نصر أكتوبر طريق مصر إلى السلام
لم يعد قط أي إنسان عربي يقبل بأن يعيش وسط عار نكسة الخامس من يونيو عام 1967، دون تحرير لتراب كل شبر من أرض عربية تم اغتصابها بالعدوان المسلح عليها، فإنَّ المصريين عاشوا حقبة سوداء خلال السنوات الست التي التي أعقبت هزيمة الجيش المصري بعد أن روت دماء الشهداء والجرحى من جنودنا البواسل صحارى سيناء في مقاومة عدو مغتصب باحتلال كامل لها، وصولًا إلى حدود قناة السويس، إلى جانب احتلال هضاب مرتفعات الجولان السورية، وسط تعنت إسرائيلي رافض للانسحاب من جميع الأراضي العربية التي احتلتها جراء عدوانها الغاشم عليها، برغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي رقم 242 الصادر بتاريخ 22 نوفمبر عام 1967م، الذي يتناول انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية والعودة إلى حدود ما قبل 5 يونيو من نفس العام، ولكن إسرائيل استمرت في تعنتها، مستبعدة العودة إلى الخطوط الأمامية لهذه الحدود، ضاربة عرض الحائط بهذا القرار الذي لا يعدو من وجهة نظرها أن يكون مجرد قرار شكلي غير واجب التنفيذ، ولم تقبله إلا بتفسير ضيق لمصلحتها بحدود آمنة لها.
فبعد أن بُحَ صوت مصر عاليًا أمام محافل منظمات الأمم الدولية، مناديةً بانسحاب لعدو غاشم مُعتدٍ مغتصب للأراضي المصرية والعربية، تجاهل العدو كل النداءات والأصوات التي تطالبه بالرحيل عن الأراضي العربية المعتدى عليها.
نصر أكتوبر 1973
ولم يكن من سبيل أمام الجيش المصري والعربي إلا استرداد وتحرير الأراضي العربية، ثم لم يكن هناك أي مناص من استرداد الحق بالقوة لأنه أخذ بالقوة، بعد فشل كل الجهود المبذولة من أجل تحقيق السلام وعودة الحق لأصحابه دون إراقة الدماء، ورفض إسرائيل كل المبادرات من أجل تحقيق السلام العادل والآمن في منطقة الشرق الأوسط، بل عرقلة كل الجهود لتحقيقه، فضاق صدر المجتمع الدولي منها، لاستمرارها في العناد والاحتلال دون اعتبار للدول التي تنادي بالسلام، أو قرار دولي يعيد الحقوق المشروعة المنهوبة للشعب العربي، فأصبح القرار 242 قرارًا مشوهًا مبتورًا لا قيمة له بفضل السياسية العدوانية الاستيطانية التوسعية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، تسانده قوة عظمى دولية مرتكز عليها، هي الولايات المتحدة الأمريكية، فبعد أن أغلقت إسرائيل الباب أمام السلام وفشل كل الجهود من أجل تحقيقه، أصبح الطريق ممهدًا للتدخل العسكري واستخدام القوة المسلحة، فطالما بقي الاحتلال قائمًا، فلابد من تأديبه ووقف تسلطه وصلفه وغروره.
وكان طريق الحق للحرب شاقًّا، وليس بالأمر اليسير خصوصًا ونحن نواجه قوة عسكرية عظمى مستترة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، بعد صدور بيان الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون، بالحفاظ على قوة إسرائيل عسكريًا وتزويدها بجميع العتاد والمعدات والطائرات، وزيادة المعونة العسكرية بفتح خط امتداد مفتوح لها، وكانت حجة إدارة نيكسون في ذلك هي المحافظة على التوازن العسكري في منطقة تشهد صراعا مريرا مع إسرائيل، وفي المقابل تجد مصر التجاهل والإغفال من قبل الاتحاد السوفيتي بمدها بالسلاح اللازم استعدادًا للمواجهة المرتقبة لتحرير الأرض، فكان شحيحًا في دعمه، ومعاونته حينما يطلب منه، فكانت يقظة وإصرار وعزيمة الجيش المصري لمحو الهزيمة ولتحقيق النصر بثقة وإيمان في الله لا يتزعزع، بعد ما قاسه من عار نار الهزيمة المرة، وفقد مصر سيادتها على جزء عزيز غالٍ من أرض سيناء الحبيبة، ودخل الجيش المصري مرحلة جديدة من التدريب الشاق من تخطيط وتجهيز على جميع الأسلحة، تتولى مهامه رجال موثوق بهم، جنود أقوياء مخلصون أوفياء لله وللوطن، مثال عظيم للفداء والتضحية، لا يهابون الموت من أجل تحقيق النصر أو نيل الشهادة في سبيل رفعة ومجد الوطن، ببذل قصارى الجهد والسهر لخوض معركة تحرير الأرض، السادس من أكتوبر عام 1973 معركة العزة والكرامة، فكان القرار الجريء من الرئيس البطل محمد أنور السادات، وهو صاحب قرار الحرب على إسرائيل التي تصورها البعض مستحيلة، أمام أوهام قوة الجيش الذي لن يقهر، ولكنه الجنون والغرور الأحمق لمفاهيم العقلية والنفسية العسكرية للجيش الصهيوني، لأن عقيدة العسكرية المصرية لا تهاب هذه المعتقدات والخرافات الكاذبة التي يتوهم بها ذهن عقلية قادة جيش إسرائيل، لأن الشرعية الإلهية والدولية بجانب جيش الحق والجهاد حامي حمى الدولة المصرية المدافع عن الأرض والعرض، فهو يريد استعادة حق الدولة المسلوب الذي اغتصب من قبل جيش العدوان، فكان نصر أكتوبر المجيدة هو ملحمة البطولة والتضحية والفداء والوطنية والعطاء.
لقد نجح جيش مصر العظيم في تحطيم أسطورة خط بارليف الحصين، الذي قال عنه خبراء العسكرية العالمية، إنه من الصعب على الجيوش العربية اختراق هذا الحصن أو الساتر الترابي له، إلا عن طريق إلقاء قنبلة ذرية تعادل في قوتها القنبلة التي ألقتها الولايات المتحدة الأمريكية على مدينة هيروشيما ونجازاكي اليابانية في أثناء الحرب العالمية الثانية عام 1944، وعلى أثر ذلك تم استسلام اليابان وإعلان هزيمة دول المحور بقيادة ألمانيا وإيطاليا، ولكنها أوهام عششت في فكر هؤلاء الخبراء العسكريين، لأن الجيش المصري يتسلح بالعلم والإيمان ويستمد قوته من الله، فهو يكون أشد قوة وبأسًا في ردع كل من تُسول له نفسه المساس بمقدرات الوطن والاعتداء على سلامة أراضيه، وبعد النصر كان السلام فكانت شجاعة البطل محمد أنور السادات بأن يمد يد السلام، وأن يجعل نصر أكتوبر العظيم آخر الحروب مع إسرائيل، لكي تتجه الدولة إلى التنمية والبناء والعمران، وانفتاح على العالم كله بزيادة الاستثمار وفتح أسواق تنافسية في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كل التحية إلى شهداء مصر الأبرار، وختامًا قول الله تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (7) سورة محمد.