رفض 1000 دولار مقابل صورة مع إسرائيلي.. قصة مواجهة لاعب الأهلي للعنصرية في أوروبا خلال حرب أكتوبر
"لا أحد يفهم مشكلتي، بعض الجماهير في الملعب تناديني بسارق النفط وراكب الجمل، إنهم يستخدمون جميع أنواع الشتائم ضدي".. كلمات أطلقها منصور شبايك، لاعب نادي فينر النمساوي، في حوار لإحدى وكالات الأنباء الدولية، عقب يومين من مباراة فريقه أمام سيميرينجر، والتي أقيمت يوم 14 أكتوبر عام 1973 ضمن منافسات الجولة 11 للدوري النمساوي الممتاز.
نشأة أحمد شبايك الكروية في النادي الأهلي
منصور أحمد شبايك من مواليد القاهرة في 15 أبريل عام 1950، بدأ مشواره مع كرة القدم وسط ظروف عصيبة عقب نكسة 1967، وانضم لصفوف النادي الأهلي ضمن جيل لم يخض مباريات رسمية؛ بسبب توقف نشاط كرة القدم وانشغال المصريين على اختلاف أعمارهم وطبقاتهم بحرب الاستنزاف وانتظار المعركة المقدسة لاستعادة سيناء وتحريرها.
وعلى الرغم من لعب منصور شبايك باسم النادي الأهلي، إلا أن قصته المثيرة في الدوري النمساوي لم تذكرها وسائل الإعلام المصرية أو العربية من قبل، ولكن القاهرة 24 انفرد بالحكاية وكواليسها من القاهرة إلى النمسا، وحتى النهاية في الولايات المتحدة الأمريكية بعد مرور 49 سنة على أحداثها.
يظهر منصور شبايك في صورة نادرة لفريق النادي الأهلي بملعبه التاريخي داخل مقر النادي بالجزيرة عام 1969، وضم إلى جواره ميمي درويش ومحمود أبو العز وحسن رفعت، وأحمد رفعت ومحسن ثروت والمفتي إبراهيم، وجعفر الحملاوي وصلاح حسني، لكن سرعان ما غادر شبايك النادي الأهلي ومصر كلها ليستكمل دراسته في العاصمة النمساوية فيينا عام 1971.
من بيع الصحف إلى الدوري النمساوي الممتاز
منذ وطأت قدماه أرض العاصمة النمساوية فيينا، حاول منصور شبايك الاعتماد على نفسه للإنفاق على رحلته التعليمية، ولم يجد سوى مهنة بيع الصحف كونها المهنة الوحيدة التي لا تتطلب تصريحًا للعمل من السلطات آنذاك كحال مجموعة كبيرة من الطلاب العرب الذين توافدوا للدراسة في النمسا، ولكن عمله في بيع الصحف لم يستمر طويلا، وتحديدًا في العام 1972 حين التقطته عين المخضرم جوزيف أرجاور، المدير الفني السابق لمنتخب النمسا في كأس العالم 1958.
تشير سجلات الاتحاد النمساوي لكرة القدم إلى تسجيل نادي فينر لأحمد شبايك في قائمته يوم 10 مايو 1972، بعد أن اقتنع المدير الفني المخضرم جوزيف أرجاور بموهبته في مركز قلب الدفاع، وهو اللاعب المصري الوحيد الذي اختاره أرجاور للعب تحت قيادته في فينر، وفقًا لرواية الدكتور مارتن دراهوس، مؤرخ النادي وأحد كبار مشجعيه.
ورغم قيده في عام 1972، إلا أنه لم يسجل ظهوره الرسمي الأول بقميص نادي فينر في الدوري النمساوي الممتاز، إلا بعد سنة كاملة تقريبًا، حين شارك أساسيًا مع فينر أمام دوناويتسر ألبين يوم السبت، 22 سبتمبر عام 1973، ضمن منافسات الجولة الثامنة للدوري النمساوي الممتاز، وكان تشكيل فينر يضم اثنين من أبرز نجوم المنتخب النمساوي هما، كورت ويلتسل المتوج ببطولات عديدة مع ألكمار الهولندي وفالنسيا الإسباني ولعب لأولمبياكوس اليوناني وجنت البلجيكي، وكذلك والتر ديميل الذي قاد هجوم منتخب النمسا آنذاك، ولكن المفاجأة أن التشكيل ضم أيضًا أحد اللاعبين الإسرائيليين يدعى جاليلي دراحي.
وبحسب الدكتور مارتن دراهوس، فإن منصور شبايك لم يهنأ كثيرًا، فبعد أقل من أسبوع وتحديدًا يوم 28 سبتمبر 1973، اختطفت مجموعة فلسطينية ضابط جمارك نمساوي و3 يهود بمحطة مارشيج من داخل قطار يقل مهاجرين يهود من الاتحاد السوفيتي آنذاك، الأمر الذي زاد حدة التوتر ضد العرب في النمسا آنذاك، وتم إطلاق سراح الرهائن في اليوم التالي مباشرة، بعد إغلاق الحكومة النمساوية لمعسكر شوناو المؤقت للمهاجرين اليهود.
في اليوم التالي لانتهاء الأزمة سالفة الذكر، واصل منصور شبايك الظهور أساسيًا في تشكيل فينر ونال ثقة مدربه أرجاور، الذي اعتمد عليه قلب دفاع يوم 30 سبتمبر 1973، في مواجهة فينر مع فورارلبيرج، ضمن منافسات الجولة التاسعة للدوري النمساوي الممتاز وانتهت بالتعادل 2-2، لكن التوتر بدأ يظهر في المدرجات بشأن اللاعب المصري.
حرب في سيناء ومباراة في النمسا
جاء يوم السادس من أكتوبر عام 1973، وكالعادة ظهر منصور شبايك أساسيًا في تشكيل فينر أمام رادينتاين على أرضه وسط 7 آلاف مشجع، ضمن منافسات الجولة العاشرة للدوري النمساوي الممتاز، وانتهت بالتعادل 1-1، وهي المباراة التي لعبها دراحي أيضًا.
بعد عبور القوات المسلحة المصرية لقناة السويس ونجاحها في المعركة، انهار الاقتصاد العالمي وعاشت أوروبا يومًا بلا سيارات في الشوارع؛ بسبب إيقاف العرب تصدير النفط، وكانت هزة عنيفة للشعوب الأوروبية وليست النمسا وحدها.
ذروة الأحداث ونقطة التحول في مشوار منصور شبايك جاءت عقب الحرب بـ 8 أيام فقط، حين خاض فينر مباراته أمام سيميرينج يوم 14 أكتوبر 1973 ضمن الجولة الحادية عشرة للدوري النمساوي الممتاز وهي المباراة الرابعة على التوالي للمدافع المصري أساسيًا في تشكيل المدرب أرجاور.
لم يكن منصور شبايك يتوقع أن تهاجمه الجماهير من المدرجات، ولكنه تحمّل الإهانات العنصرية، حتى دفع مدربه باللاعب الإسرائيلي دراحي في الدقيقة 37 من عمر المباراة وبعد انتهاء الشوط الأول فوجئ المدافع المصري ببعض المصورين يعرضون عليه مبلغ 1000 دولار مقابل التقاط صورة له؛ بجوار اللاعب الإسرائيلي لاستخدام الصورة في الدعاية السياسية.
واصل المصورون مضايقة منصور شبايك وتكرار العرض للالتقاط الصورة مقابل المال، حتى اضطر المدافع المصري للإشارة إلى مدربه بضرورة تبديله وخروجه من الملعب؛ وهو ما استجاب له أرجاور في الدقيقة 56، لتنتهي المباراة بالتعادل 2-2.
اشتعال الأزمة بين شبايك والإسرائيلي دراحي
عقب اللقاء صرح المدرب أرجاور لإحدى وكالات الأنباء الدولية قائلًا: أعلم أنه وضع لا يصدق، ولكن مشاكلهما لن تحل بتوقفهما عن لعب كرة القدم، لم تنشأ أبدًا أي صداقة بينهما، ولكن منذ اندلاع الحرب يتجنبان بعضهما البعض خارج الملعب.
وقال منصور شبايك ضمن التقرير ذاته لوكالة الأنباء الدولية: لا أحد يفهم مشكلتي، بعض الجماهير في الملعب تناديني بسارق النفط وراكب الجمل، إنهم يستخدمون جميع أنواع الشتائم ضدي.
وفسر منصور طلبه التبديل في أثناء المباراة: لقد عرضوا عليّ 1000 دولار مقابل الصورة، وبالطبع رفضت رغم المبلغ الكبير من أجل صورة، يا له من عمل قذر لخلط الرياضة بالسياسة.
وصرح مسئولو النادي النمساوي بأن منصور شبايك سيعود إلى مصر للانضمام للقوات المسلحة المصرية، وأن المدرب أرجاور سيندم على خسارته لجهود اللاعب، وصرح المدرب بدوره قائلًا: أنا أتفهم المشكلة تمامًا، ولكن أعلم أن إبعاد الرياضة عن السياسية سيظل حلمًا.
اختفاء دارحي وظهور منصور
غاب منصور شبايك عن مباريات فريقه حتى ظهر مجددًا، ولكن في الدور الأول لكأس النمسا يوم 8 أبريل 1974، وشارك بديلًا لمدة 10 دقائق، وجاءت الجولة 31 من الدوري النمساوي الممتاز ليظهر مجددًا ويشارك لمدة 13 دقيقة مع فينر أمام شتورم جراتس يوم 16 مايو من العام 1974.
وفي عددها رقم 22 للعام 1974، ادعت مجلة «دير شبيجل» الألمانية في تقرير لها تحت عنوان: (ولكننا ربحنا الحرب) أن كرة القدم جعلت منصور ودراحي صديقين في نادي فينر بعدما جاء كل منهما للدراسة في فيينا، وهو ما ينافي الواقع الذي يؤكد مغادرة اللاعب الإسرائيلي للنمسا في شهر نوفمبر من العام 1973، وكانت آخر مبارياته مع فينر بتاريخ 17 نوفمبر 1973 ضمن منافسات الجولة 17 للدوري، بينما غاب منصور شبايك عن فريقه بعد مباراة سيميرينج التي أقيمت يوم 14 أكتوبر 1973، ولكن المجلة أيضًا أكدت واقعة رفض منصور شبايك لالتقاط صورة بجانب دراحي رغم عرض الأموال عليه.
ظهر منصور شبايك مجددًا ولكن مع فريق مكون من المصريين يشارك في دوري الهواة حتى نهاية السبعينيات في فيينا، وانتقل بعد ذلك للحياة والعمل في الولايات المتحدة الأمريكية مع زيارات خاطفة إلى القاهرة للقاء أصدقاء الطفولة وزملاء مرحلة الناشئين في النادي الأهلي.
من جانبه، يقول فتحي مبروك في تصريحات خاصة لـ القاهرة 24، إن منصور شبايك كان أحد هؤلاء اللاعبين المميزين من ناحية الانضباط التكتيكي وتنفيذ تعليمات المدرب وقوة الأداء على أرض الملعب.
ويضيف مبروك: منصور شبايك تدرب تحت القيادة الفنية للراحل عبده صالح الوحش وقت توقف كرة القدم، وخاض مباريات ودية في العراق وبعض دول الخليج العربي، لكن منصور انتقل إلى أوروبا ولم يكمل مشواره مع الأهلي.
وعن مركزه في الملعب يوضح فتحي مبروك: منصور شبايك أجاد في مركز الظهير الأيسر والمساك وكان يتميز بالقوة البدنية، وأعلم أن له فترة احتراف قصيرة في أوروبا، وكان منصور يأتي أحيانًا في زيارات إلى مصر، والتقيته للمرة الأخيرة عام 2017 داخل النادي الأهلي.
كانت الزيارة الأخيرة لمنصور شبايك في عام 2017، وتواجد في النادي الأهلي رفقة الكابتن فتحي مبروك، وكذلك بعض لاعبي الأهلي القدامى، قبل أن يرحل عن عالمنا في 23 فبراير 2018 بالولايات المتحدة الأمريكية.
لم يتاجر شبايك خلال حياته بموقفه الذي كان له تأثير كبير على مشواره الاحترافي، وحوّله من لاعب أساسي في تشكيل المدرب المخضرم أرجاور، للاعب هاو بعد ذلك دون مستقبل في عالم الساحرة المستديرة، لكن ما فعله منصور شبايك في تقديري رد فعل طبيعي لشاب ذاق مرارة انكسار النكسة، قبل أن يعيش انتصار أكتوبر 1973.