بيواجه السرطان بالنار والقصدير.. قصة كفاح عم محمود بقنا: المرض بينهش جسمي ونفسي أتعالج
في مشهد بدت واضحة عليه ملامح الشقاء داخل أحد شوارع مدينة نجع حمادي، يجلس العم محمود سالم حسن، صاحب الـ67 عاما، بجسده المتعب بجانب شعلة من النيران وأعواد قصدير، بجانب طاولة خشبية ممتلئة بمعدات بدائية يستخدمها في لحام الأواني وصناعة صواني الصفيح، لتوفير مصدر رزق يقتات منه وتوفير تكاليف علاجه من السرطان الذي ينهش جسده.
كبر سن العم محمود لم يمنعه على الإطلاق من العمل، في تلك المهنة الشاقة والجلوس لساعات طوال أمام لهيبها، مردفا: بخرج أشم هوا ربنا ولما بقعد في البيت بتعب زيادة.
العم محمود صانع الصفيح بقنا
ويروي الرجل الستيني لـ القاهرة 24 قصة احترافه لهذه المهنة وعشقها لسنوات طويلة، حتى صار من أمهر الحرفيين فيها على مستوى محافظة قنا، قائلا: منذ أن كان عمري 7 سنوات، تعلمت هذه المهنة اليدوية من والدي، وهي تقطيع الصفيح وصناعة أشياء متنوعة منه، واللحام باستخدام القصدير والنحاس، وهذا المكان بالتحديد الموجود بالقرب من ميدان العروسة بمدينة نجع حمادي لي فيه ذكريات طويلة لا تنسى مطلقًا، فأنا ابن هذا المكان، الذي أخذ عمري.
وأوضح عم محمود أن مهنته تعتمد على تصنيع منتجات متعددة، ففي الأعياد تنشط الطلبات على صواني الكعك والفايش، خاصة خلال إجازة الصيف وبدء موسم الزواج، مشيرا إلى أن الأهالي يقبلون على شراء الصاجات لاستخدامها في إعداد المخبوزات.
مع دخول عيدي الفطر والأضحى، تجد الصنعة رواجًا، أيضا خاصة من الأهالي الذين يحرصون على الاستعداد للاحتفال بالعيد بإعداد المخبوزات، مضيفا: خلال الفترة الأخيرة الركود أصاب المهنة بسبب ظروف الحياة التي أصبحت صعبة والغلاء الذي طال الجميع، وقلت نسبة إقبال المواطنين، على تلك المصنوعات اليدوية، التي كانوا يقبلون عليها سابقا.
وتابع أنه نجح من خلال مهنته البسيطة في تعليم بناته الخمسة وحصول أغلبهن على مؤهلات عليا، وإتمام زواجهن، مشيرا إلى أنه لا يستطيع التخلي عن مهنته رغم محاولات أبنائه لتركها، خاصة بعد إصابته بالأمراض وكبر سنه.
منذ 3 سنوات أصيب العم محمود بالمرض الخبيث في الحلق وأخبره الأطباء أن السبب في ذلك هو تعرضه لفترات طويلة للغازات المنبعثة من استخدام مياه النار والقصدير في اللحام، مشيرا إلى أنه حصل على جرعات كثيرة بالكيماوي والإشعاعات والآن يحصل على علاج شهري من مستشفى الأروام بالأقصر، والذي يسافر إليه شهريا للحصول على العلاج مجانا.
مأساة صانع أواني الصفيح لم تتوقف عند إصابته بالسرطان، فمنذ فترة ليس طويلة أصيب بضعف في عضلة القلب، وذهب للعديد من الأطباء لكن دون جدوى، مؤكدا أن أمنيته الوحيدة هي العلاج من الأمراض التي تنهش في جسده الضعيف، وتوفير كشك صغير يمارس فيه مهنته التي عشقها منذ صغره.