تعنيف الأبناء.. وتدمير المجتمعات
فى نهاية اليوم وحينما كنت أتصفح مواقع التواصل الاجتماعى كالعادة وخاصة (التيك توك) الذى أعتبره بوابة مفتوحة عن طريقها تخترق عقول وأفكار أجيال تائهة، استوقفني فيديو لفتاة على أغنية ظريفة تعرض معاناتها مع والدتها التى تضربها وتعنفها كوسيلة للعقاب، وجل ما أذهلنى هذا العدد الهائل من التعليقات على الفيديو والتى يمكنها أن تشطر قلبك عند قراءتها، فهم يواسون بعضهم البعض دون معرفة مسبقة، وكل منهم يعرض معاناته المشابهة مع والديه. .
والسؤال الذى يمكن طرحه هنا؟ أين هى منصات التوعية المجتمعية من الآباء والامهات؟ أين ذهبت؟ وأين رجال الدين؟ وأين قوانين الإنسانية من كل هذا التعنيف؟.
ولعل الجميع يتساءل أيضا.. كيف لكل هذا العنف أن يأتى من الأم والأب فجميعنا منذ بدء الخليقة ونحن نسمع (والدك سيدك ولو كان كافرا) ودائما ما نستمع لشرح مطول من رجال الدين عن طاعة الوالدين وتقديرهما فى كل وقت وفى أى موقف، ورغم كل ذلك فإن التطور الزمني فى هذه المرحلة يدفعنا إلى الحاجة إلى حملة مكثفة للحديث عن حقوق الأبناء من أولى الأمر المختصين، ونحتاج إلى الاعتراف بأن هناك عقوق الأبناء مثلما هناك عقوق الوالدين.
وللناس جميعا أقول إنه يجب محاربة فكرة التسلط والتملك لروح خلقها الله تحت شعار الأبوة، حيث إن ما يحدث فى بعض الحالات هو كارثة يمكن أن تدمر مجتمعا كاملا بلا شك على المدى البعيد.
والحقيقة أن الذى زاد الطين بلة فى هذا الأمر هو القناعة التى لدى الأبوين بأنهما السبب الأول لوجود الأبناء على الأرض وأن الأبناء بالنسبة لهما ملكية خاصة لهما ومع مرور الوقت يصيبهم النسيان أن هذا المخلوق روح خلقها الله رب العالمين وهما فقط وسيلة لتوصيله إلى بر الأمان، وبطبيعة الحال يعطى الأهل الحق لأنفسهم بالتعنيف بدرجاته المختلفة دون الخوف من قانون أو عرف أو مرجعية دينية تؤكد لهم أن هناك حسابا على ما يفعلوه بل المجتمع والعرف يعطى الأهل رخصة بممارسة التربية العنيفة بكل مساوئها.
الكارثة المجتمعية الحقيقية هنا أنه بسبب الأذى النفسى الذى يتعرض له الأبناء لن يكون هناك مواطن سوي يستطيع أن يبنى أسرة سوية في المستقبل فبطبيعة الحال سيكون الطفل المعنف مريضا نفسيا والمشكلة أن هذا المرض سيورث بالتأكيد لأن الشخص المعنف لن يكون أهلا لتربية صالحة سوية يمكـن أن تكون نتيجتها جيلا متوازنا يبنى مجتمعا أو دولة سليمة.