يا رب الشغل يموت
هل نمت متأخرًا في ليلة بعد سهرة سعيدة مع الأصدقاء أو عند الأقارب ثم اضطررت للاستيقاظ مبكرًا من أجل العمل فقمت من نومك متأففًا وقلت "يا رب الشغل يموت".. تهانينا! فعلى الأرجح قد استجيبت دعوتك وسيتحقق الأمر قريبًا، وهذا لا يعني بالضرورة أنه خبر سعيد.
لنعلم كيف "سيموت الشغل" دعنا نبدأ الحكاية، هل زرت قريبًا مطعم وجبات سريعة وأشار لك العاملون باستخدام الشاشات للطلب بدلًا من الوقوف في الطوابير؟ هل جربت الاتصال لعمل طلب من مطعم آخر ووجدت رسالة صوتية تقول لك الآن يمكنك عمل طلب من خلال الموقع أو التطبيق والحصول على خصومات وعروض حصرية؟
تتجه الشركات الكبرى في العالم إلى عملية الأتمتة Automation والتي تهدف إلى تقليل العامل البشري في عملية الإنتاج بغرض تخفيض تكاليف الإنتاج والتشغيل.
لنأخذ مثالًا على ذلك، العامل داخل المطعم الذي يشير إليك باستخدام الشاشة للطلب هو في حقيقة الأمر يساهم بشكل مباشر في التعجيل بفقدانه لوظيفته ربما وهو لا يدري، حيث أنه بمرور الوقت سيتجه أغلب الزبائن لاستخدام تلك الشاشات ولن يكون هناك حاجة لوجود أعداد كبيرة من العاملين في المطعم لخدمة الزبائن.
أتذكر وأنا في مرحلة الثانوية أني كنت أذهب لسنترال أحمد عرابي في حي المهندسين لدفع فاتورة التليفون، وكان طابور الدفع يأخذ من نصف ساعة إلى ساعة حتى أتمكن من إتمام عملية الدفع.. أين تلك الطوابير الآن؟ اختفت.. لأنه ببساطة أصبح بإمكانك دفع فاتورة تليفونك الأرضي -بالطبع لأنه مرتبط بالإنترنت وليس لأننا لا زلنا نستخدمه- من أي منفذ مدفوعات في أي محل بقالة أو كشك بيع سجائر أو من أي تطبيق للمحافظ الالكترونية أو من أي تطبيق بنكي.
ما حدث مع فواتير التليفون يحدث الآن مع أغلب الوظائف وخلال عامين سيتغير شكل سوق العمل وهذه المرة ليس بسبب الإنترنت كما حدث من قبل ولكن بسبب الثورة الجديدة.. الذكاء الاصطناعي.
حيث نشرت شركة سكويا كابيتل الأمريكية المتخصصة في إدارة الاستثمارات في المراحل المبكرة ومرحلة النمو وخصوصًا في القطاع التكنولوجي تقرير عما وصلت إليه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي قبل عام 2022 وما هو متوقع في الوصول إليه -طبقًا للخطط التي يتم العمل عليها حاليًا- حتى عام 2030 مرورًا بالأعوام 2023 و2025.
وقد كشف التقرير عن الآتي:
بالنسبة للاستخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج النصوص، ففي عام 2023 سيمكن للذكاء الاصطناعي من كتابة دقيقة لأشياء كثيرة مثل صياغة الأبحاث علمية والمقالات، وفي عام 2025 سيتكمن من كتابة مسودات نهائية أفضل من المتوسط البشري وبحلول عام 2030 سيتمكن من كتابة مسودات نهائية أفضل من الكتاب المحترفين.
أما بالنسبة لكتابة أكواد البرمجة، ففي عام 2023 سيتمكن الذكاء الاصطناعي من ابتكار لغات برمجية جديدة وسيتمكن من كتابة الأكواد بدقة أكبر وفي عام 2025 سيتم الوصول لمرحلة "النص إلى المنتج" والتي تعنى أنك ستتمكن من برمجة تطبيق أو موقع إلكتروني عن طريق كتابة مختصر لما تريده وسيقوم الذكاء الاصطناعي بكتابة الأكواد والتصميمات الخاصة بك بدون الحاجة لمبرمج محترف أو أن تكون على دراية بلغة البرمجة وبحلول عام 2030 ستكون البرمجيات والتطبيقات المنتجة عن طريق الذكاء الاصطناعي أفضل من التي يتم إنتاجها عن طريق المبرمجين المحترفين.
أما بالنسبة للصور، ففي عام 2023 سيتمكن الذكاء الاصطناعي من تحسين إمكانياته في عمليات التصميم المعماري وتصميم المنتجات مثل الصور والتي بدأنا نرى انتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي وكيف أصبح بإمكان أي شخص الحصول على صوره مرسومة بشكل دقيق بالقليل من الخطوات التي لا تحتاج معرفة مسبقة بالتصميم. وفي عام 2025 سيتمكن الذكاء الاصطناعي من تصميم منتج نهائي في مجال تصميم المنتجات والتصميم المعماري، أي أن البعض سيتمكن من عمل تصميمات معمارية بدون دراسة سابقة للهندسة المعمارية! فقط عن طريق كتابة بعض أوامر لبرامج ذكاء اصطناعي تحتوي على ملخص لفكرته التي يرغب في تنفيذها! وبحلول عام 2030 سيتمكن الذكاء الاصطناعي من تصميم منتجات نهائية أفضل من المصورين والمعمارين والفنانين المحترفين.
أما بالنسبة لمجال الفيديو والألعاب والأفلام، فبحلول عام 2030 سيتمكن الذكاء الاصطناعي من إنتاج أفلام وألعاب بشكل كامل طبقًا لرغبة المتلقي، أي أنه سيمكنك تصميم لعبة فيها سيناريو من اختيارك أو عمل فيلم كامل عن طريق الذكاء الاصطناعي طبقًا لسيناريو رأيته في أحلامك مثلًا.
بالطبع تبدو هذه الأخبار مقلقة وربما حزينة لدى الكثيرين ولكنه الواقع الذي بدأ بالفعل، فبوجودنا على الإنترنت وعلى شبكات التواصل الاجتماعي لمدة سنين أصبحت بيانتنا مصدر رئيسي لأرباح تلك الشركات التي تمكنت من خلال متابعة سلوكنا اليومي من معرفة أشياء عنا ربما نحن لا نعرفها عن أنفسنا، ومع تدفق البيانات بشكل لحظي بكميات هائلة تمكنت تلك الشركات التي تعمل في هذا المجال من تحليلها والاستفادة منها في تدريب وتعليم أدوات الذكاء الاصطناعي التي يبدو أنها على وشك استبدال الكثير من الوظائف الحالية بشكل كبير وعلى نطاق واسع.
وقد بدأنا نرى بالفعل قيام العديد من الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا كأمازون وجوجل وتوتير ونت فليكس وغيرها من الاستغناء عن عشرات الآلاف من الموظفين في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية وغالبيتهم ضحايا لعملية الأتمتة Automation والتي تعني أنه أصبح بالإمكان استبدالهم بأدوات تكنولوجية تقوم بنفس وظائفهم بدون الحاجة الفعلية للعنصر البشري.
إن الحصول على وظيفة أو القيام بالعمل الحر في مشروع خاص سيكون أكثر صعوبة في السنوات القادمة لو تم تجاهل كيفية الاستفادة من تلك التكنولوجيا التي أصبحت أمرا واقعا، وسيكون المتخلفون عن اللحاق بها كمن تجاهل دخول الإنترنت في نهاية الألفية السابقة وبداية الألفية الحالية ومن ثم تأثر بشكل كبير أدى لانقراض كثير من الأعمال والخدمات التي كانت جزءا من حياتنا قبل دخول الإنترنت.