كأس العالم بقطر.. وثيقة التعايش السلمي مع الآخر
لا بد لنا أن نعترف أن بطولة كأس العال لكرة القدم أصبحت مناسبة ذات تأثير كبير على شعوب العالم، بل وتعدت ذلك التأثير بأنها أصبحت استثمارا ذا عائد وفير، ومن المعلوم أيضا أن بطولة كأس العالم تقام كل أربع سنوات في دولة أو عدد من الدول، يتبارى فيها عدد 32 منتخبا من جميع دول العالم بعد خوض تصفيات في قاراتهم حسب موقعهم الجغرافي، وتأتي هذه البطولة كأول بطولة تقام في دولة عربية إسلامية جعل منها مناسبة عظيمة لتعزيز الفهم حول الأعراق والديانات والهويات الثقافية والوطنية والإنتماءات المختلفة المناطق الجغرافية العالمية والمتعددة. وهذا ما حدا بالدولة المنظمة إلى أن تجعل هذه البطولة بمثابة وثيقة للتعايش السلمي، حتى ترفع عن الإسلام الصورة السلبية في الإعلام الغربي، وذلك تحت شعار الاندماج والتفاعل، مع احتفاظ كل بلد تقام فيه هذه البطولة بكامل خصوصياته، فالتعايش السلمي أهم سمات الحياة البشرية، وعنصر أساسي في تكوين الأمم والحضارات على مختلف الأزمنة والأمكنة واللغات، والتعايش بين مختلف الثقافات هو الهدف الرئيسي من إقامة مثل هذه المسابقات، وتنظيم قطر لهذه البطولة كأول دولة خليجية وعربية وإسلامية يضع على عاتقها إيصال صورة جميلة عن العرب والإسلام، وهو ما يجعلها منارة تسامح عربية وعالمية تنطلق منها تعريف العالم بعادات العرب وتعاليم دينهم السمحاء، ويُترجم ذلك عمليًا على أراضيها بالنظر لِكمّ التنوع الذي تشهده الدولة أثناء إقامة البطولة من تجمع جماهير تحمل ثقافات العالم المختلفة.
وبصفتي إنسانا مسلما مصريا وتحت شعار من لا يشكر الناس لا يشكر الله أتوجه بالشكر الواجب لدولة قطر الشقيقة، حيث قامت الحكومة بها بعمل رشيد يدل على صدق انتمائها للإسلام، وحتى تمحو من شعوب العالم الصورة السلبية عن الإسلام بأنه دين إرهاب وعنف بسبب فعل بعض أبنائه قامت بجهود جبارة من أجل ذلك.
فمجرد إقامة بطولة كأس العالم في دولة عربية مسلمة يدل على أن المسلمين منفتحون على العالم، ويمارسون حياتهم بعيدا عن التشدد والانغلاق بقبولهم الآخر وهو عنوان التحضر والإنسانية التي لا بد أن تسود العالم.
ولكن في نفس الوقت لا ينسون دينهم أو تعاليمه أو يتخلون عن عاداتهم وخصوصياتهم، بل يدعون إلى الإسلام بالتي هي أحسن كما أرشدنا إلى ذلك الحبيب الشفيع محمد بن عبدالله صلى عليه وسلم.
فقطر بحق أحسنت عندما صنعت هذه الأعمال الجليلة حيث قاموا بكتابة الأحاديث في كل مكان بجميع لغات العالم حتى يقرأها مشجعو كأس العالم من كل أصقاع الدنيا دون إكراه أو إلزام، وكل هذه الأحاديث تتكلم عن سماحة الإسلام والعدل الذي ينشده الإسلام للبشرية جمعاء، بالإضافة إلى الأحاديث التي تدعو إلى الخير وتحث على فعله للبشرية جمعاء دون عنصرية أو عصبية..
كما أنهم قاموا بتغيير المؤذنين وأتوا بمؤذنين أندى صوتًا، وجعلوا الأذان في مكبرات الصوت يُسمع في كل مكان من دولة قطر سواء في الملاعب أو غيرها، وطبعا الجميع يعلم أن مساحة دولة قطر صغيرة للغاية، ساعدهم على أن يجعلوا بجانب كل ملعب مسجد يُرفع منه الأذان خمس مرات في اليوم الليلة.
كما أنهم منعوا تناول الخمور في الملاعب أو محيطها أو في شوارع الدولة، وطالبوا الجماهير غير المسلمة باحترام خصوصية شعبها، بجانب منع الدعاية للمثليين الذي يطالب بحقوقهم رؤساء بعض الدول!
وقاموا بطبع الكتب الصغيرة والمنشورات بجميع لغات العالم لكي يتعرف مشجعو كأس العالم عن الإسلام الوسطي الصحيح الذي جاء به رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ليخرج البشرية من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام، ولم ينسوا كتابة تاريخ العرب الذين حملوا الإسلام ونزل فيهم القرآن وكان منهم رسول أخر الزمان صلى الله عليه وسلم.
وفي نهاية مقالي هذا أنوه إلى وجود أصوات نشاذ للأسف في إعلامنا الخاص يزعمون أنهم علمانيون، لا يرضيهم أن تقوم قطر بإقامة المظاهر والشعارات الإسلامية، أقول لهم ماذا يضيركم من هذا وقد فعلت جنوب إفريقيا مظاهر وشعارات دينية مسيحية، فالإسلام لم يكن يوما عائقا ببن المسلمين والحضارة الحديثة والتعايش مع الآخر.
كما أريد أن أنوه إلى حقيقة راسخة في تاريخ الإسلام أن الدول ومؤسساتها هي التي تقيم الإسلام، وليس الجماعات واختلافاتها وتشرذمها بسفك الدماء، فعندما أقام رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام في المدينة كانت البداية ترتكز على الدعوة بالتي هي أحسن واجتناب الحروب والقتال، يأتي كل ذلك في تطبيق عملي لمبدأ التعايش بين الأديان، حيث كانت تقيم أقلية من اليهود في المدينة علاوة على أغلبية ممن لم يدخلوا الإسلام، فأصبحت الحياة بالمدينة في ظل الإسلام يعلوها مبدأ التعايش السلمي مع الآخر في صورة تنم على عظمة الإسلام ورُقِي المسلمين.