يوسف زيدان: رفضت وزارة التعليم مرارًا.. واشترطت إغلاق الجامعات عامين │ حوار
-الرواية تلقي الضوء على التاريخ المصري في الزمن المملوكي على نحو أظنه مختلف
-الكتاب الذي كان بـ 80 جنيه سيصل إلى 400 جنيه بسب ارتفاع أسعار الورق
-توقف أو تعطل النشر في المجتمع نذير خراب، لأنه يمهد لتوقف العقل
-ابن النفيس أنجز أعمالا عظيمة في زمن أشد وطأة بكثير مما نعيشه اليوم
-بهاء طاهر كان حصان طروادة في أزمة المثقفين مع الإخوان
-المصريون لا يثقون فيمن يتحدث إليهم من الخارج
-الدروس الخصوصية عمل مجرم قانونا وتوجد له عقوبات معطلة
-لا جدوى من الجدال الديني.. أنت متدين أو غير متدين هذه ليست قضيتي ولا يعنيني ذلك في شيء
-نحتاج إلى ترك الدين جانبا كعلاقة مباشرة بين الفرد وربه
عُرف الدكتور يوسف زيدان، خلال السنوات الماضية، أكثر من أي شخصًا آخر على الساحة المصرية، بقدرته على اقتحام كافة المناطق الساخنة في الفكر والثقافة والأدب والتاريخ، فلا مانع لدية على الإطلاق، أن يهاجم شخصيات ومواقف وأحداث تاريخية؛ يُقدسها مجتمعنا المصري أو حتى أن يُعيد النظر فيما هو معلوم من الدين بالضرورة، كما أنه لا يخشى أي ردود فعل لما يعلنه من مواقف، بل يرى أنها ضرورية وبداية لتفنيد كافة الآراء ووجهات النظر التي استقرت في عقل المجتمع المصري.
في حي الزمالك وإلى جوار شقة صديقه وأديبنا الكبير الذي رحل قبل أيام، بهاء طاهر؛ يسكن يوسف زيدان، بين القاهرة والإسكندرية.. يقضي أيامًا هنا وأيامًا هناك.. القاهرة 24؛ التقى معه في جلسة طويلة.
وإلى نص الحوار..
في البداية.. رغم الانتهاء من رواية أمالي العلاء.. ما تفاصيل الأزمة التي أعاقت صدورها؟ وهل من الممكن أن تلجأ لدار نشر خارج مصر؟
أولا الرواية الأحدث؛ بعنوان الوراق.. أمالي العلاء، والأمالي نوع من الكتب معروف في التراث، وهو ما يُملى على شخص آخر، ولدينا بعض الكتب المشهورة مثل كتاب الأمالي لأبي علي القالي وغيره، والأمالي تكون عندما يصبح المؤلف متقدمًا في السن، أو ألا يكون أديبًا، كما هو الحال مع رحلة ابن بطوطة.. البطل وصاحب الرحلة والأحداث هو ابن بطوطة.. إنما الذي كتب رحة ابن بطوطة هو ابن جزي، لأن ابن بطوطة بعدما طاف البلاد، وعاد إلى المغرب؛ أملى رحلته هذه على ابن جزي، فبالتالي سواء كان كتاب الأمالي لأبي علي القالي أو رحلة ابن بطوطة، فهذا قسم أو نوع من الكتب في تراثنا يسمى الأمالي، والتقطت هذه المسألة لأنني جعلت في السياق الروائي.. ابن النفيس، كان يكتب بيده، ولكنني رأيت مخطوطات كتبها بيده في آخر عمره، وكان خطه فيها مضطربًا، وتتساقط نقاط من الحبر تدل لمن عكف طويلا على مخطوطات ابن النفيس، أن الرجل كان يعاني.
ومن هنا جاءت فكرة أن يملي علاء الدين ابن النفيس - المعروف في زمنه باسم العلاء، وكان رئيس أطباء مصر والشام، ما يساوي اليوم وزير الصحة، وكان هو من هو في الطب والفكر ومساهمات كثيرة عبر حياة مديدة، فجعلته يملي سيرة حياته على وراق، والوراق هو المشتغل بالكتب في الزمن القديم، وكانت صناعة الكتب صناعة ضخمة ومتعددة الأوجه، فهناك المسفر الذي يقوم بتجليد الكتاب وعمله في نسخة ما، والناسخ الذي يتولى نسخ الكتب بيده من نسخة قديمة إلى نسخة أحدث، وهناك المشتغلون بالأحبار والأقلام وصناعة الورق، لكن من يعمل في صناعة النشر بالتعبير المعاصر - كان يسمى الوراق.
ماذا لدينا في التراث العربي عن مهنة الوراق؟
لدينا في التراث العربي كثيرون؛ ممن كانوا في الأصل وراقين ثم نبغوا وكتبوا أعمالًا خاصة بهم، فكانت الوراقة هي مهنة قريبة من كل عالم وأديب ومفكر.. إذًا الرواية بين شخصيتين.. شخصية الوراق: هذا الشاب الذي أملى عليه العلاء ابن النفيس سيرة حياته، والشخصية الرئيسية ابن النفيس في مسيرة حياته وعلاقته بالسلطان بيبرس، لأنه كان طبيبه الخاص، وهذه واقعة تاريخية، وعاصر أحداثا جسامًا، الحملات الصليبية السادسة والسابعة، سقوط بغداد بيد المغول، والأوبئة الفتاكة التي كانت في زمنه، وولد سنة 607 هـ وتوفي سنة 687 هـ.. عاش 80 عاما، وكان من ضمن الأحداث ثورة حصن الدين ثعلب، المعرف باسم الشريف، انطلاقًا من البلدة الأسيوطية التى كانت شهيرة، وتسمى إلى اليوم ديروط الشريف، نسبة إلى حصن الدين ثعلب، وغير ذلك من الأحداث الجسام والوقائع، التي يصعب تصور عالم عاكف على التأليف في الطب واللغة والفلسفة، حتى الفقه، فله مشاركة فيه، ووسط هذه الأحداث الجسام.
يبدو من سياق حديثك أنك تريد استخدامه في توجيه رسالة عن واقعنا الحالي؟
ربما تكون هناك رسالة غير مباشرة للناس في زماننا اللذين يرون الواقع مضطربا، فيقولون إن هذا الزمان ليس بزمان الأعمال العظيمة، وهذا غير صحيح.. ابن النفيس أنجز أعمالًا عظيمة في زمن أشد وطأة بكثير مما نعيشه اليوم، لكن ليست هذه هي الغاية الوحيدة من الرواية.. أولا الرواية تلقي الضوء على التاريخ المصري في الزمن المملوكي على نحو أظنه مختلفا تمامًا عن ما اعتاده الناس من قبل، لأنها تتحدث عن قلب الوقائع والأحداث من الداخل، وليس من الرؤية العصفورية، ولا الرؤية الحكائية التي قدمها لنا المؤرخون المعاصرون، ولا الزيف المُركّب الذي قدمته لنا المناهج الدراسية بشكل بالغ التشويه والصفاقة في التجني على التاريخ، ومن ثم أحدث التشوه في صورة التاريخ بأذهاننا.. والرواية انتهيت منها منذ عدة أشهر.
هل كان هناك اتفاق مع دار نشر في مصر؟
كان من المفترض، أن تقوم دار نشر كبرى بنشرها، لكن العوائق المعروفة لدى العاملين في قطاع النشر بهذه الأيام؛ أعاقت وأدت إلى تأخر صدور الرواية، ولكن أرجو صدورها قريبا.
وعندما أشرت إلى أزمة الورق، ثم أشرت من خلال صفحتي على فيسبوك، ونشرت الجرائد ما كتبته، ونشرت بعدها أن الرواية سوف تتأخر؛ ظن الكثيرون أنني أعاني من مشكلة شخصية مع الرواية، وهذا غير صحيح.. أنا أردت التنبيه، فأنا كشخص لا أعاني من مشكلة حقيقية في النشر، وليست مشكلة شخصية.
هل هناك أزمة في صناعة الكتب في مصر؟
تخيل أن طن الورق الذي تتم عليه طباعة الكتب كان بـ 14 ألف جنيه للطن قبل سنة، والآن كأننا في مزاد مفتوح.. كل أسبوع نسمع عن سعر جديد، وآخر شيء سمعته قبل يومين أن الطن وصل 52 ألف جنيه.. هذا معناه أن الكتاب الذي كان يباع بـ 80 و90 جنيهًا، ومن ثم فهو في متناول معظم الناس، سوف يكون ثمنه في المعرض المقبل قرابة 400 جنيها، وهذا كثير، لاسيما أن المشكلة لا تتوقف عند هذا الارتفاع الجنوني في أسعار الورق، والمسألة غير مفهومة لدى معظم الناس، ونحن نستورد الورق وهذا أيضًا عجيب، لأن مصر والصين أول دولتين صنعتا الورق، فكيف نكون في آخر الزمان نستورده، وإن لم يكن هذا هو موضوعنا الآن.. الموضوع أن ارتفاع سعر الدولار لم يبلغ حتى 50% من سعره الذي كان قبل سنة، ولكن سعر الورق تضاعف 4 أو 5 أضعاف وهذا غير مُبرر، لأن هناك قرارات أخرى اقتصادية غير صائبة منها منع الاستيراد دون بحث دقيق أو دراسة لما هو لازم استيراده؛ الأمر الذي أحدث أزمة كبيرة في هذا المجال، ولم تعد مقصورة على ارتفاع سعر الدولار، لأنه لا يوجد تناسب بين نسبة الزيادة في سعر الدولار ونسبة الزيادة في سعر طن الورق، وهناك أيضًا مشاكل أخرى نعاني منها، وهي لا تقل خطورة.. طبعا الطعام والتعليم مسائل ملحة وأزمات خطيرة، لكن توقف أو تعطل النشر في مجتمع هذا نذير خراب، لأنه يُمهد لتوقف العقل، ولا يمكن أن تخرج من مشكلة ولا أزمة بعقل غائب فهذا لايمكن، بالتالي، نستطيع أن نقول إجمالا أن سعر الورق قضية خطيرة ومؤثرة سلبا.
هل أزمة الورق وحدها هي المشكلة؟
تقترن بها ظواهر أخرى تؤدي إلى أزمة نشر في مصر بالذات والبلاد العربية ذات العدد الكبير، ومنها انصراف المؤلفين.. انظر إلى هنا في مصر، ومصر سواء شاء الآخرون أو أبوا؛ جادلوا أو أقروا فهي التي تقود العقل العربي.. لا أقول هذا انحيازًا، وإنما بحكم تجربة ليست العقود السابقة فقط، وإنما القرون السابقة.. يعني من بعد سقوط بغداد قبل ثمانية قرون، ومصر هي التي تقوم بالعبء الأكبر في حمل أمانة الفكر والأدب.. انظر إلى حال المصريين عقب سقوط بغداد عام 656 هـ.. كان المصريون قبل ذلك، لأن بغداد كانت عاصمة الدنيا، فكانت مساهمة المصريين عبارة عن رسائل وأشعار وكتب بين الحين والآخر، ومنها كتب مهمة جدا مثل كتاب رسائل إخوان الصفاء، إنما لو نظرة في مسيرة التراث العربي؛ ستجد أنه قبل عام 656 هـ.. كانت المدونات الكبرى الكتب الضخمة تظهر في العراق والشام، وبعض العواصم الأخرى لها بعض المشاركة.
أما بعد سقوط بغداد فجأة؛ تظهر في التراث العربي المدونات الكبرى، والكتب ذات الأجزاء الكثيرة والغالبية العظمى منها مصرية أو لمؤلفين يعيشون في مصر من ابن النفيس والشامل في الصناعة الطبية 300 مجلد إلى ابن فضل الله العمري، ومسالك الأبصار في ممالك الأمصار 24 مجلد ضخم، وما لا حصر له من أمثال ومنه شرح صحيح البخاري للفقيه السيوطي وأعماله التي تقارب الـ 1000 كتاب بعضها صغير، والبعض الآخر كبير جدًا مثل كتاب التاريخ الذي كتبه وكتاب الإتقان في علوم القرآن إلى آخره، كأن حتى عصر متأخر كثيرون من المؤلفين الذين كانوا يعيشون في مصر حتى مجيء الحملة الفرنسية، ثم دخلت الطباعة، وقامت دار الكتب العربية في القاهرة ومطبعة بولاق الرائدة والمكتبات الأزهرية، بدور كبير جدا في حفظ وتطوير الفكر العربي والتراث العربي، وظهرت المدونات الكبرى.
فنحن حينما نتكلم عن الريادة والتقدم المصري في المجال الثقافي؛ لا نتحدث عن قضية خلافية لأنها واضحة جدا، ولكن معرض القاهرة المقبل بعد شهرين سيشهد هذه الأزمة.. جزء منها بسبب أسعار الورق، وجزء منها بسبب انصراف المؤلفين سواء بالوفاة، وهو شيء طبيعي أو بأسباب غير طبيعية مثل الهجرة، وهؤلاء المؤلفين الذين ذهبوا مغاضبين، بسبب خلافات سياسية إلى آخره، أو انصرفوا ولا أريد أن أذكر أسماء بالتحديد، ولكن كل من يقرأ.. يعرف أن عددا كبيرا.. إما انصرفوا عن الكتابة الأدبية إلى صالح عمل سيناريوهات الأفلام، لأنها تدر دخلا، وهنا أفكر في أحمد مراد مثلا، فهو كاتب يستميل الشباب، وهنا أرصد وأقصد حالة عامة من الانصراف عن التأليف الأدبي إلى الهجرة من البلاد إلى الإحباط المؤدي إلى التوقف عن الكتابة، وهذا يُمثل أزمة النصوص، وتشترك معها أزمة الورق، لتخلق واقعا اقتصاديا صعبًا على القارئ، ثم نقل معرض الكتاب إلى هذه المناطق غير المأهولة، وحالة المعاناة الاقتصادية التي يمر بها الناس، مما يجعلهم يؤخرون مسألة الكتاب، ليعطوا الأولوية إلى أمور أكثر إلحاحًا والمعيشة اليومية.. هذا كله يصنع واقعا غير جيد، ومع هذا وبسبب ذلك؛ تأخرت الرواية، وأرجو أن نجد مخرجًا، ولا أتحدث هنا عن روايتي الوراق تحديدًا، ولكن أتحدث عن حالة النشر والكتب في مصر تحديدًا.
هل يمكن أن تلجأ لدار نشر عربية؟
أنا أتحدث وأكتب اللغة العربية، وصحيح أن العدد الأكبر من قُرائي في مصر يليها السعودية ثم العراق والمغرب، لأن إحصاءات الناشرين تدلني على هذا، وأنا ككاتب ومؤلف روائي أو باحث لا أعاني شخصيًا من مسألة انتشار أو رواج ما أكتبه، لكنني أتأثر بالحال العام والسياق العام، فأنا أكتب بالعربية ولا بأس عندي من أن يطبع الكتاب في أي مكان - شريطة أن أتأكد من وصوبه إلى بقية الأماكن.. المشكلة أن الكُتب التي صدرت لي.. بعض طبعاتها في غير مصر؛ كانت غالية الثمن جدا، فإذا كانت النسبة الأكبر من قُرائي ما يقرب من 20 أو 30% في مصر، فهذا يشق على فئات معظمهم من الشباب؛ الحصول بهذه الأثمان المرتفعة على الكتاب وتمثل صعوبة لهم.
المثقفون في مصر.. هل هم غير قادرين على التفاعل مع القضايا المجتمعية التي تمثل الهم الأكبر لدي الناس وتفضيل العزلة عن القضايا الملحة في الشارع المصري؟
هذا غير صحيح ولا أجد له صدى في الواقع، فمثلًا عندما استولى الإخوان على حكم مصر.. كان أول شكل حقيقي للمعارضة الشعبية لحكم الإخوان.. كان المثقفون فيما يسمى باعتصام وزارة الثقافة، حين وضع الإخوان شخصًا لا هو مثقف وفرضوه فرضا، فدخل المثقفون واحتلوا المبنى البائس لوزارة الثقافة.. وحصان طروادة لهذه الخطوة هو الأستاذ بهاء طاهر - جاري في السكن رحمه الله، وكان في الثمانين من عمره، ثم بدأت بعد ذلك مصادمات، ووقعت أحداث كثيرة ومواجهات، والآن هناك صُعوبات كثيرة في مصر.. كلنا نعلمها، ابتداءً من المواطن البسيط وحتى رئيس الجمهورية، والكل يعلم ويُقر أن هناك مشكلات، ولكن لم تؤد هذه المشكلات إلى طرد قُوى مصرية تتمثل في رجال الأعمال مثلا، وإنما أدت إلى إزاحة مُثقفين وكُتّاب، ولا أريد أن أذكر أسماء بعينها، والمشكلة الأكبر أن المصريين لا يثقون فيمن يتحدث إليهم من الخارج، وربما أثّر الموروث وطبيعة المصريين، أنه يريدك أن تتحدث وأنت معه.
وفي الصعيد هناك قول مأثور بين الناس أو هم يتداولونه بصيغة مُخففة أكثر فيقولون، إن يحلو البكاء على رأس الميت، وسمعتها في الصعيد بصيغة تعادل: يحلو البكاء على رأس القتيل، وبصرف النظر عن الدلالة العنيفة لهذا القول المأثور، وإنما هو يعكس طريقة تفكير المصريين.. يعني لا تجلس أنت في عاصمة أوروبية أو مدينة أمريكية، وتلقي إلينا ببيانات، فهذا لن يؤدي إلى قبولك أبدا.. فالمصري يريد أن يشعر بك وأنت معه تشاركه المعاناة اليومية، ومن ثم يسمعك ويتفاعل معك.
أشرت في حديثك لـ مناهج التعليم.. ماذا نحتاج في مصر لتطوير التعليم، حيث أن هناك حديث دائم ومستمر من مسئولين هذا الملف، ولكن دون حالة تغيير حقيقية؟
مناهج التعليم كارثية، والكلام عن تطوير التعليم حديث يطول ولا يسعه حوارا صحفيا، فلا بد أن نتناول الأمور بجدية.. هذا يحتاج إلى شرح مطول وتبيان دقيق والإجمال فيه ليس مناسبًا، ولكن هذه بعض الإشارات: عندما عُرضت عليّ وزارة التعليم العالي، في فترة سابقة.. قلت إن هذا سيفرض عليّ إغلاق الجامعة لمدة عامين، وقد عرضت على الوزارة عِدة مرات منها في الفترة الأخيرة من حُكم مبارك، ثم عقب الثورة، وكانت مطالب الثوار وبعد قدوم الرئيس السيسي، لكن أنا مجالي الورقة والقلم.. مجالي الكتابة، وليس العمل التنفيذي، ولذلك لست متحمسًا لهذا الأمر، وأرى أن ما أنجزه في المجال الذي أحبه وهو الكتابة أهم بكثير، وقد قلت أيام حُكومة المهندس عصام شرف، أن قبولي لذلك مشروط بإغلاق الجامعة لمدة سنتين فانصدموا، وشرحت لهم أن الحال في الجامعات المصرية مذر في ذلك الوقت، وكانت أماكن للقلاقل والهياج الشبابي غير المتعقل، بالإضافة إلى المشكلات التي تعاني منها الجامعات المصرية وهي مشكلات كثيرة، ابتداءً من الأستاذ الجامعي نفسه إلى طريقة التدريس إلى مستوى الطلاب لجودة العملية التعليمية، ثم فحوى المقررات بالأخص في العلوم الإنسانية، وكان ذلك يستوجب التوقف لفترة اقترحت أن تكون عامين، ليتم إصلاح ذلك، لكن لم يحظ ذلك بقبول.
إشارة أخرى: انظر إلى العشرين سنة الماضية، وكم مرة تلغى سنة الشهادة الابتدائية «الصف السادس» ثم تعود ثم تلغى.. انظر إلى المقررات الدراسية، خاصة ما يتعلق بالإنسانيات.. مقررات المنطق والفلسفة في ثانوي التاريخ في الإعدادي.. هذا تشويه للفكر والتاريخ والوعي العام، فإصلاح التعليم يحتاج وقفة جادة ونية مخلصة، وإلا لن يحدث شيئًا.
كيف رأيت تصريحات وزير التربية والتعليم الأخيرة؟
سمعت قبل أيام قليلة أن وزير التعليم سوف يعطي رُخصة إلى مراكز الدروس الخصوصية.. هذه كارثة، لأن الدروس الخصوصية أصلًا عمل مُجرّم قانونًا، وتوجد له عُقوبات معطلة، وإنما الاعتراف بها والترخيص لها عند الحصول على عائد.. أراه حسب التعبير التراثي القديم الأدبي «خبط عشواء»، والعشواء هي المرأة المُصابة بعدم الرؤية في المساء.
خبط عشواء، وأعني بالعامية المصرية أننا في حالة هرجلة، والترخيص لمراكز الدروس الخصوصية؛ دليل على مزيد من ازدياد الحالة الكارثية التي يمر بها التعليم اليوم.
هل ابتعدت عن الجدل الديني؟
أنا وجدت بعد تجربتي الخاصة وتجربة ثقافتنا الحديثة من وقت طه حسين وحتى الآن لا جدوى منه، فالمسألة ليست حُب أو كراهية، فلا جدوى منه.. يعني أنت متدين أو غير متدين.. هذه ليست قضيتي ولا يعنيني ذلك في شيء.. هذا سر بينك وبين الله، فلماذا أجادلك فيه سواء في إيمانك أو إلحادك كلاهما؟، فلدينا هم وشاغل أكثر إلحاحًا مثل قضية التعليم، والكلام عن قضايا غير مطروحة، مع أنها بالغة الأهمية مثل التثقيف العام، وهذا أهم بكثير من التفتيش في نفوس المؤمنين والملحدين ومن هم بين بين، ومؤتمرات تثبيت العقيدة ومؤتمرات مناصرة السنة.
وجهة نظرك في تجديد الخطاب الديني والإصلاح الديني؟
نحتاج إلى ترك الدين جانبًا كعلاقة مُباشرة بين الفرد وربه، فهذا ليس من القضايا الواجب طرحها، وأنا لم أوافق على مصطلح تجديد الخطاب الديني، وأوضحت ذلك علانية ومنشورًا وتحدثت فيه، وقلت إنه متاهة ولا جدوى من الجدال الديني، وقلت ذلك في مؤتمر بالمغرب، وقدمت فيها محاضرة موجودة على يوتيوب، وأنا لا أقول كلامًا وأتركه، فأنا أضع ما أراه صوابًا.. فكرة أطرحها عليك وأشير إلى أسبابي، وعليك التفكير والوصول إلى قناعة معينة، فأنا لا آتيك بوحي من السماء، وإنما أعطيك أفكارًا تنشط وتُفعّل فكري وفكرك معًا.
هل تعكف الآن على عمل جديد يخرج إلى النور قريبا؟ وما آمالك المستقبلية؟
مشروعي المقبل.. رواية معاصرة، عن أزمة الكراهية المتأصلة في نظام التنشئة والثقافة العامة، وليست لديّ آمال ولا مخاوف، ولست متفائلا أو متشائما.. أنا أفضل أن أوجه طاقتي إلى الجهد الواجب بذله لإصلاح الواقع في الدائرة المحدودة بوجودي.