هل من الشجاعة أن تجبُنَ ساعة؟
حقيقة مُسلم بها أن الجرأة والشجاعة أمر مُكتسب وليس فطريًا وأن الشُجاع محط أنظار وتقدير الجميع، ولكن المتأمل في هذا المثل "من الشجاعة أن تجبن ساعة" يُدرك على الفور ترسيخ صفة الجُبن والتخاذل، ولكن الحقيقة أن الجُبن فى مواقف ولحظات بعينها مطلوب ولا يُعد جبنًا بل هو كامل الشجاعة وأصلها، فالجبن في عدم الرد مطلوب لأجل إبقاء الود والحفاظ على استمرار العلاقات، ومطلوب أيضًا كنوع لبناء جسور قوية بين الناس في مختلف المواقف.
ليس جُبنًا إذا أغفلتَ وتغافلت عن زلات أحدهم، وليس جبنًا إذا أدرت ظهرك عن حديثٍ قد تكون عواقبه وخيمة كسفك دماءِ أو قطيعة رحم أو خصومة ومشاحنات، لأن هذا كله يُعد تغافلًا وهى صفة أصيلة فى كل مَنْ تربى ونشأ نشأة قويمة بعيدًا عن الصراعات والتشاحنات، فالتأنى في الردود والأفعال قمة الشجاعة والصمت في مواضعه الأصيلة ليس جبنًا لأن الكلمة نور وبعضُها قبور.
والمتغافل هو إنسان وصل إلى مرحلة ناضجة من ضبط النفس والتفكير في عواقب الأمور لذا فالتغافل فن ومهارة لا يمكن الوصول إليها إلا بعد تدريب وخبرة، علاوة على ذلك فالمهتم بزلات الآخرين وأخطائهم أرهق نفسه وأتعب من حوله. فالصمت ليس انطواءً، والتغافل ليس عيبًا، والتسامح ليس ضعفًا، والجبن حسب موقفه وتوقيته ليس خوفا أو عكس الشجاعة بل قوة أن تشجع على نفسك وتردها عما يُوردها مواطن الهلكة إلى مواطن الفوز والنجاة.
والناظر في مُجريات الأمور من حولنا يجد جرائم لاحصر لها كفتاة تقتل حماتها لرفضها تزويجها ابنها، أو مصرع شاب على يد زميله بسبب 20 جنيها، أو فتاة تتخلص من والدتها بمساعدة عشيقها بعدما شاهدتهما الأولى فى وضع مخل، وأخ يقتل شقيقه مُستخدمًا مقصًا.. إلخ، كلها أحداث وحوادث تنم عن تهور وجنون وغلبة للشيطان تحت مسمى شجاعة وهمية فى الانقضاض وقتل نفس حرم الله تعالى قتلها إلا بالحق، إذن فماذا تبقى من أخلاق الناس؟
وأخير، الشجاعة ليست غياب الخوف وإنما القدرة على التغلب عليه وعدم الدخول في جوالات عقيمة وعديمة النفع تستنزف قواك وتصيبها بالخوار والضعف تحت مسمى "شجاعة " فلنمتثل لقوله تعالى: "واعرض عن الجاهلين" فهلاّ عُدنا إلى ديننا الحنيف وقيمه ومبادئه.
حقًا، من الشجاعة أن تَجبُنَ ساعة.