في انتظار الفنكوش

أنا مستحيل أخرج أتعامل مع الناس اللى برا.. أنا هنا في منتهى السعادة.. عايش مع الإنسان الوحيد في الكون ده كله اللي يستاهل أعيش معاه.

- مين ده يا فندم؟

- أنا 

الكلمتين دول أجمل حاجة قالها دكتور أيوب اللي كان قايم بدور الفنان محمود زهيري لعادل إمام أو صلاح فؤاد في فيلم واحدة بواحدة، والحقيقة رغم أن الفيلم ده مقتبس بنسخة طبق الأصل من الفيلم الأمريكي lover come back اللي تم إنتاجه سنة 1962 يعني قبل إنتاج فيلم واحدة بواحدة بعشرين سنة تقريبا لكن الاقتباس المصري كان ألطف حتى وإن كان مجرد ترجمة بالعربي للفيلم الأمريكي وكان سببا لبقاء واحد من أهم الإفيهات السينمائية التي مازال الجمهور المصري يتذكرها حتى الآن  (الفنكوش) اللي اعتادنا أن نطلقه على أي شيء أو كلام أو وعد وهمي.

منذ ثلاثة أسابيع مررت بوعكة صحية سخيفة ترتب على آثارها شعور بالملل والاكتئاب وعدم القدرة على أي فعل مما جعلني أقلب في قنوات التليفزيون بلا هدف ولا رغبة في متابعة شيء محدد، ولكنها مجرد محاولة للبحث عن ما يمكنه أن يخترق هذا الشعور المتمكن مني بقوة إلى أن وجدت تيترات فيلم واحدة بواحدة تبدأ على أحد القنوات فتركته؛ على أمل أن يخرجني من تلك الحالة البائسة وقد كان فعلا لدرجة أنني في منتصف الفيلم خلال أحد الفواصل الإعلانية شعرت بالجوع بعد عدة أيام من فقدان شهية مبالغ فيه فأعددت سندوتش خفيف والغريب أنني بعد الأكل وانتهاء الفيلم وجدت نفسي بحال  أفضل بكثير حتى أنني بحثت عن شيء آخر يقضي على أخر ما تبقى من تلك الحالة واستطاعت أغنية  فكروني للست ثوما أن تفعل ذلك.

جريمة على النيل.. مقال يوناني يحذر من تعيين كلاتنبرج لتطوير التحكيم المصري

في معظم الأوقات مفيش حاجة مهمة بتحصل في حياتنا.. بالعكس الأيام كلها بتعدي عادية وشبه بعضها وده في حد ذاته شيء عظيم ولنا في جائحة كورونا عبرة وعظة أن العادي ده نعمة كبيرة من ربنا مكناش حاسين بيها؛ عشان كده لو معرفناش ننبسط بدخان بخور يوم الجمعة وشكل البيت بعد ما نتعب في تنظيفه وإعادة ترتيب الدولاب اللي كان فوقيه تحتيه، وخبر إن الغداء طاجن مسقعة باللحمة المفرومة وكوباية شاي بالنعناع في البلكونة مع أول نسمة هواء بارد بعد نهار طويل شديد الحرارة وبعد حمام دافئ بشامبو برائحة جوز الهند وتيترات فيلم بنحبه بعد ما العيال يناموا ويبقى عمرنا ما هنبقى مبسوطين. 

الحياة مفيهاش ضمانات واللي متخيل أنه ضامنها ومآمنلها أنها هتفاجئه بالأجمل يبقى غلطان وبيضيّع عمره هدر واللي هيفضل معلق سعادته على سفرية ولا شغلانة ولا حلم يتحقق ولا ناس تتغير للأحسن ولا قصة حب زي بتاعت الأفلام يبقى بيضحك على نفسه.. واللي قافش في شخص بعينه ومعلق فرحته عليه يبقى عمره ما هيفرح وهيكتشف فجأة أن السنين اتسرسبت من إيديه والعمر ضاع على الولا حاجة وغالبا هيكمل حياته تعيس وزهقان ومستني حاجة مبتحصلش.

 الانتظار بيقصف العمر وبيمرر طعم الأيام.. عشان كده مفيش حل غير أننا نبسط نفسنا باللي في أيدينا وبتفاصيل حياتنا البسيطة بتاعت كل يوم حتى لو شايفين أنها عادية ومفيهاش جديد؛ لأن العادي ده في حد ذاته منحة كبيرة من ربنا.. دي نعمة الصحة لوحدها تستحق أننا نفضل مبسوطين العمر كله لكن لو فضلنا معلقين سعادتنا على اللي جاي وناسيين اللي في إيدينا دلوقتي نبقى بنضيع عمرنا هدر، وهنقضي حياتنا كلها في انتظار الفنكوش.