صنع في ألمانيا
• خلال النص الثاني من القرن 19 كان الوصف العالمي من كل الدول لـ بريطانيا إنها "البلد الأم للثورة الصناعية" وده بسبب قوة اقتصادها الرهيبة اللي كانت معروفة بجودة منتجاتها.. والسبب؟.. هو العمالة الكتيرة والتطور والموارد الطبيعية المهمة اللي كانت عندهم بسبب إمبراطوريتهم الاستعمارية الواسعة واللي كانت بتضمن لهم خيرات كتير من الدول اللي كانوا محتلين ليها بسهولة!.. عظيم.. على الناحية التانية كانت دولة ألمانيا عبارة عن دويلات صغيرة مفككة وعاجزة عن التوحد أو منافسة باقي القوى الاقتصادية الأوروبية.. لحد ما ظهر في الصورة المستشار الألماني "بسمارك" وكان هدفه هو توحيد كل المدن الألمانية الصغيرة تحت راية ألمانيا واحدة بس وحصل ده فعلًا.. الموضوع ده عمل طفرة كبيرة في الصناعة الألمانية اللي كل المواطنين فيها تقريبًا كانوا متفقين إننا عايزين نرمي كل اللي فات ورا ضهرنا ونبقى رقم واحد في الصناعات الأوروبية.. أساسًا ألمانيا قبل التوحيد ده كانت الصناعات بتاعتها مش قد كده ورديئة لكن بعد التوحيد بدأت جودتهم تعلى بشكل ملحوظ لما الألمان حطوا خبرتهم على بعض!.. بدأت بريطانيا تلاحظ إن فيه عملاق اقتصادي جديد طالع بسرعة الصاروخ وده خطر على بلدنا.. يبقى لازم حل!.. الفكرة إن الألمان كانوا بيبعتوا منتجاتهم لبريطانيا بدون شعار ولا اسم بس بسعر أقل وجودة أقل حاجة بسيطة برضه لكن ورغم كده المواطنين البريطانيين كانوا بيقبلوا على شرائها بشكل مكثف.. أصل أنا كبريطاني إيه اللي يخليني أدفع فلوس كتير في شوكة ولا معلقة ولا أطباق ولا ماكينات خياطة ولا ولا ولا لمجرد بس إنها مصنوعة في بلدي في حين إني ممكن أجيب نفس الحاجة تقريبًا بسعر أقل، وأتنازل عن حتة جودة صغيرة.. الموضوع ده عمل قلق للحكومة البريطانية اللي بدأت مواردها ومبيعاتها تقل جدًّا فعملوا حملة من اتجاهين.. الاتجاه الأولاني إنهم بدأوا يفكروا الناس بسوء المنتجات الألمانية من شهور بسيطة فاتت، والاتجاه التاني إنهم بدأوا يمسكوا المنتجات الألمانية اللي بتدخل بريطانيا قبل ما تتباع في السوق ويكتبوا عليها جملة "صنع في ألمانيا" عشان البريطانيين يبعدوا عن شرائها!.. على أساس يعني كإنهم بيقولوهم الكخة أهي إوعوا تشتروها.. الاتجاه الأولاني عمل هزة ثقة شوية من المواطن البريطاني وخلاّه يتراجع حبة بسيطة عن شراء المنتجات الألمانية، لكن الغريب إن مع ارتفاع جودة المنتجات الألمانية اللي كان بيحصل بقت المنتجات البريطانية هي الأقل جودة، وبالتالي بقى الاتجاه التاني هو سبب إقبال المواطنين على شراء المنتجات اللي مكتوب عليها "صنع في ألمانيا"!.. الشاهد في الكلام إن بريطانيا حبت تضر ألمانيا من خلال تمييزها بجملة "صنع في ألمانيا" عشان تخلّي الناس تنفر منها لكن نفس سبب الضرر ده كان هو النقطة اللي بتنور وبتميز الصناعة الألمانية على كل منافسينها لحد دلوقتي!.
• المذيع البرازيلي "والاس سوزا" واحد من أهم المذيعين البرازيليين في فترة التسعينيات وبداية الألفية ولحد وفاته في سنة 2010.. "والاس" كان شخص بيحب مهنته وعايز ينجح فيها بدون النظر لأي اعتبارات تانية لا أخلاقية ولا مهنية.. بس لحظة.. ده الجزء اللي مش ظاهر للجمهور.. أومّال الجزء الظاهر؟.. إنه شخص مهني ومذيع قريب من الناس وبيتكلم عن المشاكل اللي بتهم المواطن البرازيلي البسيط.. طيب عظيم بس إيه الضرر اللي ممكن يتسبب فيه الجزء الخفي من شخصيته؟.. تمام.. الفكرة إن "والاس" كان عايز يبقى له دايمًا السبق في أي تغطية صحفية قبل أي مذيع تاني.. وإيه المشكلة ما يعمل كده؟.. لأ.. رغم إنه أساسًا كان بيكون من أوائل المذيعين اللي بيوصلوا لأماكن الحوادث عشان يغطيها في برنامجه بس هو كان عايز يبقى الوحيد مش بس من الأوائل!.. يعمل إيه؟.. عنده حارس شخصي كان بيرافقه في كل مكان.. الحارس ده كان شخص مسالم وبنيته الجسمانية ضخمة عشان يقدر يقوم بأساسيات شغله ويحمي "والاس".. الحقيقة إن الحارس ده ورغم إن شكله يخض لكنه كان مسالم وطيب.. عمره ما عور حد قبل كده أصلًا.. أصل هيضطر يعمل كده ليه وكل اللي بيشوفه بيخاف منه من بره بره!.. في يوم من الأيام "والاس" وبالاتفاق مع صديق له عملوا هما الاتنين فيلم على الحارس بتاعه وأقنعه إنه قتل صديقه!.. إزاي؟.. قبل ميعاد وصول الحارس لـ بيت "والاس" قبل الفجر بدقايق استعدادًا للسفر في مهمة شغل جه صديق "والاس" وعمل نفسه حرامي جاى يسرق البيت –(طبعًا بالاتفاق مع والاس)-.. دخل الصديق ونط من الشباك وبدأ يمثل إنه بيسرق.. "والاس" نزل للدور الأرضي ومثل إنه شاف الحرامي بيسرق.. الحارس دخل في نفس اللحظة وشاف الاتنين بيتخانقوا.. حوّش ما بينهم وضرب الصديق اللي عامل نفسه حرامي على راسه ووقعه على الأرض والصديق عمل نفسه مغمى عليه.. الحارس كان هيكمل ضرب فيه لكن "والاس" منعه وقال له استنى ووطى وحط راسه على صدر الصديق وعمل نفسه إنه بيسمع صوت نفسه وبص للحارس وقال له إنه مات!.. دي كانت أول مرة للحارس يقتل حد، وهو أساسًا لا قتل ولا بتاع بس التوتر بقى مالي كل ملامحه وغرق في عرقه وبص لـ "والاس" باستنجاد كإنه بيقول له طب وإيه الحل؟.. "والاس" طمنه وقال له إنه هيبلغ الشرطة ويقول لهم إن هو اللي قتل الحرامي ومحدش هيعمل له حاجة لإنه باتصالاته وبعلاقاته أكيد هيخرج منها بالتالي مفيش داعي إن الحارس يقلق لإنه كده كده هيبقى بعيد عن الصورة.. قصة فيلم هابط وماتدخلش على عيل صغير للأسف.. بس للأسف برضه الحارس صدقها وبقى ممتن جدًا لـ "والاس" اللي منعه من الدخول في سين وجيم.. والهدف من ده كله؟.. هو السيطرة على الحارس بتاعه وإجباره بعد كده على الخطوة التانية.. اللي هي؟.. بدأ "والاس" يجبر الحارس إنه يقتل رؤوساء عصابات تجارة المخدرات!.. يجيب له المعلومات عنهم ويخليه يروح كل مرة يقتل رئيس عصابة مختلف!.. طب يا عم "والاس" أنا مالي بالقصة دي أنا كل مهمتي حمايتك أنت، وبعدين أنا الحارس بتاعك أيوا بس مش قتال قُتلة!.. يرد "والاس": يا سلام!.. أنت نسيت ولا إيه الراجل اللي أنت قتلته وأنا داريت عليك!.. هتقتلهم ولا أبلغ عنك الشرطة وأقول لهم إنك قتلت قبل كده!.. وبعدين يا حارس يا غبي أنا بخليك تقتل مجرمين وتجار مخدرات يعني بتعمل عمل شريف.. طب أنت بتخليني أعمل كده ليه يا "والاس"؟.. عشان تقتلهم أنت وأروح أنا كأول واحد لمكان الجريمة أغطي الحادثة ويبقى برنامجي رقم واحد في البرازيل وفي العالم كله، فهمت!.. بقى "والاس" يجيب من أصدقائه ظباط الشرطة معلومات عن أماكن وجود رؤساء العصابات.. يديها لـ الحارس.. الحارس يقتلهم.. "والاس" يجري يغطي الحادثة.. برنامجه يكبر ويكبر ويتحقق المطلوب.. بقى "والاس سوزا" أهم وأشهر وأكبر إعلامي وصحفي برازيلي!.. كل توريطة بيتورط فيها الحارس كانت بتزيد يوم عن التاني لإن "والاس" كان في الأول بيهدده بجريمة بعد كده بقى يهدده بجريمتين بعد كده بتلاتة لحد ما وصلوا لـ 9 جرايم كاملة!.. وطبعًا التراجع بيبقى صعب.. الأزمة الكبيرة إن "والاس" كان قلقان لحسن الحارس يخرج عن طوعه في أي وقت فكان بيخليه يقتل ناس مجرمين صغيرين ومش مهمين لمجرد بس سد الخانة وإنه يزيد في إحكام سيطرته عليه وإنه يربط حوالين رقبته مليون قضية يهدده بيها لو فكر بس يقول له أنا مش هكمل.. يعني كان عايز يضره بدون سبب إلا بس عشان يحقق مجد شخصي له مع إن الحارس الطيب ده لو فكرت يا "والاس" يا وغد هتلاقيه إنه لما قتل –(أو لما أقنعته بالكذب إنه قتل)- في الأول خالص كان بيعمل كده عشان بيحبك وبيدافع عنك!.. يعني هو يدافع عنك وأنت تورطه التوريطة المنيلة دي!.. الحارس وصلت عليه مرحلة فكر إنه ينتحر عشان يخلص من الكابوس ده.. في سنة 2009 كان فيه ظابط شرطة شريف بدأ يلاحظ إن "والاس سوزا" تغطياته الصحفية مش منطقية ووصوله أول حد لمكان أي حادثة شيء مش طبيعي.. ده بيوصل حتى قبل الشرطة!.. الموضوع فيه إن!.. بحث من هنا على تضييق الخناق عليه من هناك القصة كلها اتكشفت!.. الحارس حاول ينكر في البداية عشان يبعد التهمة عن نفسه وبرضه عن "والاس" بس بعد الضغط عليه اعترف وهو بيعيط!.. المفاجأة إن "والاس" اتفضح واتهدمت أسطورته الإعلامية ومات بعد أقل من سنة من فضح أمره، والمفاجأة الأكبر إن الحكومة البرازيلية كرمت الحارس باعتباره عمل عمل بطولي وقتل تجار مخدرات كانوا مطلوبين للعدالة!.. يعني أنت يا "والاس" حبيت تضرني بس ضررك ليا لإن أساسه غلط ومبني على خداع لف لف واتحول لبطولة اتكرمت بسببها!.
• كام مرة حاول ناس كتير إنهم يضروك أو يؤذوك أو خططوا عشان يكسروك وكانت اللحظة اللي اتمنوها دي هي نفسها اللحظة اللي حصل فيها عكس اللي هما عايزينه بالظبط.. مهما غيرك كان عايز ليك السوء؛ الأهم ربنا عايز إيه.. حسابات الناس في الأذية دايمًا خسرانة، ومحدش مهما وصلت درجة ذكاءه هيقدر يعمل حاجة لحد نيته خالصة لله وقلبه أبيض.. خواتيم الحواديت دايمًا في صالح الطيبين اللي مركزين في نفسهم وبس وحياتهم خالية من الحقد، ومن محاسبة غيرهم، ومن أذيتهم.