في ذكرى وفاته.. تعرف على حكاية صحيح الإمام البخاري

احتفى مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بذكرى وفاة الإمام البخاري، حيث نشر بعض المعلومات عنه وعن حكاية كتابه صحيح الإمام البخاري.

وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن أمَّة الإسلام اعتنت منذ العهد النَّبويّ بالحديث الشَّريف حفظًا وتطبيقًا وروايةً وتدوينًا؛ لمعرفتها قدره، ووَعيِهَا أهميتَه لبيان وفهم القُرآن الكريم، ورغم الجهود المُضنِية التي قدَّمها الصَّحابةُ والتَّابعون وتابعوهم لخدمة سُنَّة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلال قرنين كاملين من الزَّمان، إلَّا أنَّ صحيح الإمام البخاريّ سيظل علامة فارقة في تاريخ تدوين السنة كلِّه، وسيظل الإمام البخاريّ هو دُرَّة أهل الحديث وأميرُهم وإن تباعد زمانُه، لا لشيء سوى ما مَنَّ الله به عليه من جودة الحفظ، ودقّة الفهم، وسرعة البديهة، واتِّقاد الهمّة، وما وُفِّق إليه من تأسيس مدرسة البحث العلمي الأولى في الاستقصَاء والاستدلال والعَزو.

وأضاف الأزهر العالمي للفتوى: مع أنَّ (الصَّحيح) لم يكن مُؤلَّفَه الوحيد -فقد تجاوزت مؤلفاتُه الثَّلاثين كتابًا- إلا أنه كان أبرزها وأقيمها، بل إنْ شئت قُلتَ: كان صحيح الإمام البخاريّ مشروعَ حياةٍ متكامل.

تابع الأزهر للفتوى: بدأ البخاريّ رحلةَ تأليفه مع طلبِه للعلم منذ نعومة أظفاره، وأنهاها في مجالس حديثه التي طاف بها البلاد، وأسمع فيها صحيحَه نحو 90،000 إنسان إلى أن وافته المنيَّة رحمه الله.

تلال المرويَّات الحديثيَّة

وأردف الأزهرللفتوى، وبين البداية والنَّهاية كانت حياة مُفعَمة بالنَّشاط في تحصيل العلوم، والتَّجرّد في تبليغها، والتَّطواف والتَّرحال بين الأمصار، والدِّراسة والتَّمحيص لتراجم آلاف الرُّواة، والتَّلقِّي والكتابة عن 1،080 شيخًا، هم أئمة الحديث الشَّريف في زمانه، وكانت خلالها -أيضًا- المرحلة المضيئة لتدوين (الصَّحيح)، التي بدأها وهو ابن 18 عامًا؛ وختمها بعد أن بلغَ الرابعة والثلاثين، وأودَعَهَا زهرة شبابه.

واستكمل: 16 عامًا كاملة؛ عَمَد خلالها هذا الإمام العظيم إلى تلال المرويَّات الحديثيَّة المُتراكمة، واستخرج من بين الرُّكام صحيحَها، ثم انتقى من بين الصِّحاح نفيسَها؛ مُقررًا للحُكْمِ على الرُّواة معاييرَ دقيقة، ومُعتمدًا لقبول المرويات شروطًا صارمة لم تعهدها حقول البحث التَّاريخيّ قبله، وهي اشتراط: اتِّصال السَّندِ، عدالة الرُّواة، تمام ضَبطِهم، عدم الشُّذُوذ، وعدم العِلَّة، مع أمانةٍ بالغةٍ في إيراد المتن شَهِد بها القاصي والدَّاني؛ كل هذا في المرويَّة الواحدة.

التَّثبُّت من هُوية كافَّة رُواتِه

وأفاد الأزهر للفتوى عن حديث للبخاري: قد كان معيارُه الرئيسي في تصحيح الحديث هو: التَّثبُّت من هُوية كافَّة رُواتِه، والتَّحقُّق من نزاهتهم وتقواهم، وخلُوّهم من التَّحيُّزات المذهبيَّة، والتَّوجُّهات الحزبية، والأهواء الشَّخصيّة؛ فإن ثبت إلى جوار عدالة الرُّواة هذه ضَبطُهم، واتصالُهم الزَّمنيّ باللُّقيا والمعاصرة معًا اعتُبِر الحديث صحيحًا لديه.

وتابع: يكفي للتَّدليل على عظيم بذلِه في تدوين (الصَّحيح) أنَّه رحمه الله انتقى أحاديثَه البالغةَ 2،761 حديثًا بدون المكرر من بين 600،000 حديث، وصنَّفه ثلاثَ مراتٍ في كل مرةٍ يهذّب وينقّح إلى أن أخرجه للنُّور تحت عنوان: (الجامع المُسْنَد الصَّحيح المُختَصر من أُمور رسول الله ﷺ وسننه وأيَّامه)، ثمّ قال: ما أَدخَلتُ في هذا الكتاب إلّا ما صحّ، وتركتُ من الصِّحاح كي لا يطول الكتاب.

ونوه الأزهر للفتوى: مع اهتمام البخاريّ باتصال السَّند وصحَّته؛ فقد طلب إلى جوارهما عُلوَّه كذلك، حتى أُحصِي له في الصَّحيح أكثر مِن 20 حديثًا لم يكن بينه وبين النَّبي ﷺ فيها إلا ثلاثة رجالٍ فقط، وهي المعروفة بـ (ثُلاثِيَّات البُخاري)، بالإضافة لما احتفَّ به تدوين (الصَّحيح) من النَّفحات والقُربات؛ فقد بَدَأَ البخاريّ تصنيفه في المسجد الحرام، وكَتَبَ تراجمه في روضة المسجد النَّبويّ الشَّريف بين قبره ﷺ ومنبره، وكان يُصلي لكل ترجمة ركعتين، ولم يُدخِل إليه حديثًا إلا إذا اغتسل وصلى لله تعالى ركعتين كذلك، ولا عجب.. فقد كان الإمام البخاري آيةً في الإخلاص والورع والعبادة رحمه الله تعالى.

الأزهر للفتوى يحتفي بالدكتور أحمد الطيب في ذكرى مولده بمستهل شهر صفر

الأزهر للفتوى: احترام مشاعر الناس فضيلة عظيمة.. والسخرية سلوك مرفوض ومحرم

وبعد أن أتمَّ البخاري تدوينه عَرَضَه على أكابر علماء عصره من أساتذةِ الحديثِ وجَهابِذَتِه شيوخًا وأقرانًا، أمثال الإمام أحمد بن حنبل، والإمام أبي زُرْعَة الرَّازي؛ فاستحسنوه، ومدحوه، وشهِدوا له بالصِّحة، ثمَّ تلقَّته الأُمَّة على مرِّ العصور بالقبول؛ معتبرةً إياه أصحّ الكتب بعد كتاب الله عز وجل، حسب الأزهر للفتوى.

واختتم الأزهر للفتوى، قائلا: كما حرص علماءُ الأمَّة على خدمتِه؛ نَسْخًا، وشَرْحًا، ودراسةً لأسانيده ورجاله وتراجمه وفقهه، ودفعًا لما أُثِير حوله من الأوهام والشُّبهات؛ حتى بلغت الأعمال العلميَّة المُفرَدة له نحو 500 مُؤلَّف.