بعد إيه
من 70 سنة فاتت، وتحديدا سنة 1952، كان الشاب الصومالي "محمود ماتان" عايش في بريطانيا، هو ومراته "لورا"، وأولاده الثلاثة: "ديفيد"، "عُمر"، و"ميرفين".. أسرة بسيطة جدا، عايشه اليوم بيومه، من خلال الأب اللي بيخرج كل يوم يجري على أكل عيشه لمدة 12 ساعة، يرجع بعدهم بشوية فلوس قليلة، ما تغنيش، لكن تحافظ للأسرة على درجة الحياة اللي تخليهم في إطار الستر.. لحد ما في يوم لما كان "محمود" خارج من الشغل، فوجئ بشخص طالع يجري بسرعة من جوه محل خردوات، بتملُكُه واحدة اسمها "ليلى فولبرت"!.. طريقة الشخص في الجري والتوتر اللي كان عليه؛ حسست "محمود" إن أكيد الراجل ده عامل مصيبة.
دخل "محمود" محل الخردوات؛ عشان يشوف فيه إيه، وكانت المفاجأة إنه لقى "ليلى" مقتولة بطريقة وحشية في قلب المحل بتاعها!.. طبعا صدمة ما بعدها صدمة.. فضل "محمود" متنح شوية، وبعد كده وبسبب منظر الدم؛ بدأ يصرخ بشكل هيستيري، والناس اتلمِّت في المحل.. للأسف الوقفة بتاعته لوحده في المحل + الحالة العصبية اللي كان فيها؛ كانوا سببين كفاية أوي عشان "محمود" اللي يشيل الليلة!.. أيوه بالظبط كده.. تم إتهام "محمود" إن هو اللي قتل الست "ليلى" لعدم وجود شهود تانيين يقولوا العكس.. حتى الحالة العصبية اللي هو كان فيها؛ المحكمة قالت وقتها، إنها بسبب الخضة بتاعته من الدم بعد ما عمل جريمته!.
التحقيق استمر قد إيه؟.. 6 شهور كاملين، بس كل التحقيق بيدور في إطار واحد بس، اللي هو "محمود" هو القاتل!.. واللي صعَّب الموضوع أكتر برضو، إن "محمود" ماكنش بيتكلم إنجليزي كويس، وكلامه كان بحروف متكسرة؛ فمقدرش يدافع عن نفسه بشكل كويس أو مُقنع.. غير كمان إن العنصرية كانت في قمتها، وهيئة المحلفين والمحكمة كلها كانوا من البيض، وبالنسبالهم، شخص أسود متهم؛ يبقى هو القاتل فورًا!.
"لورا" مرات "محمود"، كانت مؤمنة ببراءة جوزها، زي إيمانها بـ ربنا بالظبط.. أصل ازاي الراجل اللي أنا معاشراه الفترة دي كلها، يطلع قاتل!، وهيقتل ليه أصلًا واحدة مالوش علاقة بيها!.
انتهت المحكمة بالحكم بإعدام "محمود ماتان" شنقا حتى الموت.. تم تنفيذ الحكم فجأة، وبدون إخطار مراته، ولا أولاده، اللي راحوا في يوم عشان يزوروه في السجن، ولقوا الحراس بيقولولهم، إنه اتعدم امبارح.
صدمة قاتلة وقاسية على زوجة و3 أولاد لسه في بداية حياتهم.. "لورا" تسكت؟.. لأ.. تحط إيديها على خدها وترفع الراية البيضا؟.. لأ برضو.. عملت إيه؟.. كرَّست حياتها كله في تبرئة اسم جوزها.. اللي هو "محمود"، مات بس سُمْعِتُه مش لازم تموت هي كمان، ولازم براءته تجيله، حتى ولو في قبره.
بقت تشتغل ليل نهار؛ عشان تجيب مصاريف تربية الأولاد، وفي نفس الوقت، مصاريف المحامين اللي كانت بتخليهم يحاولوا يفتحوا القضية بكل الطرق من تاني.
مَرِّت سنين كتير، وماتت "لورا" قبل ما توصل لأي نتيجة، بس قبل ما تموت، كانت ورَّثت أولادها قضية أبوهم، وإنهم يدافعوا عنها، وحصل فعلًا.. الـ 3 أولاد "ديفيد"، و"عُمر"، و"ميرفين"، كملوا مشوار أمهم في محاولة تبرئة اسم أبوهم.. مرت سنين أكتر، ومفيش نتيجة، وللأسف، ابن ورا التاني اتوفوا!.. اتوفى الـ 3 أولاد، رغم إخلاصهم في قضيتهم.. اتوفوا بعد ما كل واحد منهم بقى له أسرة وبيت منفصلين، وللأسف برضو ما قدروش يخلّوا أحفاد "محمود" يكملوا المشوار من بعدهم.. أصل هنكمل المشوار ليه وجدتنا "لورا" وأبَّهاتنا وأعمامنا ما قدروش يعملوا حاجة!.
الشيء الغريب والمؤلم، إن من أيام قليلة، وبعد ما فات 70 سنة كاملين على إعدام "محمود"، نشرت الشرطة البريطانية، اعتذارا واضحا وصريحا وعلنيا، إنهم أخطأوا في اتهام "محمود" بقتل السيدة "ليلى"، وإنه بريء بنسبة 100%، خصوصا، بعد ما فيه أدلة جديدة ظهرت!.. بس بعد إيه!.. بعد ما "محمود" مات!، وبعده مراته "لورا" ماتت!، وبعدهم أولادهم الـ 3 ماتوا!.. بتعتذروا لمين؟!.. لأحفاده أكيد.. بس الأحفاد أغلبهم رفضوا الاعتذار؛ لإن أوانه فات، ومالوش معنى، ولأنهم لو قبلوه بعد موت الـ 5 الأساسيين اللي ماتوا؛ هيبقوا خذلوهم.
• من القصص المتداولة في أكتر من صحيفة عالمية، وخصوصا في الأسبوع اللي فات؛ هو اللي حصل لما ظابطة شرطة ألمانية من مدينة هامبورج، كانت راكبة العربية بتاعتها في فترة الظهر، وبتتابع الحالة الأمنية في المنطقة اللي هي مسؤولة عنها.. الحقيقة إن طبيعة المنطقة اللي معظمها بيوت وجناين، كانت هادية أكتر من اللازم، وبعيدة عن أي شغب أو جرائم، خصوصا كمان إنها كانت في وقت نهار، فـ نسب وقوع أي حوادث؛ هتبقى شِبه مستحيلة.. لحد ما لفت نظرها على رصيف من الأرصفة، طفل صغير، سنه ما يزيدش عن 9 سنين، ماشي وبيجُرّ جنبه العجلة بتاعته، بدل ما يكون راكبها!.. عادي جدا، ممكن يكون الكاوتش فاشش، أو الولد تعبان من التبديل، فقرر يكمل مشي.. بس لأ.. نظرة الولد الحزينة اللي باصة للأرض، ومشيته اللي كلها تُقل؛ كإنه جارر رجله؛ كانت بتقول إن فيه مشكلة أو أزمة عنده!.. تمام.. وإيه يعني.. ده مش موضوعي أنا كظابطة شرطة.. بس الظابطة قررت تعمل رد فعل مختلف!.. نزلت من العربية واستأذنت من الظابط اللي معاها إنها هتروح تشوف الطفل ده ماله!.. حصل فعلًا ووقفته وسألته بحنان أم عن سبب زعله؟.. الطفل مارضيش يحكي.. الظابطة قعدت على الرصيف.. مع إن الطفل فضل واقف.. وطلبت منه إنه يحكي.. وقالت له إنها حابة تسمع جدًا!.
كلمة من هنا على كلمة من هناك.. عرفت إن الطفل زعلان من أسرته.. عشان قالوله كلام قاسي شوية أكتر من المقبول.. وإنه كان بيفكر جديا في الانتحار.. لإنه شايف حياته مالهاش معنى عند أهله!.. هوب هوب!.. انتحار إيه بس ياللي لسه ماطلعتش من البيضة أنت!.. ضحكت وهزرت معاه.. وحاولت تخرجه من الحالة اللي هو فيها.. وحكت له ازاي إن أسرتها زمان صمموا إنها ما تدخلش شرطة.. بس هي صممت.. وإنها جالها نفس الفكرة اللي جاتله.. وقررت بسبب عناد أهلها معاها.. إنها تنتحر.. بس وقفت مع نفسها.. وقررت تواجه وتصمم هي برضه على حلمها.. لحد ما حققته أهو.
تعالى أعزمك على آيس كريم!.. قالتها الظابطة.. وأخدته من إيده.. وراحوا كملوا قعدتهم في محل آيس كريم مشهور في المنطقة.. الدردشة جابت دردشة.. والكلام جاب كلام.. وعلى مدار ساعة كاملة.. حياة الطفل ده ونظرته ليها اتغيرت.. بسبب التدخل المناسب للظابطة في التوقيت المناسب.. آه بالمناسبة.. الظابطة ما أخدتش بالها وزميلها الظابط بيصورها وهي قاعدة مع الطفل على الأرض.. ولولا الصورة دي.. ماكانتش القصة دي هتتوثق.. زي ما جِه في وسائل إعلام كتيره.
• الكلمة لو ما اتقالتش في الوقت الصح.. مالهاش قيمة.. السَّندة لو جت من الشخص اللي له من الغلاوة اللي مش لغيره.. بس متأخرة.. مالهاش معنى.. الرد على طلبي اللي طلبته.. لو ماكنش في عز لحظة الاحتياج.. يبقى مش عايزه.. الوعد اللي اعتمدت عليه من ثقتي في صاحبه.. لو ما اتنفذش في توقيته.. مالوش طعم.. فيه حاجات لما بتيجي بعد وقتها.. مش بيبقى ليها معنى ولا لزمة ولا قيمة.. حتى لو مضروبة في 10 أضعافها.