الخميس 14 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

الهجرة شمالًا والهروب إلى الأعماق.. كيف أثرت التغيرات المناخية على الثروة السمكية في مصر؟ | تحقيق

الثروة السمكية
اقتصاد
الثروة السمكية
الإثنين 31/أكتوبر/2022 - 08:39 م

اعتاد ماجد أبو يونس، صياد من مدينة ملوي بمحافظة المنيا، أن يصطاد بعض الأسماك من ترعة الإبراهيمية وبحر اليوسف، فضلا عن الصيد من نهر النيل لكن هذه الأنواع المميزة من الأسماك، والتي كانت تزن البعض منها 100 كيلو مثل سمك قشر البياض، بدأت تقل وتختفي تماما من بعض الأماكن في نهر النيل، وذلك نتيجة التغيرات المناخية، والتي أبرزها ارتفاع درجة الحرارة، حيث أدت إلى هروب الأسماك من الطبقات العليا إلى الأعماق حيث تقل درجة الحرارة، وهو ما يصعب عملية صيدها، حسبما ذكر أبو يونس لـ القاهرة 24.

يضيف أبو يونس وهو أيضا صاحب شركة للصيد وتوريد الأسماك داخليا وخارجيا، أن هناك أنواع أخرى أيضا بدأت تختفي من نهر النيل مثل سمك الثعبان وهذه الأسماك كان هناك نوع من الطلب عليها، وكانت تزيد من إنتاج الصيادين وأرباحهم لكنها بدأت تقل في بعض الأماكن وتختفي في أماكن كثيرة، وهو ما أثر على الصيادين بشكل كبير اقتصاديا.

صيد الأسماك في النيل 

وحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ الإنتاج السمكي 2 مليون طن عام 2019، حيث احتلت المزارع السمكية المرتبة الأولى من حيث الإنتاج، حيث بلغت نسبتها 79٫7 % يلـيه إنتـاج البحيرات بنسبة 10٫8%، ثم إنتـاج المياه البحـريـة بنسبة 4٫9%، وفي المياه العذبة بنسبة 3٫8%، وأخيرًا حقول الأرز بنسبة 0٫8% من إجمالى الإنتاج.

وتمتلك مصر 14 بحيرة، هي مريوط و إدكو و البرلس والمنزلة و البردويل وسيوة والبحيرات المرة ونبع الحمراء وبحيرة التمساح وبحيرة بور فؤاد وبحيرة قارون وبحيرة ناصر وبحيرات توشكى وبحيرة الريان، تتوزع في أرجاء مصر.

من جانبه قال الدكتور صلاح مصيلحى رئيس جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية التابع لمجلس الوزراء إن التغيرات المناخية تنشأ نتيجة لعمليات الحرق المختلفة للنفط والغاز والأخشاب والفحم .ويصاحبها كميات هائلة من المركبات الكيميائية السامة إلى الجو أهمها أكاسيد الكربون والكبريت والنتروجين، وهذه الغازات تعتبر غازات ثقيلة تترسب في النطاق السفلى للأرض وتمنع انتشار الحرارة حيث تمتص الأشعة تحت الحمراء مما يؤدى إلى رفع درجة الحرارة في ظاهرة تسمى الاحتباس الحراري حيث تشكل التغيرات المناخية خطورة كبيرة نظرا لتلوث الهواء والماء والتربة، وتدهور النظم البيئية.

التوزيع النسبي لكمية الإنتاج السمكي

ويوضح مصيلحي في تصريحات خاصة لـ القاهرة 24 أن مصر تعتبر واحدة من أكثر الدول المتوقع أن تكون عرضة للأثار السلبية للتغيرات المناخية ومنها ارتفاع مستوى سطح البحر المتوقع  حيث ستتعرض مناطق واسعة من المنطقة الساحلية لدلتا النيل للفيضان وتؤثر على الاستزراع السمكى حيث تقع معظم المزارع السمكية في مصر في هذه المنطقة وتتركز بشكل رئيسي في البحيرات الشمالية (مريوط ، إدكو ، البرلس والمنزلة) وأنه قد يؤثر تغير المناخ على أنشطة الأحياء المائية بصورة مباشرة من خلال التأثير على مخزون الأسماك وكميات الإنتاج ، وغير مباشرة من خلال أسعار الأسماك أو تكلفة السلع والخدمات وبالتالي قد يكون لها تأثير سلبي على الأمن الغذائي في مصر.  

ويشير رئيس جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية أن ارتفاع درجات الحرارة سيؤدي لخفض مستويات الأكسجين المذاب وزيادة معدلات التمثيل الغذائي للأسماك ، مما يؤدي إلى زيادة وفيات الأسماك ، وانخفاض إنتاجيتها مع زيادة مخاطر انتشار الأمراض.

تغير في عادات بعض الأسماك نتيجة الهجرات من موطنها الأصلي إلى مواقع أكثر ملاءمة حرارية

ويلمح مصيلحى إلى أن الأسماك تعتبر من ذوات الدم البارد وبالتالي فإن أي تغير بالزيادة أو النقصان فى درجات الحرارة سوف يؤثر على شتى العمليات الحيوية بها، مثل السلوك التزاوجي، والتكاثر ووضع البيض والنمو وزيادة القابلية للأمراض وزيادة التعرض للسموم والعناصر الثقيلة، وزيادة درجة الحرارة يؤدى لتغيير أوقات التكاثر، وزيادة استهلاك الغذاء، وزيادة المخلفات العضوية، ونقص الأكسجين الذائب، وتتأثر الزريعة أكثر نتيجة انخفاض الأكسجين، والإجهاد حراري، وانتشار الأمراض مشيرا إلى أنه سيحدث أيضا تغير في عادات بعض الأسماك نتيجة الهجرات من موطنها الأصلي إلى مواقع أكثر ملاءمة حرارية لها مما يؤدى إلى انتقال بعض الأمراض والمسببات المرضية وحدوث تغيرات وراثية وحدوث تنافس على الغذاء والمساحة المتاحة ما بين الأنواع المختلفة الموجودة بصورة طبيعية في المكان والأنواع الوافدة عليها.

عدد الصيادين

ويوضح مصيلحي أنه من المتوقع انخفاض الإنتاج من الأسماك والذى يؤثر بالتالي على الكمية المتوافرة من مساحيق الأسماك وزيوتها والتي تدخل بصفة رئيسية كأحد المكونات الرئيسية لعلائق الأسماك مع زيادة القابلية لإصابة الأسماك بالأمراض وسرعة انتشارها خاصة البكتيرية والفيروسية منها. كما أن ارتفاع الحرارة يزداد معدل التمثيل الغذائي وبالتالى يزداد المتحصل عليه من السموم المحيطة بالكائن المائى والمعادن الثقيلة.

كمية وقيمة الإنتاج السمكي

وفي نهاية حديثه يوصى الدكتور صلاح مصيلحى رئيس جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية بضرورة  تقييم تأثير تغير المناخ على البيئة البحرية والساحلية باستخدام نظم متطورة وكذلك بناء القدرات والتوعية من خلال توفير التثقيف بشأن تغير المناخ وخلق وعي أكبر العاملين في هذا القطاع فضلا عن استخدام التكنولوجيا الحديثة لزيادة إنتاج الأسماك والاستغلال الأمثل لوحدة المياه بالإضافة إلى التنمية المستدامة نحو الاستزراع السمكى العذب مع الانتقاء الوراثي لإنتاج سلالات تتحمل ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض جودة المياه ونسبة الملوحة.

بعض أنواع الأسماك النيلية بدأت تقل في البيئة المائية المصرية نتيجة ارتفاع الحرارة

الدكتور مجدى توفيق خليل أستاذ البيئة المائية والمدير التنفيذي للجمعية المصرية لتنمية الثروة السمكية، يوضح أن بعض أنواع سمك البلطي في نهر النيل بدأت تقل في البيئة المائية المصرية؛ نتيجة ارتفاع درجة الحرارة، وكذلك سمك قشر البياض، أما البيئة البحرية فبدأت تتأثر بعض الأسماك وتقل أعدادها نتيجة ارتفاع درجة الحرارة مثل الدنيس والقاروص ببحيرة البردويل.

صيادين

كما يؤكد الدكتور محمد سعيد أستاذ البيئة المائية بكلية العلوم جامعة عين شمس، في تصريحات خاصة لـ القاهرة 24، أن بعض الأسماك بدأت فعليا تقل وتختفي من البيئة المائية سواء نهر النيل أو البحر المتوسط مثل سمكة السيجان التي بدأت تقل بأعداد كبيرة، وفق الدراسات العلمية التي أجريت حيث تهجر الأسماك مياه البحر المتوسط في مصر إلى الشمال  متجهة إلى أوروبا، وذلك بأعداد كبيرة نتيجة رغبتها في الهروب ناحية درجات الحرارة الأقل هناك، حيث بدأت نتيجة التغيرات المناخية أن يحدث ارتفاع في درجات الحرارة على شواطئ البحر المتوسط وفي مصر بشكل عام.

ويوضح سعيد أن هناك نوعان من الهجرة، الأولى الهجرة تكون ناحية أوروبا والهجرة الثانية إلى أعماق البحر وهو ما يجعل هناك صعوبة لصيدها، كما أن هناك تغيرات أخرى بدأت تحدث للأسماك نتيجة تغير المناخ، حيث يؤثر ارتفاع درجة الحرارة على نمو الأسماك، حيث يصبح حجم الأسماك أقل وزنا وأقصر طولا وذلك نتيجة النضج المبكر للأسماك الناتج عن ارتفاع درجة الحرارة، كما بدأت بعض الأسماك مثل سمك القرش بدأ يهاجر من البيئة البحرية المصرية مثل البحر الأحمر نتيجة ارتفاع درجة الحرارة أيضا.

أسماك

وبيّنت تقديرات تضمنتها دراسة حديثة نشرتها مجلة نيتشر، أن الحد الأقصى لإمكانات الصيد من مخزونات الأسماك الاستوائية في ما يسمى المناطق الاقتصادية الخالصة - 200 ميل بحري (370 كيلومترا) من الساحل - ستنخفض بنسبة 40% بحلول منتصف القرن إذا استمر الاحترار العالمي بهذه الوتيرة المتسارعة.

وأوضح سعيد  أن بعض الأسماك حساسة جدًا للتغير في درجة الحرارة إذ تذهب للهجرة إلى المكان الذي يسمح لها نظامها الداخلي باستعادة توازنها الداخلي، حيث يُطلق على هذا الإجراء من جانب الأسماك التنظيم الحراري السلوكي إذ يؤدي هذا إلى الهجرة السريعة إلى المناطق الأكثر برودة، وتسمح هذه الهجرة بتحويل الحيوانات المائية من المياه الساحلية الضحلة إلى المياه العميقة الأكثر برودة ويمكن لظاهرة الهجرة هذه وحدها أن تقلل من قدرة الصيد القصوى في المناطق المدارية مثل مصر بنسبة 40%، ولزيادة درجة الحرارة تأثيرًا مميتًا على الشعاب المرجانية من خلال إحداث ابيضاض للشعاب المرجانية بالبحر الأحمر ويمكن أيضا ملاحظة الانقراض المحلي في مصر لأنواع المياه العذبة بسبب الإمكانات العالية للهجرة.

الدكتور محمد سعيد متحدثًا للقاهرة 24 من داخل معامل البيئة المائية جامعة عين شمس

الحلول 

ويشير الدكتور محمد سعيد إلى أن مشكلات ارتفاع درجة الحرارة والملوحة والحموضة في البحيرات السمكية، وغيرها من المشكلات التي تواجه قطاع الثروة السمكية بسبب التغيرات المناخية، يمكن تقديم الحلول لها من خلال توجيه الصيادين وتوعيتهم بمخاطر تغير المناخ وتوجيههم نحو أساليب الصيد الرشيد للمحافظة على استدامة المخزون السمكي مع استخدام التكنولوجيا النظيفة صديقة البيئة.

في السياق ذاته، طالبت الدكتورة سحر فهمي مهنا، رئيس شعبة المصايد بالمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد بضرورة التنسيق بين كافة الوزارات لمواجهة ورصد أي تغيرات في البيئة المائية من نقص بعض الأسماك نتيجة التغيرات المناخية.

وقالت الدكتورة سحر فهمي في تصريحات خاصة لـ القاهرة 24، إن التغير المناخي يمكن أن يؤثر على الثروة السمكية، وله بعض المؤثرات السلبية مثل أن زيادة في درجة الحرارة تزيد من ملوحة المياه، وهو ما يؤدي إلى هجرة بعض الأسماك  التي تعيش في نسبة ملوحة قليلة لبيئتها المائية مثل البوري والبلطي. 

الصيد في المياه البحرية 

وناشدت الدكتورة سحر فهمي بضرورة توفر نظم للمتابعة الدورية لرصد أي تغيرات مناخية مؤثرة على الأسماك والبيئة المائية، كما طالبت بضرورة توفر البيانات اللازمة التي تساعد الباحثين في دراستهم للتنبؤ بأي مشكلة قد تطرأ في المستقبل، وقد تؤثر على الثروة السمكية.

وأوضحت الدكتورة سحر فهمي، أنه لابد أن يكون هناك تنسيقا بين أجهزة الدولة المسئولة عن الثروة السمكية لتحقيق الإدارة المتكاملة، ولابد من الاعتماد على البحث العلمي لحل تلك المشكلات التي تتعلق بالثروة السمكية لأنه القادر على الحل لتلك الأزمات.

تابع مواقعنا