بضاعتنا ردت إلينا
مخترع الإتيكيت عبد عربي أسود فرَّ من سيده
35 ألف مخطوطة عربية نسبها علماء عصر النهضة لأنفسهم
فكر الخوارزمي وراء اختراع الكمبيوتر ولغة البرمجة
ليس اختراعًا جديدًا، ولكنه ضارب بجذوره في فترات الغفوة والغفلة من تاريخنا، أن نستورد بضاعتنا. ولو أننا فكرنا ولو مرة أن نقلب في صفحات تاريخنا التي تتكرر وتتكرر، لعرفنا مثلًا أن فن الإتيكيت الذي نتباهى به هو صناعتنا، وأن من ابتكره عبد أسود فرَّ من بغداد في عهد هارون الرشيد، حيث نصحه سيده إسحاق الموصلي بأن يختفي عن وجهه؛ لأنه لو رآه فسوف يقتله، بعد أن رأى انبهار الخليفة العباسي بعزفه وغنائه، فعمل زرياب بالنصيحة، وأفلت بجلده، حيث كانت الأندلس (التي يسمونها اليوم إسبانيا) مستقره الآمن، وهناك هوس أوروبا عندما علمهم أن الأكل يكون بالشوكة والسكينة، وأن للمائدة إتيكيت، كما هبل شبابها الذي كان يتبع الموضات والعطور التي يقررها لكل فصل من فصول السنة، حتى إن الدول كانت تبعث بالرسل والسفراء؛ لتعرف ماذا سيلبسون وكيف سيأكلون، ويذكر التاريخ أنه أسس أول معهد للموسيقى في العالم.. هذا الكلام له تفاصيل كثيرة ستجدونها في كتب التاريخ. العبد الأسود صدَّر بضاعتنا لأوروبا والعالم، وإذا بنا نستورد الأتيكيت والعطور والموضة منهم.
وإذا قلبنا صفحة أخرى، فسنرى عالمًا ذا وقار، هو الأب الشرعي لعلوم أوروبا في عصر النهضة، ولك أن تتخيل أن عقليته تجاوزت الـ 1250 عامًا؛ لنستمد منها فكرة اختراع الكمبيوتر والبرمجة حتى الآن، ومنها فيس بوك وتويتر وإنستجرام.. الخورازمي الذي اخترع علم الجبر؛ لتنظيم المواريث، سنجد في صفحته سطرًا مُخزيًا لنا كعرب ومسلمين.. اللوغاريتمات التي استوردناها من الغرب من ابتكارات عالمنا، حتى إن الغرب تقديرًا لعبقريته سماها باسمه، وهو (algorithm)، فاستوردنا بضاعتنا باسمها الأجنبي!! وترجمناها بركاكة تفوق ترجمة جوجل إلى لوغاريتمات.
ومن بضاعتنا التي رُدَّت إلينا القانون الفرنسي الذي نحكم به حتى الآن، فبين ثنايا صفحات تاريخنا ستجدون أن نابليون في فترة احتلاله لمصر، والتي يسمونها خبثًا بالحملة الفرنسية، استمد قانونه كاملًا من الشريعة الإسلامية، بعد أن حذف ما لا يناسب مجتمعهم غير المسلم، وفي عهد محمد علي باشا قاد بعثة تنويرية إلى فرنسا مولانا أبو عِمَّة تراقصت تحت أضواء كباريهات باريس؛ ليسجل انبهاره بأضواء المدينة، ويستورد بضاعتنا "القانون الفرنسي"، ويعود ليخلد تاريخنا الشيخ رفاعة الطهطاوي؛ بوصفه أيقونة الفكر التنويري.
وخير ختام بشفرتين احفظوهما جيدًا: الأولى "فؤاد سزكين"، والثانية "35 ألفًا". أما عن الاسم فهو لباحث مسلم قضى عمره في ألمانيا، وأسس معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية بجامعة فرانكفورت؛ بحثًا عن بضاعتنا المنهوبة والمنسوبة للغير.
وأما عن الرقم فهو عدد المخطوطات العربية التي أثبت سزكين وفريق عمله أنها تُرجمت بالحرف، ونُسبت لعلماء عصر النهضة، الذين (بقدرة قادر) ظهروا فجأة وبغزارة، وصاروا عباقرة، وهم في حقيقتهم سارقو هذه المخطوطات بما تحويها من علوم نسبوها لأنفسهم؛ ليدور الزمان دورته، ونستورد منهم بضاعتنا.
كم نحن كرماء بعبط في وهب وإهداء بضاعتنا، وأسخياء بانبهار في شرائها واستيرادها، ومغيبون بعناد عن إدراك أنها خاصتنا، وأنها تفوق الحصر!
ونغلق الآن الغلاف؛ لنسأل: هل سيحاول الجيل الجديد اقتطاع جزء يسير من وقت فراغه للتقليب في صفحات تاريخنا، الذي هو تاريخه؛ ليرى العجب، ولو من باب العلم بالشيء؟