نداء أخير للركاب.. ورحلة اكتشاف فى 2019
تقول الأديبة والناشطة الامريكية هيلين كيلر “إن الحياة إما أن تكون مغامرة جريئة أو لا شيء”، هكذا أراد – ذلك الرائع – أحمد القرملاوي أن يصف لنا الأمر في روايته “نداء أخير للركاب” الرواية الصادرة عن مكتبة الدار العربية للكتاب، والحائزة على أفضل عمل روائي في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخمسين، والتي حاول فيها كاتبنا أن يفسر الواقع بمنظور فلسفي، فخرجت روايته لتؤكد على قيمة المعرفة، وأن الحياة مهما بدت لنا ذات قَدَرٍ وتعقيد ما هي إلا لحظة اختبار وتصريف.
البداية كانت مدهشة، دخول مفاجئ، بدون إهداء، ودون مقدمات كثيرة، ثم خبر لوفاة أب، تسلل به الكاتب إلى أرواحنا ليحكم قبضته عليها، تاركًا أحداث روايته تلتهمنا في بطء، وساردًا فترة مهمة من تاريخنا المعاصر، الفترة التي أربكت كل شيء، تواريخ وأرقام، منحت روايته حضورًا تاريخيًا دون أن ينسى لحظة واحدة أننا أمام مغامرة في السرد، وهو ما نجح فيه الكاتب بامتياز، للدرجة التي تجعلني أزعم أننا أمام أدب شهادة بمنطق التذكير دون أن يجعل من روايته مجرد نصوص تاريخية واحتجاجية.
أي رحلة هذه، تعيد أكتشاف الذات، وأي تجربة تعيد تشكيل حياة مفككة، وتحمل صاحبها ليخوض في أسرار ماضية رغم أجوائه الباعثة على التوتر، يقول القرملاوي في لحظة تأمل وصدق ” فردتُ المخطط أمامي فوق أرض الصالة، ورحتُ أُطالعه مع كل وجبة أتناولها بداخل البيت، أرسم في خيالي مساراتٍ سأقطعها يومًا صوب الدور العلوي، أشرع أبوابًا سأطمئن على إغلاقها قبل النوم، أسمع أصواتًا يصخب بها القانطون أعلى البيت، غرفة لنينا ولاريسا، وأخرى لأمي، فيما سأنام مع تايا وساندي في غرفة أبي، الذي صرت أناديه “بابا ” في خيالي.
نحن إذن أمام مسيرة رجل لم يحاول طوال حياته أن يبحث عن ماضيه، حتى وجد نفسه مقذوفًا إليه، مندفعًا نحو معرفةٍ لم يراها من قبل، ومحملًا بمهام لم يتوقعها قط.
والحقيقة أن القرملاوي يصعد بك في روايته على سلم هندسي، بإيقاع ثابت، ولغة أصيلة نسج بها خيوط حكايته بنضوج في الشكل والنمط، لكنه لم يحقن في نفس قارئه أمور الشغف وغواية اللعب لإتمام فعله الإبداعي، فلم يعانق نصه الشغف، وكأنه كان قاصدًا.
“نداء أخير للركاب” رواية توحي بتجربة شخصية، تحمل في باطنها فكرة إنسانية، أكدت أن القرملاوي حكّاء ماهر، يمتلك القدرة على اللحاق بميعاد كلماته دون تأخير، له طابع لغوي سلس، يلامس المعنى بسهولة ويسر، وما بين تقديم وتأخير، يمضي السرد في جملة واحدة، فيصنع وحدة موضوعية لا يمكن تفكيكها، وبرغم جمالها، إلا أن الأجمل في أدب أحمد القرملاوي لم يأتِ بعد.