الإثنين 25 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

المصريون القدماء وقمة المناخ!

الثلاثاء 08/نوفمبر/2022 - 05:32 م

لا يسع المهتم بحضارة مصر القديمة لدى متابعة فعاليات قمة المناخ كوب 27 والتي تستضيفها مدينة شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية، إلا أن يتذكر هذا التراث اللافت الذي خلفه قدماء المصريين في صياغة علاقة الإنسان بالبيئة حوله.

فرغم الغموض الذي مازال يكتنف جوانب من حياة المصريين القدماء، ورغم الأسئلة التي ماتزال حائرة إزاء آلاف السنوات من الحضارة المزدهرة المبهرة، إلا أن وضوح المواثيق التي صكها المصري القديم وفرضها على علاقته ببيئته المحيطة تسترعي الانتباه.

وبطبيعة الحال يأتي نهر النيل عنصر الحياة الأبرز، والشريان الذي انسابت الحضارة على ضفافه وحوالي الحقول التي عمرها وأنشأها.

ومن ثم كانت علاقة المصري بالنيل علاقة وجود، وجاء احترام المصري بل وتقديسه لنهر النيل ترجمانا للعرفان بمنحه الحياة في حد ذاتها، ومرادفا لمحورية النيل ومياهه في طقوسه الروحية ونظافته اليومية جنبا إلى جنب مع دوره في خلق الحياة نفسها ككل من سُقيا الماء وري الأراضي وخلق المعنى الجمالي الهائل الذي ربط المصريين ببيئتهم على ضفاف هذا النهر الخلاب.

ولعل الترنيمة الذائعة التي يعرفها كثيرون، تختصر هذه العلاقة وتترجمها حين قال المصري القديم:

"فليحيا الإله الكامل، الذي يقطن في المياه، إنه غذاء مصر وطعامها ومؤونتها، ذلك الذي يسمح لكل امرئء أن يحيا، فالوفرة على طريقه، والغذاء على أصابعه، وعندما يعود يفرح البشر، كل البشر"

وقد أبدع المصريون ما يعرف إلى اليوم في المصطلح العلمي  بـ"التقويم النيلي"، الذي يبدأ ببداية الفيضان، عندما تصل المياه إلى نقطة مهمة بعينها، ويعتقد الباحثون أنها كانت منطقة تتوسط مدينتي أونو وإنب حج، كما لاحظ المصريون اقتران الحدث بظاهرة سماوية هي ظهور نجم الشعرى اليمانية.

ولا يخفى الدور الذي لعبه هذا النجم قبل آلاف السنين في حياة البشر عموما، حتى لقد ورد ذكره في القرآن الكريم في قول الحق عز وجل (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى)، في إشارة من القرآن للكريم للأقوام التي عبدت هذا النجم.

نظر المصريون إلى النيل بعين القداسة، واستخدموا مياه النهر للتطهر ولأداء الطقوس التعبدية واستخدموه في تغسيل موتاهم.. وبالنظر إلى موقع الحياة الأخروية من وجدان المصري، ندرك الدور الذي لعبه النيل كجسر في هذا المعتقد الصلب الذي توارثه المصريون لآلاف السنين.

وتوجد ترنيمة أو أنشودة في عصر الدولة الوسطى تصدح كلماتها قائلة: "المديح لك يا حعبي، الذي يخرج من الأرض، ويأتي ليعيد الحياة لمصر".

ويخاطب المصري النيل في موضع آخر يرجوه الفيضان قائلا: 

"يا مسبب الخضرة، ليتك تأتي. يا حعبي ليتك تأتي إلى مصر يا خالق القرابين، يا مسبب خضرة الضفتين لتعطي الحياة للناس والحيوانات من منتجاتك من الحقول، يا مسبب الخضرة ليتك تأتي".

وأحسب أن استدعاء مثل هذا التراث الهائل، والذي يزخر بترنيمات ونصوص وأدعية كثيرة، يمثل ركيزة في وجدان المصري وفي تاريخ حضارة هذه البلاد العظيمة التي كان إدراك أبنائها للبيئة من حولهم ولمفرداتها إدراكا راقيا وفائقا وسباقا على كل دعاوى الحضارة الحديثة التي خلف نظامها الصناعي كل هذا الضرر الهائل الذي يضرب في أطناب الكوكب.

تابع مواقعنا