الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

أشياؤنا الخاصة

الجمعة 25/نوفمبر/2022 - 05:34 م

• هو إحنا بنحب الحاجات بتاعتنا حب شبه الحب اللي بنحبه للناس؟.. يعني ممكن يكون فيه علاقة حب بين شخص وبين تليفونه مثلًا أو كرسي معين أو مج أو عربيته؟.. بنسبة 100% أيوا. 

• تفاصيل مهمة كتبها الأستاذ الدكتور "علي جمعة" في مقال تم نشره في موقع مجلة "حراء" سنة 2018 تحت عنوان (حب الجماد من فقه حب الحياة) عن إن محبة الإنسان وتعلقه بأى شيء مش حي هو أمر طبيعي ومش عيب ولا حرام!.. من وقت نزول الإنسان للأرض وعلاقته بكل الكون علاقة توافق وإنسجام بتعتمد على استخدامه لكل مفردات الكون ده سواء جماد أو حيوان بالشكل اللي يكون سبب في سعادته وراحته.. فطرة أى إنسان طبيعي سوي إنه بيحب ربنا، وحبه ده بيقوده إنه برضه بالتبعية لازم يحب كل اللي أبدعه وصنعه ربنا.. يعني مثلًا لما مر سيدنا النبي "محمد" ﷺ على جبل أُحد ورغم إنه كان مكان مرتبط بذكريات سيئة للمسلمين عمومًا وللنبي بالذات لما أصابه جرح عليه، ولما استشهد عليه عمه "حمزة بن عبدالمطلب"؛ لكنه شاور عليه وقال: (هذا جبل نحبه ويحبنا).. رغم إن اللي حصل قبل كده كان أولى يخليه ﷺ يتشاءم منه.. بس لأ.. قال "نحبه ويحبنا".. يعني الجماد له احترامه في تصور الإنسان للوجود أهو!.. في الآية الكريمة رقم 54 من سورة "الروم" ربنا سبحانه وتعالى قال: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾.. ده دليل تاني إن أى موجود سواء جماد أو حيوان أو إنسان؛ بيشتركوا في تفصيلة واحدة إن كلهم ليه دورة حياة بتبدأ بالوجود ثم النماء ثم الضمور ثم الموت، ودي حاجة بتصيب كل حاجة حوالينا!.. الكرسي اللي بتحب قعدته أكيد لونه هيبهت مع الوقت وممكن رجله تتكسر، البرفيوم اللي بتحبيه هيتناقص تدريجيًا لحد ما يخلص، وهكذا.. يعني الحياة والنهاية أمر ثابت بيننا وبين باقى الحاجات.. وده تفسير منطقي بيوضح سبب محبتنا لأشياءنا الخاصة.. ليه؟.. لإننا بنخضع لقانون واحد وسنة واحدة بتتحكم في تحركنا وسكوننا والنظام ده بيعبر عن وحدة الخالق.

 

• في أوائل سنة 2018 عملت تقرير صحفي فيديو بعتز بيه جدًا مع ست مصرية اسمها "فريال".. إنسانة جدعة بتشتغل سواقة على عربية نقل تريلا اللي هى بتكون عبارة عن كابينة وبتجر وراها 2 مقطورة ضخمة حمل كذا طن، وبتعمل ده بسلاسة!.. "فريال" عندها 60 سنة وبتسوق من وقت ما كان عندها 20 سنة، وهى أول ست تطلع رخصة سواقة عربية تريلا بـ مقطورة في مصر.. شغالة على خط إسكندرية - الواحات.. يعنى الرحلة الواحدة بتاخد معاها مش أقل من 12 ساعة سواقة متواصلة.. اتكلمنا عن خطر السواقة وسط الصحرا والحيوانات المفترسة اللي بيطلعوا عليها كل يوم ومشاكل الطريق وأعطال العربية اللي بتحصل!.. اتكلمنا عن رخامة ولاد نفس الكار معاها والنفسنة منها!.. اتكلمنا كمان عن قدرتها على الكلام بالإنجليزي زى اللبلب وإنها علمت نفسها بنفسها.. من الآخر سبب اعتزازي بمقابلة الست "فريال" تفاصيل قصتها الملهمة المبهرة اللي تخليك فخور إن على أرض بلدك نموذج زيها.. قعدنا على قهوة بلدي وكنا متفقين إن الحوار هياخد ساعتين بالتمام والكمال عشان الست تلحق شغلها، ومعدل التصوير كان ماشي بشكل ممتاز، حسب الخطة بدأنا الساعة 7 المغرب لحد 9 بالثانية، وللأمانة إن جمال طريقة حكيها كان السبب الرئيسي إن الموضوع يكون سريع، وممتع.. هى ست تحب تسمعها وهى بتتكلم.. خلصنا.. المصور قفل الكاميرا، وبدأ يلم الحاجة بتاعته ويحطها في شنطة المعدات.. وأنا و"فريال" وقفنا بنسلم على بعض وكنت بعبر لها عن شكري وتقديري خصوصًا بعد ما صممت بجدعنة ولاد البلد إنها تحاسب على المشاريب رغم إنها مش واخدة مننا فلوس في التصوير!.. لما وصلنا قدام عربيتها وعربيتنا عشان كل واحد يروح في طريقه وقبل السلام النهائي لفت نظري جملة قالتها بشكل عابر!.. (ساعات تكون قاصدة تعطل مني في الطريق فأضطر أنزل أبوسها فوق فانوسها اليمين واستسمحها عشان تدور فتدور وتتحرك).. سألتها: (إيه!، تبوسي مين فين!، وهى مين دي اللي قاصدة؟).. "فريال" استغربت إني استغربت وكملت كلامها كإنها بتتكلم عن شيء طبيعي: (بنتي، عربيتي).. رديت: (لأ لحظة أنا عايز أعرف الموضوع ده، عندك مانع نقعد 10 دقايق كمان بس عشان تحكيلي بالتفصيل؟).. المصور مسك دراعي وقال: (10 دقايق إيه!، ولا ثانية أنا لميت المعدات خلاص).. رديت عليه: (مش مهم طلعها تاني).. قولتها وأنا منتظر رد "فريال" اللي بصت في ساعة موبايلها النوكيا القديم الصغير، وكان واضح إنها بتحسبها.. ردت: (هتعزمني أنت على الشاي المرة دي).. قولت: (تؤمري).. رفعت صباعها وهى بتتشترط: (بالنعناع!).. قولت: (يا سلام! أحلى نعناع).. سحبنا كرسيين بره القهوة وقعدنا نتكلم.. إيه الحكاية بقى؟.. "فريال" عندها روتين يومي بتعمله بشكل ثابت بعد كل نقلة لما بتوصل إسكندرية إنها بتروح لمحطة البنزين قبل ما تروح بيتها عشان تغسل العربية من بره ومن جوه وترش معطر فيها وتمونها بالبنزين وتظبطها وتروقها على الآخر كإنها عروسة بالظبط.. طب ما تعملي ده تاني يوم لما ترتاحي إنتي الأول!، هو المنطقي إن البني آدم اللي من لحم ودم هو اللي يتروق ويرتاح ولا الحديد؟.. قالت لأ بشكل قاطع.. وجهة نظرها في كده إنها بتدلع عربيتها اللي لسه راجعة من مشوار يهد الحيل، وإنها زيها زى البني آدمين محتاجة راحة وشاور وريحتها تبقى حلوة.. لما ظهر على وشي إني مش مقتنع بكلامها قالت إنها في اليوم اللي بتكسل فيه تعمل كده العربية بتزمزأ وبترفض تتحرك!.. فيها بنزين، والموتور سليم بس أهو طلعت في دماغها مش هتتحرك عشان طناشك ليا يا ست "فريال"، وبمجرد ما تصلح غلطتها في حقها الأمور بترجع طبيعية تاني.. بتقول: (تصدق وتؤمن بالله؟، ساعات يكون فيه مطب عالي في السكة وأنا ماشوفهوش عشان مفيش نور ولدنيا كُحل، وهوب العربية تتهبد هبدة جامدة فيطلع مش عارفة من فين صوت كركبة وتقف خالص فأنزل واتكلم معاها وأحلف لها إني والله ما شفت المطب فتدور وتكمل مشى!).. في مرة برضه كان فيه عطل معين في  موتور العربية محتاج تدخل ميكانيكي لإن فيه خطورة في السفر بدون تصليح العطل بس "فريال" وبسبب خلافات أسرية تضايق كانت لسه حاصلة نزلت من البيت وساقت العربية في طريق السفر مباشرة ونسيت خالص إنها تعدي على الميكانيكي قبل ما تبدأ السفرية!.. في أول الطريق كانت سامعة أصوات مزعجة خارجة من الموتور.. افتكرت.. قالت لنفسها هى المصايب كده لما بتيجي بتيجي مرة واحدة.. قالت مش مهم وقررت تكمل.. الصوت بيزيد.. كانت آه سامعاه بس دماغها كانت في حتة تانية خالص بتفتكر تفاصيل الخلاف اللي لسه حاصل.. حست بالضعف، وغصب عنها دموعها نزلت، وكانت بتبكي بصوت.. كل ما نبرة صوتها في البكاء بتعلى كل ما الأصوات بتاعت الماتور كان بيقل.. فجأة حست إن الأصوات اختفت!.. اختفت فعلًا بدون مبالغة زى ما تكون العربية بتقول لها "ولا يهمك أنا معاكي".. كملت السفرية بشكل عادي غريب ووصلت بالسلامة، وفيه نهاية المشوار راحت لـ ميكانيكي في طريق الواحات عشان يبص عليها قال لها بإستنكار: (إنتي وصلتي بيها إزاي لحد هنا دي؟، بقالي 30 سنة ميكانيكي ماشوفتش عربية تمشي 100 متر بالوضع ده!).. بصت "فريال" للعربية وهي بتمسح بإيديها فوق فانوسها اليمين وردت: (بنتي ماهنش عليها تزود همي).

• كل واحد فينا عنده علاقة مرتبطة بـ ذكرى مع حاجة مش بتفارقه ومهما شاف اللي أحسن منها برضه بتفضل في عينه هى الأفضل.. نفس المبدأ اللي بيخلّي الشاي باللبن مشروبك المفضل في توقيت ثابت واللي مهما اتعزم عليك بغيره بتفضل برضه متمسك بيه.. النكسافيه اللي بتحب تشربه في مج معين والطعم مايحلاش إلا فيه!.. الكُرسي الفلاني اللي اتعودت على قعدته في الكافيه ولو حصل وقعدت على غيره بتحس إنك مش على بعضك!.. البنطلون اللي غالبًا بيكون لونه إسود واللي يروح وييجي عليه لبس قد كده بس في النهاية بتبقى ليه دايمًا الأولوية عندك.. ماتستغربش لما تلاقي اللي مش متقبل فكرة إنك تحضن كتاب بكف إيدك بقوة كإنك لقيت كنز أو تبص لغلافه بـ شغف وحنين أو دموعك تغلبك أو ضحكتك تجلجل وأنت بتتنقل بين صفحاته.. هما شايفينه "كتاب" بس أنت شايفه "صديق".. قيس ده بقى على كل حاجة بتحبها.. ماتنتظرش من غيرك إنه يستوعب أنت ليه بتحب كذا.. هما دايمًا هيشوفوه كذا وأنت دايمًا هتشوف فيه راحتك.. أنا مؤمن إن أشياءنا الخاصة اللي بنتعلق بيها هى نفسها إحنا بس في صورة تانية.. الكاتب الألماني "إيكهارت تول" قال: (كيف نستطيع التخلي عن التعلُق بالأشياء؟.. لا تحاول ذلك  فالأمر مُستحيل.. التعلُق بالأشياء والشغف بها ينتهي تدريجيًا عندما نشعُر فقط بأنها أصبحت لا تنُاسبنا بعد الآن).

تابع مواقعنا