المونديال وهويتنا المصرية
اتجهت الأنظار إلى قطر فور فوزها في تنظيم مونديال كأس العالم 2022، وواجهت حملة انتقادات عنيفة وقوية بدعاوى عديدة منها حقوق الإنسان، ووضع العمالة، والمناخ الحار، والأهم أنها دولة عربية، وإسلامية، ووصل التشكيك إلى أقصى مدى، كيف لإمارة صغيرة ثرية تحظى بذلك الشرف، وأن هناك شبه فساد في التكليف، وكأن كأس العالم حكر على الغرب فقط، ونجحت قطر فى التصدي لتلك الحملات، وأعجبني رد رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم في مؤتمره الصحفي قبل حفل الافتتاح، وهو يعري أوروبا كلها ويواجهها بحقيقتها وتصرفاتها، مدافعا عن حق قطر وتمسكها بهويتها وتقاليدها وحقها.
وفى افتتاح مهيب لأهم حدث في العالم صبغت عليه هويتها العربية، لتفاجئ الجميع بمدى جاهزيتها، واستعدادها، وليشهد الجميع بمدى القدرة والتحضر لتعكس تلك الصورة المشرقة نظرتهم للمنطقة العربية عموما.
ومع بداية أحداث المونديال، ونحن نطالب بمساندة الفرق العربية في هذا العرس الكروي، يطل علينا صديق بأنه لن يشجع سوى مصر، وبما أن مصر ليست في المونديال سيدعم الفرق الإفريقية لأننا أفارقة، وبحثت مع العديد ميولهم من يساند الفرق العربية أو فريق بعينة أو من يشجع أحد الفرق الأوربية، حتى قال صديقي مرقص: يجب أن تظل هويتنا مصرية وولاؤنا مصري وفقط؟
فشغلني هل نحن عرب أم أفارقة، وبحثت عن الهوية المصرية التي يجب أن تكون مغروسة في نفوس وعقول المصريين، وشغلت كثيرًا من الفلاسفة والمفكرين حتى في التعريف.
فالهوية الوطنية في كل أمة هي مجموع ما تتميز به من خصائص ومميزات تنمى فيها روح الولاء والانتماء، كموقع جغرافي، وتاريخ مشترك، ولغة، وعلم واحد، وعملة واحدة، وخصائص اقتصادية، ويتمتعون بكل الحقوق والحريات التي تقوى النسيج الاجتماعي.
مصر أرض الحضارات وبداية التاريخ وعاشت فى كنف الحضارة الفرعونية، وبعد تاريخ طويل من الاستعمار والغزو والتحالفات تمزقت مصر بين الحضارة اليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية فهي كل هؤلاء.
مصر بلد الكنائس وموطن بابا الإسكندرية رأس الكنيسة الأرثوذكسية في العالم، بمصر بلد الأزهر الشريف ومرجعية العالم السني. مصر التي تحب آل البيت دون تشيع. مصر التي يحتفل مسلموها ومسيحيوها بعيد ميلاد السيد المسيح وعيد الفطر وكل المناسبات معا.
وكان أحمد لطفي السيد ينتقد من يروجون لفكرة الانتساب للعرب على حساب الفراعنة، والعكس، أو الأتراك والعرب، وهكذا، ويرى أن المصري الأسمر والأبيض والقمحي والأشقر كلهم مصريون يقول (لنا تاريخ قديم متصل الحلقات، فنحن فراعنة مصر، ونحن عرب مصر، ونحن مماليك مصر وأتراكها).
تذكرت قول د طه حسين (إن الحضارة المصرية والفرعونية متأصلة في نفوس المصريين، وستبقى كذلك، بل ويجب ان تبقى وتقوى والمصري فرعوني قبل ان يكون عربيا..)وكان يرفض فكرة أن مصر عربية ويعتبر أن الثقافة المصرية ليست عربية، وانما تتبع ثقافة حوض البحر المتوسط.
والخديوي إسماعيل يرى أن مصر جزء من أوربا، ثم مصر إفريقية وجزء منها ومستقبلها معها.
ويرى الدكتور ميلاد حنا في كتابة الأعمدة السبعة للشخصية المصرية أن مصر عربية وتتحدث وتفكر بالعربية ثم هي بحر أوسطية.
ويؤكد جمال حمدان أن الشعب المصري بموهبته الفريدة صهر كل ما قبله من ثقافات ولغات، وخرج بها في نسيج جديد يحمل طابعه الخاص، وكان يرى ضرورة إحداث ثورة في الشخصية المصرية وعلى الشخصية المصرية.
وهذا ما ذكره أيضا الرئيس السيسي عند أدائه اليمين الدستورية حيث قال (كنز أمتنا الحقيقي هو الانسان والذي يجب أن يتم بنائه على أساس شامل ومتكامل بدنيا، وعقليا، وثقافيا، بحيث يعاد تعريف الهوية المصرية من جديد، بعد محاولات العبث بها) وأن من أولوياته الصياغة الشاملة للإنسان المصري لاستعادة الهوية التي حاول الأعداء والمتآمرون سلبها.
لذا تسعى الدولة للحفاظ على الهوية المصرية وتأصيلها وتعميقها داخل وجدان المصريين.
وكل مؤسسة داخل الدولة لها دور تقوم به، فوزارة الهجرة أطلقت مبادرة اتكلم عربي، وتستهدف المصريين المقيمين بالخارج لربطهم بالداخل وتقوية الانتماء لديهم.
وزارة الثقافة ودور النشر والمسرح ودار الأوبرا وقصور الثقافة والدراما المصرية والسينما والندوات والمؤتمرات وحوارت المثقفين والمبدعين والإعلام المقروء والمسموع والمرئي وكل المؤثرات والجهات التي لها دور في خلق التوعية وتصحيح المفاهيم لكل المصريين للحفاظ على عقلياتهم، ويقف كل هؤلاء حائط صد منيع في محاولات طمس الهوية المصرية.
كذلك الأوقاف، والمسجد، والكنيسة، والأزهر الشريف وسعيهم لتجديد الخطاب الديني وتصحيح المفاهيم وتعزيز المواطنة.
منتدى الشباب العالمي ومؤتمرات الشباب التي تقام بالمحافظات ومبادرة وعي بالجامعات والبرنامج الرئاسي لتدريب الشباب وغيرها من المبادرات والمؤتمرات التي تستهدف الشباب لإعداد القادة، وتولي المسئولية وتنمية شعورهم وانتمائهم الوطني للحفاظ على أمن الوطن وسلامته، والعمل على رفعته واعتزازهم بانتصاراته وحزنهم على أي تقصير واحترامهم للعادات والتقاليد، ومشاركة شركاء المجتمع أعيادهم ومناسباتهم الدينية ومشاركتهم العمل التطوع لخدمة مجتمعهم واحترامهم للقوانين والدستور.
وللأسرة والتربية دور مهم في رفع الوعي وزرع حب الوطن، وكذلك المدرسة والجامعات ونظام التعليم والأنشطة الطلابية المختلفة تساهم في تعزيز وترسيخ الانتماء والمواطنة.
فالهوية المصرية صنعها المصري عبر التاريخ والأزمان والتجارب الحياتية، وهي ثابتة لا تهتز ولا تتأثر برغم محاولات البعض طمسها.
والرئيس السيسي كان هدية من السماء كما قال الأنبا مكاري يونان، فقد حافظ ويحافظ بكل ما ذكرنا على الهوية المصرية وانفتاحها على العالم، والتعايش السلمي، فالسلام هو أمل الشعوب في حياة هانئة.
وجميعنا يدرك كيف خرج المصريون في ثورة يونيو ضد جماعة الإخوان التي كانت تحاول سرقة مصر من المصريين، وتصديهم للجماعات السلفية وكل فتاوى تحاول هدم النسيج الوطني لوطن عاش في قلب التاريخ، وظل محافظًا على رونقه وهويته.
وأتذكر ما ذكره اللورد كرومر في كتابه مصر المحدثة (أنه لم يجد فرقًا بين الأقباط والمسلمين في المسائل العامة وكان الفارق الوحيد هذا يصلي في مسجد وهذا يصلي في كنيسة).