السبت 23 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

مصر الحاضرة في لبنان

السبت 26/نوفمبر/2022 - 07:15 م

كثيرا ما قيل: حتى تتعرف على بلدك.. لابد أن تنظر إليه من الخارج لا من الداخل، ففي الداخل أنت أسير ما تعتاده، ولا تعرف على وجه اليقين كيف ينظر الآخرون إلى هذا الذي تعتبره أنت عاديا ومألوفا.

تذكرت هذه النصيحة التي سمعتها كثيرا في صباي، حين قادتني الظروف للتدريس في جامعة بيروت العربية، قبل 20 عاما تقريبا، والتي تشتهر مجازا باسم الجامعة العربية.

وقد تأسست في ستينيات القرن الماضي بإشارة تجاوب من خلالها الزعيم المصري جمال عبد الناصر مع احتياجات لبنان الوطنية، وظلت حتى وقت قريب فرعا من جامعة الإسكندرية.

لم تكن هذه التجربة ـ التدريس والإقامة في لبنان ـ تجربة عمل عابرة، بمقدار ما كانت فرصة نادرة لفهم بلدي الحبيب مصر، من حيث لم أتصور أنني ربما سأفهمه من هذه النافذة فهما عميقا لم يتأت لي من داخل مصر.

فما زال إلى اليوم يحضرني اليوم الذي خطب فيه الشهيد رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق داخل قاعة جمال عبد الناصر في جامعة بيروت العربية في مقتبل الألفية (وهو بالمناسبة خريج هذه الجامعة هو وعدد ضخم من الوزراء والمسؤولين العرب من كل الجنسيات).

وفي هذا الخطاب الذي حضرته بصورة مباشرة، كان الحريري (الأب) يوجه الرسائل للداخل والخارج ببراعة سياسي محنك عركته الظروف حتى تمكن من الإلمام بناصية بلد تتنازعه الطوائف، وتتربص به القوى الإقليمية، ويتدخل في شؤونه لاعبون دوليون.

ففي لبنان تحديدا، يرى المصري بلده بأعين لبنانية صافية، تحب مصر وتقدر دورها التاريخي، بلا ضغينة ولا مكابرة ولا منافسة. حب صاف بين شعبين.

نحب فيروز وجبران وخليل مطران.. نحب الأصوات الجبلية والأشعار العذبة وسدنة المسرح والصحافة.. ويحبون مصر أم كلثوم وعبد الناصر والعقاد وطه حسين.. مصر الفكر والثراء والعظمة والتاريخ.. والأهم: مصر الشرف.

تمكنت جامعة بيروت العربية من منافسة الجامعة الأمريكية في بيروت والجامعة اليسوعية، واعتقد الوجدان اللبناني أن الوجود المصري البارز في أطقم التدريس بجامعة بيروت، سيضمن نزاهة وحيادية تجاه الطلاب، ولن يجري أي تمييز بينهم على أساس الطائفة أو المذهب.

ومنشأ هذا الاعتقاد هو نزاهة مصر نفسها في حضورها الفاعل في لبنان وشؤونها وهمومها الوطنية.

فمصر في لبنان لديها حضور مفصلي يدركه الجميع، ولايسفر عن نفسه إلا بمقتضى الضرورة ولصالح لبنان حين تميل الكفة لاتجاه من الاتجاهات التي تتنازع لبنان إليها القوى المحدقة بها والتي لا يهمها إلا مصالحها ولو خربت بلاد الأرز.

تحضر مصر دون تكسب أو متاجرة أو استعراض إعلامي.. فمصر في لبنان هي الشقيقة الكبرى التي تدرك تناقضات الداخل اللبناني التي من حين لآخر تكاد تفصم عراه، وترى دورها وسط هذه العواصف هو الوصول بالسفينة لبر الأمان، كلما هبت العواصف.

لا تنحاز مصر لطائفة أو مذهب.. تنحاز مصر للبنان العروبة وفقط.

ولعله من المدهش أن المواطن اللبناني يدرك الحضور المصري ويرحب به، لثقته في نزاهة مصر ونزاهة مراميها، وأن مصر منذ ناصر وإلى اليوم تريد لبنانا قويا مستقرا، لا لبنانا مفصلا على هوى مصالحها.

ومن متابعتي لوسائل الإعلام اللبنانية، بما اعتدته قبل ربع قرن تقريبا وإلى اليوم، ألمح الحديث عن الدور المصري في حديث الإعلاميين والخبراء اللبنانيين وسط أزمة عدم التوافق على رئيس، في ثنايا حديث الجميع.

فلبنان كلها تدرك صدق مصر وأهمية حضورها لإحداث توازن في المشهد المتنازع عليه من الجميع ضد الجميع.

ومصر نفسها لا ترى حضورها في لبنان قرينة تتيح لها مكسبا على حساب اللبنانيين، ولا فرصة للاستعراض الإعلامي أو السياسي.

فتكاليف الأخوّة.. تقتضي أن تكون مصر نفسها لا أن تكون غيرها.

 

تابع مواقعنا