محطات الأزمة في العراق.. انقسام شيعي وصراع بين النزعة الوطنية وهيمنة إيران
دخلت الأزمة السياسية في العراق، فصلا جديدا أمس الاثنين، بعدما أعلن زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، اعتزاله المشهد السياسي والعمل العام بعد فشل مساعي حل الأزمة السياسية في البلاد على مدار العشرة أشهر الماضية، منذ إجراء الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2021.
الأزمة في العراق
وأعقب إعلان الصدر قراره أمس، احتجاجات عنيفة من مناصريه الذين اقتحموا مقرات حكومية في المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، من بينها القصري الرئاسي والقصر الحكومي، لتُعلن قوات الأمن العراقية إثر ذلك حظرا للتجوال في بغداد، كما أعلن رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، تعليق جلسات مجلس الوزراء حتى إشعار آخر؛ بعد اقتحام المتظاهرين لمقر المجلس.
وبعد امتداد الاحتجاجات واقتحام المقرات الحكومية إلى محافظات أخرى، من متظاهري التيار الصدري، أعلنت الشرطة العراقية حظرا شاملا في عموم البلاد، بدأ منذ السابعة مساء بالتوقيت المحلي، لكن ذلك لم يوقف المحتجين الغاضبين عن التظاهر؛ واندلعت اشتباكات بين قوات الأمن والمحتجين.
وتحولت الاحتجاجات مع حلول مساء الاثنين، إلى اشتباكات مسلحة، شاركت فيها سرايا السلام، التابعة للتيار الصدري، ضد عصائب أهل الحق، وهي مليشيا أخرى مدعومة من إيران، وتواصلت الاشتباكات حتى صباح اليوم.
الشرارة الأولى.. الصدر يعلن اعتزال العمل العام
لم تكن أحداث أمس وليدة اللحظة؛ ففي الوقت الذي أعلن فيه الصدر قرار اعتزاله العمل العام؛ كان أنصاره يعتصمون بالفعل في المنطقة الخضراء، منذ اقتحامهم مبنى البرلمان العراقي أواخر يوليو الماضي، احتجاجا على تشكيل الإطار التنسيقي (الطرف المناوئ للتيار الصدري) الحكومة العراقية، بعد انسحب أعضاء التيار من البرلمان.
وتسبب إعلان الصدر في غضب أنصار من عدم تجاوب الأطراف الشيعية الأخرى المنضوية تحت الإطار التنسيقي، مع دعوات الصدر الإصلاحية -وفق قوله- فتوافد المزيد منهم على المنطقة الخضراء الحصينة وسط بغداد والتي تضم المقرات الحكومية والسفارات الأجنبية، كما شهدت عدة محافظات أخرى احتجاجات عنيفة واقتحام دواوين المحافظات ومؤسسات حكومية.
جذور الأزمة.. صدام شيعي شيعي حول آلية تشكيل الحكومة
بدأت الأزمة السياسية الحالية في العراق، عقب إجراء الانتخابات البرلمانية في شهر أكتوبر الماضي 2021، وفيها فاز التيار الصدري بالكتلة الأكبر في البرلمان بعدد 73 مقعدا من إجمالي 329 مقعدا، فأعلن اتجاهه إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية، مستندا في ذلك إلى تصدره نتائج الانتخابات وتكوينه تحالفا مع الكتلة السنية (تحالف السيادة 51 مقعدا في الترتيب الثاني) والحزب الديمقراطي الكردستاني (الترتيب الرابع 31 مقعدا) وآخرين.
وهنا اصطدم الصدر بالقوى الشيعية الأخرى التي طالبت بتشكيل حكومة ائتلافية تتمثل فيها جميع القوى الشيعية دون انفراد من الصدر الفائز في الانتخابات، فكونت هذه القوى ما يسمى الإطار التنسيقي، وهو تحالف يضم جميع القوى الشيعية باستثناء التيار الصدري، ويُنظر إلى الإطار التنسيقي على أنه مقرب من إيران ومدعوم منها.
واستمرت الخلافات منذ أكتوبر 2021، وفشلت جميع المفاوضات لحل الأزمة وتعثر تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، فأعلن الصدر انسحاب جميع أعضاء كتلته البرلمان من مجلس النواب، في يونيو الماضي، ليخلو المجال للإطار التنسيقي ويدفع بمرشحه محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة.
وقبل انعقاد جلسة مجلس النواب للتصويت على مرشح الإطار التنسيقي، اقتحم أنصار التيار الصدري، مجلس النواب واعتصموا داخل قاعته الرئيسية، ثم نقلوا الاعتصام إلى محيط المجلس واستمر حتى اليوم؛ ما دفع البرلمان إلى تعليق جلساته.
الصدر يدعو لحل البرلمان
في أوائل شهر أغسطس الجاري، دعا مقتدى الصدر، إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة وتغيير النظام السياسي والدستور جذريا ووضع قانون جديد للانتخابات، وهي مطالب قوبلت بالرفض من الإطار التنسيقي، وعقب ذلك بأيام وجه الصدر دعواته إلى القضاء وطالب المحكمة الاتحادية العليا بحل البرلمان خلال أيام؛ ثم اتجه أنصاره لمحاصرتها فعلقت المحكمة أعمال القضاء في البلاد ثم عدلت عن قرارها بعد رحيل المتظاهرين في اليوم التالي.
وتواصلت الزمة في التصاعد حتى أعلن الصدر، أمس الاثنين، اعتزاله العمل العام، ليخرج أنصاره غاضبين إلى الشوارع وتندلع احتجاجات عنيفة.
حظر تجوال والكاظمي يدعو الصدر لتهدئة المحتجين
بعد اشتعال الأحداث مجددا أمس؛ دعا مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي، زعيم التيار الصدر، لتهدئة أنصاره ودعوتهم للانسحاب من المقرات الحكومية، ووصفه بأنه لطالما كان داعما للدولة ويؤكد الحرص على هيبتها واحترام القوى الأمنية.
وفرت قوات الأمن العراقية حظرا للتجوال في عموم العراق، في محاولة لوقف الاحتجاجات العنيفة لكن ذلك لم يكن كافيا لردع المتظاهرين الغاضبين.
تحول الاحتجاجات لاشتباكات مسلحة
تحول الوضع في العراق مع حلول المساء إلى اشتباكات مسلحة وحرب شوارع في العاصمة العراقية وداخل المنطقة الخضراء، استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة؛ وسقط نحو 30 قتيلا و500 مصاب منذ مساء أمس، ولا تزال الاشتباكات متواصلة بين القوات الأمنية ومليشيات مسلحة.
واندلعت اشتباكات بين سرايا السلام وهي مليشيا مسلحة تابعة للتيار الصدري، وبين عصاب أهل الحق، وهي مليشيا مسلحة يقودها قيس الخزعلي، وتدعمها إيران.