استجابة وطن
سرني إعلان الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية عن اطلاق حملة بعنوان أخلاقنا الجميلة، والتي تستهدف التأكيد على الأخلاق التي تربينا عليها، وتأمر بها جميع الأديان السماوية والإنسانية، من احترام الكبير وحسن الجيرة وحسن المعاملة والأمانة والشرف والأدب في التعامل، حيث سيتم تنفيذها على عدة مراحل، عبر الوسائل الإعلامية المملوكة للشركة، والمغزى منها تربية أجيال جديدة على القيم والعادات والتقاليد المصرية الأصيلة، وتذكير الأجيال الحالية بما تربينا عليه من قيم إنسانية.
ما يزيد من فورة الغبطة بحملة الشركة المتحدة؛ أنني نوهت في مقالي المنشور بموقع القاهرة 24 في 19 أغسطس الماضي بمخاطر تدني القيم والأخلاق في وسائل الإعلام المصرية، وأهمية ردم الفجوة الظاهرة بين الفضيلة المجتمعية والمحتوى الإعلامي؛ درءًا للمفاسد التي تصيب المجتمع جراء المحتوى المعطوب، فاقد المكنون التربوي والمكنوز الأصيل في التنشئة والنشأة وتربية أجيال المستقبل؛ كما اعتبر أن حملة "أخلاقنا الجميلة" هي استجابة وطنية لنداءات الأخلاق المخبوءة في نفوس أبناء وبنات الشعب العريق، وتعزيزًا لأصوات التنغيم والترنيم بين المتبادلة الدولة والفرد.
لقد أثبتت مؤسساتنا الوطنية أن الصوت المسموع ليس بقوة جأشه ولا حدة نبرته؛ إنما بنبل الرسالة وسلامة الهدف؛ انسياقًا مع رؤى المستقبل للجمهورية الجديدة حتى لو كانت رسالة الاتصال صمتًا أو حروفًا ساكنة، وأن الصخب والضجيج بداعي الإصلاح ما هو إلا جمرة تبحث عن التلحف بفرائسها؛ كي تصبو وتقوى على حرق الأوطان، والأحرى لمن يريد صلاح وطنه أن ينصهر في خططها المستقبلية وقوالبها الوطنية ليكون نبتة طيبة لا خبيثة.
إن حس المسؤولية يسري في عروق المصريين كالدماء، يضخه الإعلام ويتدفق مع الأحداث والمخاطر التي تحيط بجسد الوطن؛ فيشكل أجسامًا مضادة لفورات الخباث واللئام، ويمنحها القدرة على استئصال رعرعة دعاوي الهدم وإرهاب المجتمع، وكلما كانت المنظومة الإعلامية وطنية الرسالة، مخلصة الاتصال بالجماهير؛ نمت دوافعها، وتعاظم تأثيرها في بناء المواطن وتحصينه، وترسيخ الثوابت المتأصلة والمتجذرة في العمق الحضاري المصري.
لم يعد هدم الأوطان يتطلب أسلحة أو قوات عسكرية أو هيمنة على السلطة؛ إنما بمدى القدرة على النجاح في تسلل الأفكار المناوئة للفضيلة المجتمعية ونهش جدارها الأخلاقي، وزعزعة نواتها القيمية؛ ومن ثم إحداث طفرة تأصيلية ممهدة للغزو الفكري والثقافي، وتغيير سلوكيات ومرجعيات الأجيال اللاحقة بحيث تصير الأصالة رجعية والابتذال تحضرًا.
لابد أن يدرك جميع أبناء مصر أنه مهما كان الصوت النبيل خافتًا؛ فإن الوطن ينصت إليه ويسمعه، وحتمًا سيستجيب، وفق سلم ترتيب الأولويات الوطنية والمجتمعية، وأن التفاعل مع النداءات الأخلاقية والقيمية ليست استجابة شخصية أو فردية وإنما هي استجابة وطن، وأخيرًا.. بكل الفيض والامتنان؛ شكرًا المتحدة للخدمات الإعلامية.