قتلناكَ يا آخر الأنبياءْ.. 5 قصائد في رثاء جمال عبد الناصر
تحل اليوم الذكرى الـ 52 لرحيل الزعيم جمال عبد الناصر، الذي توفي إثر أزمة صحية بعد انتهاء أعمال القمة العربية يوم 28 سبتمبر 1970.
بعد وفاة عبد الناصر رثاه عدد كبير من الشعراء المصريين والعرب بقصائد حظيت بمكانة خاصة بين المصريين، نرصد بعضها لكم فيما يلي.
نزار قباني
قتلناكَ.. يا آخر الأنبياءْ
قتلناكَ..
ليس جديدا علينا
اغتيال الصحابة والأولياء
فكم من رسول قتلنا..
وكم من إمام ذبحناه وهو يصلى صلاة العشاء..
فتاريخنا كله محنة..
وأيامنا كلها كربلاء..
نزلت علينا كتابا جميلا
ولكننا لا نجيد القراءةْ..
وسافرت فينا لأرض البراءةْ..
ولكننا ما قبلنا الرحيلا
تركناك فى شمس سيناء وحدكْ..
تكلِّم ربك فى الطور وحدك..
وتعرى.. وتشقى.. وتعطش وحدكْ..
ونحن هنا.. نجلس القرفصاءْ
نبيع الشعارات للأغبياءْ
ونحشو الجماهير تبنا.. وقشّا..
ونتركهم يعلكون الهواءْ
عبد الرحمن الأبنودي
أنا باشكر اللى خلق لى الصوت وأوصاني
أقول كلام حُرّ.. مايقبلْش لون تاني
مااسكتش ع الضِّيم واهشّ الغيم بقولة "آه"
وإن سرقوا صوتي.. بينسوا ياخدوا قولة "آه"
فى الفرْح فى الجرح إيه حيلتى إلاّ قولِة "آه"
يحميك يا ولدى وكنت اسكت وتتكلم
يحميك يا ولدى واكون مجروح وتتألم
ياما حرسْت النهار.. آدى النهار.. ضلِّم
وإن شفت جرح الوطن جوّه الفؤاد علم
تقول كلام.. ياسلام.. يحيينى من تاني!!
أنا كان لى ورْدات عجب.. كبّرتها بايدي
أسقيها بالدمع بالدم اللى فى وريدي
جانى غشيم القدم وداس على ورودي
أخدم جناينى فى بستانى يا ناس إزاي؟
وإن نمت ناسى باقوم فاكر يا ناس إزاي؟
مين مرّر الشاى فى شفايفى وبكى الناي؟
ياليل يابو الهمّ.. تحتك دم.. ما تحاسب
وقوللّى إمتى يا ليل.. وفين حنتحاسب؟
إزاى بلادى تبات ليلة مع الغاصب
وإزاى يدوس وردها.. واقولّه: "ياسيدي؟!
مدّ الأمل سِكِّتُه.. وقالِّنا: "سيروا
نصيبكو حيصيبكوا تمشوا والاَّ حتطيروا
عيشوا النهارده الزمن.. بكره زمن غيره
آدى أول السكة صوت الضحكة بيلالي
والشمس أمشيلها ألاقيها اللى ما شيالي
ولا حدّ يقدر يعكّر قلبنا الخالي
لكن ومين بكرة يعرف إحنا فين فيها؟
هيه حتدينا والا احنا حندّيها؟
وإيه نصيبنا من الأيام ولياليها؟
غاب الزمن فى الزمن.. واحنا بِلا عزوة
ولا نملك الا نماشى السكة ونسيروا"!!
ويا مصْر وان خيرونى ما اسكن الاَّكي
ولاجْل تتبِّسمي.. يا ما بابات باكي
تسقينى كاس المرار.. وبرضُه باهواكي
بلدى ومالى الّا إنتى ولو ظلمتيني..
مقبولة منِّك جراح قلبى وْدموع عيني
الجرح يشْفَى إذا بإيدك لمستيني..
كلّك حلاوَة.. وكلمة "مصر".. أحلاكي!!
التّناتيش
من يمدحُه يطلع خاسر
ويشبَّروله.. أيامه
يعيش جمال عبدالناصر
يعيش بصوته وأحلامه فى قلوب شعوب عبدالناصر
مش ناصرى ولا كنت ف يوم
بالذات فى زمنه وف حينه
لكن العفن وفساد القوم
نسّانى حتى زنازينه.. فى سجون عبدالناصر
إزاى ينسّينا الحاضر..
طعم الأصالة اللى فى صوته؟
يعيش جمال عبدالناصر
يعيش جمال حتى ف موتُه ما هو مات وعاش عبدالناصر!!
اسمه جمال وجميل فعلًا
ياما شفنا شجعان خوّافه
عظيم.. وكان إنسان طبعًا
المجد مش شغل صحافة علشان ده عاش عبدالناصر
محمود درويش
نعيش معك
نسير معك
نجوع معك
وحين تموت
نحاول ألا نموت معك !
ولكن لماذا تموتَ بعيدًا عن الماء
والنيل ملء يديك؟!
لماذا تموت بعيدًا عن البرق
والبرق فى شفتيك؟
وأنت وعدت القبائل
برحلة صيف من الجاهليةْ
وأنت وعدت السلاسل
بنار الزنود القويةْ
وأنت وعدت المقاتل
بمعركة تُرجِع القادسيةْ
نرى صوتك الآن ملء الحناجر
زوابع تلو زوابع
نرى صدرك الآن متراسَ ثائر
ولافتة للشوارع
نراك
نراك
نراك طويلًا كسنبلة فى الصعيد
جميلًا كمصنع صهر الحديد
وحُرًّا كنافذة فى قطار بعيد
ولست نبيًّا..
ولكن ظلّك أخضر
أتذكر؟
كيف جعلت ملامح وجهى
وكيف جعلت جبينى
وكيف جعلت اغترابى وموتى
أخضر
أخضر
أخضر؟
أتذكر وجهى القديم؟
لقد كان وجهى يُحنَّط فى متحف انجليزى
ويسقط فى الجامع الأموى
متى يا رفيقى؟
متى يا عزيزى؟
متى نشترى صيدليةْ
بجرح الحسين.. ومجد أميةْ
ونبعث فى سدِّ أسوان خُبزًا وماء
ومليون كيلو وات من الكهرباء؟
أتذكر؟
كانت حضارتنا
بدويًّا جميلًا يحاول أن يدرس الكيمياء
ويحلم تحت ظلال النخيل بطائرة
وبعشر نساء
ولست نبيًّا
ولكن ظلك أخضر..
نعيش معك
نسير معك
نجوع معك
وحين تموت
نحاول ألا نموت معك
ففوق ضريحك ينبت قمح جديد
وينزل ماء جديد
وأنت ترانا
نسير
نسير
نسير.
عبد المعطي حجازي
هذه آخر الأرض
لم يبق إلا الفراقْ
سأسوّى هنالك قبرًا
وأجعل شاهده مزقة من لوائك
ثم أقول سلامًا
زمن الغزوات مضى والرفاقْ
ذهبوا
ورجعنا يتامى
هل سوى زهرتين أضمُّهما فوق قبرك
ثم أمزِّق عن قدمى الوثاق؟!
إنّنى قد تبعتك من أول الحلم
من أول اليأس حتى نهايته
ووَفَيْتَ الذماما
ورحلت وراءك من مستحيل إلى مستحيل
لم أكن أشتهى أن أرى لون عينيك
أو أن أميط اللثاما
كنت أمشى وراء دمى
فأرى مدنًا تتلألأ مثل البراعم
حيث يغيم المدى ويضيع الصهيل
والحصون تساقط حولى
وأصرخ فى الناس
- يومًا بيوم -
وقرطبة الملتقى والعناقْ
آه.. هل يخدع الدم صاحبه
هل تكون الدماء التى عشقتك حراما؟!
كنتُ فى قلعةٍ من قلاع المدينة ملقى سجينا
كنت أكتب مظلمة
وأراقب موكبك الذهبى
فتأخذنى نشوة وأمزِّق مَظلمتى
ثم أكتب فيك قصيدةْ
آه يا سيّدى!
كم عطشنا إلى زمن يأخذ القلب
قلنا لك اصنع كما تشتهى
وأعد للمدينة لؤلؤة العدل
لؤلؤة المستحيل الفريدةْ
لم أكن شاهدًا أبدًا
إننى قاتل أو قتيل!
مت عشرين موتًا
وأهلكت عشرين عمرًا
وآخيت روح الفصول
تتوارى عصوركم وأظل أغنّى لمن سوف يأتى
فترجع قرطبة وتجوز الشفاعةْ
صلاح عبد الصبور
لا، لم يمت..
وتظل أشتات الحديث ممزقات فى الضمائر
غافيات فى السكينة
حتى تصير لها من الأحزان أجنحة،
تطير بها كلاما مرهقا، يمضى ليلقفه الهواءُ،
يردّه لترن فى جدرانه دور مدينة الموت الحزينةْ
أصوات أهليها الذين بنت بهم سرر البكاء
يتجمعون على موائد السهر الفقير،
معذبين ومطرقين
الدمع سقياهم، وخبزهمُ التأوه والأنين