، وكل وجهٍ نتقابل معه يحمل رسالةً يجب علينا احترامه.
يُحكى أن أرملةً فوجئت بضيفٍ في كامل أناقته يطلب منها طعاماً، فأجابته: “للأسف، ليس عندي شيئاً في منزلي اليوم”، ولكنّه توسّل إليها بكل لطافة قائلاً: “توجد في حقيبتي قطعة من الحجر لعمل أفضل حساء في العالم، ولكن اسمحي لي أن أضعها في إناءٍ كبيرٍ جداً به ماء ساخن، وسأقدّم لكِ أفضل مَرَقه في حياتك”. فتملّك الفضول هذه المرأة، فوضعت الإناء على النار وذهبت مُسرعةً لدعوة الجيران لمشاهدة هذا الأمر الغريب، وعندما بدأت المياه في الغليان، وصل الأصدقاء الكِرام الذين شاهدوا الضيفَ أثناء وضع الحجارة في الماء المغلي ثم بدأ يتذوّقها هاتفاً بكل تعجّب: “آه! ما أحلاها، ولكن ينقصها قِطَع البطاطس”، فقالت امرأةٌ: “أنا عندي الكثير منها، وعادت بعد لحظات حاملة معها كميّة من البطاطس، ثم وضعوها في الإناء الكبير، وعندما تذوّقها مرةً أخرى صرخ بأعلى صوته: “عظيمة، ولكن ينقصنا قِطَع من اللحم حتى تُصبح أشهى وألذ وجبة”، فاضطرت ربّة منزل تهرع لبيتها حاملة قطع اللحم التي تم وضعها في الإناء الموجود على النار، ثم ذاق مرةً أخرى الحساء رافعاً عينيه نحو السماء قائلاً: “آه، ما أحلاها، ولكن ينقُصها بعض الخضروات”، فأسرعت واحدة أخرى لتحمل سلّة بها المطلوب، وبدوره وضعها في الحساء طالباً القليل من الملح والمَرَق، فأحضرتهما ربّة المنزل وفي النهاية طلب الأطباق وجلسوا معاً ليأكلوا أشهى طعام في حياتهم ممتلئين بالسعادة والأخوّة والسلام، فانسحب هذا الرجل في هدوءٍ تاركاً لهم الحجارة العجيبة. من المحتمل أن نعتبرها حكايةً عادية للتسلية؛ ولكنها تُعلّمنا الكثير والكثير في حياتنا، وكيف أننا بحاجة لبعضنا البعض مهما اختلفنا في الثقافة والدين واللون والجنس والعِرق والعمل، لأننا نكمّل بعضنا البعض بأبسط الأشياء، وهذا يعتمد على قبول الآخر كما هو ونتعاون معه من أجل الخير العام. لأنه للأسف هناك بعض المجتمعات التي تفرض على مواطنيها بالإضافة إلى الزي الموحّد التصرفات وطريقة الكلام أيضاً. والغالبية العُظمى منّا تقع في هذا الفخ عندما تفرض على الغير طريقة تفكيره وكلامه وضحكه، ويجب أن يصبح مثلنا في كل شيء، لكن الغِنى الحقيقي لكل واحدٍ منّا ينبع من اختلاف بعضنا عن بعض، ومَن يريد أن يغيّر نفسه والآخرين للأفضل مثل الأهل والمعلّمين والمسئولين، عليهم أن يقوموا بهذا الدور عن طريق احترامهم لهذا الاختلاف وأن يقبلوه كما هو، لذلك لا يستطيع أن يدّعي أي شخصٍ بأن الاختلاف يؤدي إلى خِلاف، ولكنه يقودنا إلى الثراء والتناغم والانسجام، لأن المحبة الحقيقية تتعاون في بناء المجتمع على أساس الاختلاف. ونختم بكلمات ﭼون ستيوارت ميل: “لو أن جميع البشر كانوا على رأي واحدٍ، بينما هناك شخص واحد فيهم على الرأي المعارض له، فليس لهم الحق في أن يُسكتوا ذلك الفرد الوحيد”.