الأسرة قوامها الدين والأخلاق والمجتمع
اقتضت سنة الله في الكون أن يكون الإنسان أعظم مخلوقاته، ليكون خليفته في الأرض ويعمر فيها، ولكي ينجح الإنسان في القدرة على تعمير الكون فقد ميّزه الله بنعمة العقل، وشرع له زواج الذكر من الأنثى، ليظل خليفة الله في الأرض يمارس مهمته في التعمير فيها، ودعوة الله إلى الزواج في شريعته لأنه موروث إنساني وفطرة بشرية فطر الناس عليها، من أجل حفظ النوع من الجنس البشري بكثرة عدد النسل، وعفة للذكر والأنثى من الانحراف، والسير في الطريق المستقيم، بتحقيق الترابط والتوافق بين الزوجين الذي يفضي إلى علاقات طويلة قوية في بناء الأسرة والمجتمع.
وهذا يساهم بشكل كبير في زيادة التنمية البشرية والاقتصادية، ويضمن للإنسان العيش في أمان واستقرار، والسلامة في نفسه وماله وعرضه، فمن أجل ذلك تتجلى عظمة الخالق وقدرته في تشريع الزواج الصحيح بقوله تعالى "وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (21) الروم، ويعتبر الزواج الصحيح هو حماية الإنسان من الوقوع في الخطيئة والرذيلة، فهو الحصن الحصين له من الوقوع فى براثن الزنا الذي يعد أكبر الموبقات التي تغضب الله وبها هلاك للأمم، لأن انتشار هذه الفواحش لعدم الرغبة من الزواج، يؤدي إلى انتشار الأمراض وهلاك النفس والمال والصحة.
هنا الشرع الإلهي يلزمنا بالزواج والتكاثر وتكوين الأسرة، من أجل الترابط والتماسك والاستقرار وعدم التشرزم أو السعي إلى أهواء الشيطان، لأنه ألد أعداء الإنسان بقوله تعالى ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ سورة يوسف الاية5 وقد ظهر الهرج والمرج من ليس لهم علاقة بفتاوى الدين الإسلامي الحنيف، من جاهلية القرن الواحد والعشرين أصحاب الباحثين عن الشهرة والترند الزائف حتى لو كان على حساب تقييد حرية الدين والأخلاق والمجتمع، حشروا أنفسهم في فتاوى دينية خاصة بحدود الله ويحظر على من يتكلم ويتحدث فيها إلا بحساب عن علم ويقين، وأن يتسلح بالعلم وأصول الفقة ويكون مصدر حديثه من القرآن والسنة، وما ذكر عن رب العزة من الأحاديث القدسية أو ما يروي من أحاديث نبوية شريفة، لأن التحدث باسم الدين فأنت في منطقة حدودية مع الله، فيحظر عليك التحدث حسب الأهواء أو لتأسيس شرعية شخصية، هؤلاء الذين يريدون تهيج النفوس بين المرء وزوجه، فمن قال بأن المرأة ليس لها أن تخدم زوجها أليس الأب في أمس الحاجة إلى الزوجة التى تعتني به هو وأولاده مقابل أن يكون الرجل قائما على أسرته ويبذل قصارى جهده في تربيتهم بالسخاء والعطاء بالمال الحلال من أجل الحفاظ عليها ويرتقي بها أخلاقيًا واجتماعيًا على الاعتناء بها وسط الأمة، وفي المقابل أيضًا واجبات الزوجة نحو أسرتها هي السهر على راحتهم والاعتناء بهم وتقوم بخدمة زوجها وأولادها، وبهذا يتحقق الصلاح للفرد والمجتمع لأن إذا صلحت الأسرة صلح المجتمع، فمن أجل هذا الصلاح واستمراره جعل الدين الحقوق والواجبات الأساسية بين الزوجين، وهذا هو الارتباط العقائدي والموروث في ذهن كل إنسان مؤمن بالاديان السماوية وتطبيقًا لهذا الحديث الشريف.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))
[أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عمر]
وأصح الأحاديث ما رواه الشيخان البخاري ومسلم.
ويأتي من يريد الضرر للأسرة وإيذاء أساس قوامها بإطلاق الأقوال المهجورة، عن مدى أحقية الأم في إرضاع طفلها سواءً كان بأجر أو من غير أجر، وإن كنا لا ندخل في جدال فقهي في هذا الأمر ومتروك لأهل العلم في فتوى وذلك، ولكن قد ألزم الإسلام وفرض حق الولد في الرضاع ذلك حفاظًا على حياة الطفل المولود وصيانة له من العلل والأمراض، بقوله تعالى (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْن) الآية 233 سورة البقرة ثم قوله أيضًا (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) الآية 15 من سورة الأحقاف، يكون بذلك قد قضت الشريعة الإسلامية الغراء قد جعل الأم هى التى ترضع ولدها، حفاظًا على الأسرة من عدم اختلاط الأنساب وحرمتها في الرضاعة، لأن ليس هناك أعظم تحصينًا وأمنًا وحنانًا على المولود إلا قلب الأم وعندما يرضع الرضاعة الطبيعية من ثديها، ويعتبر هذا من أفضل نعم الله ولا يقدر على ذلك إلا الله في منحه لبن الرضاعة للأم كغذاء للطفل الرضيع، إلا إذا كان هناك عارض أو حائل من عزر أو مرض أو سبب من أسباب الإباحة تقتضى الحاجة أن يجد الطفل أم له في الرضاعة، وقد يأبى الطفل ولا يرضى بغير أن يتغذى من ثدى الأم التى أنجبته، لقد أمرنا الله تعالى بالحفاظ على الأسرة ومرعاة شعورها واحترام خصوصيتها، ولا نتطرق إلى الأقوال المهجورة والتحدث بها بغباء مطبق، دون ماهو ثابت بالقطع والحجج من الأحاديث النبوية الشريفة والكتب والشرائع السماوية، لأن الجاهلية الحديثة أصبحت ضيف شرف دائم عبر مواقع التواصل الإجتماعي والقنوات الفضائية، لكى تحطم كيان الأسرة المصرية ونشر فيها النفور وضيق ما فى الصدور بالدعوة إلى تمرد الزوجة عن خدمة زوجها والأم عن رضاعة طفلها، فهؤلاء هم خراب البيوت الذين يسعون إلى تفكيك الأسرة بهدم الحق والسعى إلى الشر وحجب الخير وقتل عدالة الحقوق والواجبات بين الزوجين، فهم الغافلين الذين يريدون أن يعيشون عيشة الجاهلية الأولى.
وأنا أهيب برجال الصحافة والإعلام في مصر إلى أن لا يستضيفوا عبر قنواتهم الفضائية أو التليفزيون المصري أو صحفهم الورقية أو بثهم عبر المواقع الإلكترونية، هؤلاء الذين يدعون إلى فقد الانتماء الوطني بالدعوة إلى تمرد الزوجة المصرية على أولادها وزوجها بشراء قلبها وعطفها على فلذات أكبادها ورفيق حياتها، من أجل السعي إلى هدم كيانها وقتل أخلاقها، سحقًا لكل من يريد تفكيك المجتمع وتهديد الأمن والسلام الاجتماعي بضرب الوطن في هدم كيان أسرته وقدسيتها، لأنها كما نص عليها الدستور" الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها".