رحلة مع الصمت

الموت هو الحقيقة الوحيدة في حياتنا، الجميع ستأتي ساعته، لا يفرق الموت بين كبير وصغير ولا مريض وصحيح الكل سوف يموت.

أنتظره مثل باقي الكائنات، كل لحظة أجده قريبا مني يهمس أنت مستعد، هل تجهزت بزادك للرحلة الطويلة، أم غفلت عنها ونسيتها؟، أقف مذعورا لا شيء معي لا زاد ولا زواد فكيف أسافر معك الآن أرجو أن تتركني لأجهز عدتي.

نحن لا ننتظر إذا جاء الأجل فلا مفر 

من هذا النداء الذي يطاردنى ؟ ولماذا عليّ أن أموت الآن؟ لم أحقق الكثير من أحلامي سرقتني قسوة الحياة ومتاعبها، لم أهنأبعد، لم أسافر إلى الأقصر وأسوان تلك الرحلة التي تمنيتها حيث أقابل حتشبسوت ورمسيس وأزور قبر توت عنخ آمون وأمشي على حذر في وادى الملوك، لم نسافر إلى رحلة الحج التي نعد لها منذ سنتين اتركنا حتى نتطهر من ذنوبنا، اتركنا لنولد من جديد. 

أرجو أن تنتظر يجب أن أذهب لأطلب السماح من أبي وأمي وأشهدهما أمام الله أنهما راضيان عني، لم أدخر جهدا في رضاهما ولكن أريد أن يطمئن قلبي، أريد أن أحتضن أمي وأسمع همهمات دعائها لي فأنا ابنها البكري قالت: إنني أول فرحتها، ويناديها أهل القرية باسمي، أنا معها طوال الوقت.

هل تعلم أنني أشبه أبي كثيرا الجميع يقول ذلك القريب والغريب كل من رآنا معا يقول نحن إخوة، فأبي ما زال شابا برغم كبر سنه وأنا صرت عجوزا بفعل حكايات الزمن معي، عليّ أن أطلب الصفح منهما فرضاهما من رضا الله، كيف أذهب إلى الله وهم يحملان أي غضاضة في نفسيهما، خذوا كل ما أملك سأتصدق بالأموال إلى المحتاجين، أتعرف أمي تريد الذهاب إلى الحج ولم أستطع أن أجعلها تذهب اترك لي الفرصة لأحقق لها أمنيتها.

لا وقت قد قرب الأجل وأنت ما زلت تعبث، ما زالت عصبيتك تؤذيك، ويتأذى منها من تنفعل عليهم، إنهم يتمتمون في سرهم يلعنونك في الخفاء وبين بعضهم البعض.

أنا لم أفعل شيئا حتى أنال كل تلك اللعنات، كنت أخلص في عملي، كنت أتمنى لبلدي كل الخير، لم أغتصب شيئا من أحد، ولم أسعى إلى إيذاء أحد مطلقا، تركت الأمور لله، وعلمت أن الثواب والجزاء لديه، لم أخضع لصاحب سلطان، لم يستهوني منصب حتى أغير مبادئي، أحصد تلك اللعنات لأنني أردت أن أكون سويا مستقيما.

أنا ليس لدى ذنب، صحيح أن الموت لا يغفر الذنوب، بل يعجل الحساب، لكن اترك لى وقتا أسلم أوراقى، أعانق زوجتى العناق الأخير، أقول لها كم احببتك، صحيح هي لم تفهمنى أحيانا وكانت تجادلنى وتدافع عن موقفها وأرائها وكنت متفهم ذلك، لكنها طيبة،لا تتحمل صدمات الحياة وسيكون فراقى لها صدمة عنيفة ستطيح بها أعلم ذلك صدقنى ستنهار،قلت لها مرار سأرحل عنك عما قريب فلا تجزعى وتتألمى، أوصيتها ان أدفن فى قبر بناه والدها حتى أكون بعيدا وينسانى الناس جميعا لكن هى لن تنسانى، تركت معها كثير من الذكريات، طبعت لها صور كثيرة تجمعنا، سأكون معها في كل مكان تذهب إليه لأنني كنت هناك سترانى واراها.

لابد أنها قالت لوالدي رغبتي بأن أبقى هناك بعيدا ويسمح لها بأن ادفن حيث أردت.

ما لي أرى أمي ينفطر قلبها اليس لديك رحمه أيها الموت تأخذني منها، أنا كبيرها 

ارحم أبى الرجل الكبير لم يعد يقوى على السير لم يستطع ان يودعنى الى القبر لم يحضر غسلى وتكفينى.

حتى أخى قتله الظلم وهو حى يقف بعيدا لا نرى له أثر مجرد ظل او سراب يأتى ويختفى حتى خنقة ظلم بنى الإنسان لن يقف يحصل على عزائى فأنا أكبر منه، تعلم كنا نتناقش فى السياسة والدين والفن والكرة ولم نختلف برغم خلافنا الفكري، ولكن عتمة تلك الأيام هدمت كل الحوائط بيننا،أعلم انه لن يأتى ولن يسمحو له أن يأتي ولن يكون لي نصيب فى أن أراه.

الوقت يمر وبدأ ينفذ ولم تفعل شىء تتحدث فقط وعيونك تملأها الحيرة والغضب أتعرف كم عمرك الآن ؟  أتدرى أن قلبك لم يدخله الرضا؟ وانك قررت أن تبتعد عن الناس وتعيش فى عزلة اختيارية، تركت كل شىء تحبه بترددك وخوفك وقلقك، كنت تتكلم وتثرثر في غرف مغلقة، وتتلعثم أمام الناس، ضيعتك عينيك في القراءة ووقتك فى البحث عن لا شيء.

كانت أمامك الفرص لتحظى بكل ما تريد تستمتع.

أنت شيطان ولست ملك الموت من جاء بك الى هنا في هذا الوقت؟ أتريد ان تذهب بي الى الجحيم لقد انجذبت الى غوايتك مرات واستغفرت الله واعلم ان الله غفر لى نعم اعلم فجرمي كان هين فاذهب عنى الان لا مكان لك معى اعوذ بك ومن غوايتك.

أين أنت أيها الموت فلتخلصني قبل أن يجرنى فى طريق الضلال، أنا ليس لي ذنب ولن أستمع إلى وسوسته، لم أعبث، وعشت في رضا كامل بقضاء الله وقدره، لم أخاف على رزق ولم أجزع لابتلاء قدره الله لي، كنت أسعد عند مرضي نعم كنت أكون سعيدا فالله معي يعودني، صحيح هناك تقصير برغم أنني لم أترك فرض من الصلاة ولكنني كنت قليل الذهاب الى المسجد هذا حقا تقصير مني لكنني جاهز للرحلة نعم أنا جاهز.

الأن تموت

لكن أجعلني أرى بعد موتى من يغسلنى؟ من يبكى ؟ من حملنى إلى قبرى؟ من جاء يحضر عزائى ؟ من أرسل برقية عزاء ؟

ماذا يفيدك من كل هذا الهراء انت اليوم ذاهب الى لقاء الله العادل،اليوم ستقوم قيامتك، تعرف اين المستقر اما جنه او الى نار.

سامحنى مازال معى من الدنيا بصيص سأتركه الآن وانسى،سيكون كل تفكيرى الأن فى لقاء ربى.

لكن لماذا يجرون بالنعش إلى القبر ؟

لماذا لم تنفذ زوجتى وصيتى وأرسلونى إلى قبر بناه أبي؟

لم يعد يفيد كل هذا

قل لى:هل القبر ظلام ؟ هل ضغطه القبر تفتت الضلوع ؟ هل هناك ثعبان ؟ سأجاوب على سؤال الملكين فقلبي موقن بالإيمان، ستلف روحي في رداء أخضر يصعد الى السماء معي كل حسناتي وسيئاتي ستمحى، سآخذ كتابى بيمينى، ورحمة ربى فوق كل هذا تنصرنى، وشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من نصيبى، سأنتظر رحمة ربى، ودعاء أمى وأبى وصديقى وسيدة عجوز لا أعلم اسمها تدعو لى .

تعلم عندما كانوا يصلون الجنازة على كانت روحى تطوف المسجد وهناك وجدت صديقى الصدوق يبكى ودموعه تبلل لحيته رأيت فى عينه الرجاء وهو يطلب من الله لى الرحمة.

لكنهم تركونى وحدى وعادوا إلى حياتهم، تذكرونى بعض الوقت في تسامرهم، انتهى العزاء وأصحبت اليوم وحيدا لا أنيس معي، لكن مازالت أختى تبكينى كانت سرى وجهرى هى لن تبوح بشىء ستتذكرنى دوما وتبتسم.

حاولت فى تلك الحياة أن يكتبنى التاريخ لا أن أكتب على شاهد قبر هنا يرقد فلان الفلانى لكنى سعيد فى رحلتى القادمة الطويلة الأبدية فلا انتهازيين ولا منافقين، لا كذب وافتراء هنا سأقابل كل ما احببتهم حتى في خيالى.

تعرف أننى فى وقت رأيتنى أحمل سيفا وأقف فى غزوة بدر وأحد وفتحت البلاد مع خالد بن الوليد نعم رأيتهم جميعا، وقفت أمام قبر الرسول في المدينة والصحابة عمر وأبا بكر كانوا هنا يتجولون، وكان الرسول يخطب في المسجد والصحابة يستمعون، شاهدت بيته وبيت أمهات المؤمنين، وفى الطريق إلى مكة وفى شعابها وفى الغار نعم عشت معهم وأنا لم أراهم اليوم فقط أستطيع أن أراهم.

حسابك بين يد الله هو الرحمن الرحيم هو الغفور الكريم له الأسماء الحسنى فادعو الله أن يحاسبك برحمته وليس عدله.

وإنا لله وإنا اليه راجعون