إدمان وسائل التواصل الاجتماعي والصحة النفسية
لا شك أن التقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ساعد على اتساع نطاق استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، فهذه الشبكات يستخدمها الأطفال والراشدون والمتقدمون في العمر، بالإضافة إلى كافة طبقات المجتمع، فقد كشف تقرير صادر عن موقع We are social في أبريل من العام الجاري، أن عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أصبح 4.65 مليار، أي بنسبة 58.7 % من إجمالي سكان العالم، وأن 9 من أصل 10 من هؤلاء المستخدمين يدخلون إلى هذه المواقع من خلال أجهزة الهاتف المحمول.
ورغم الدور الإيجابي لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي في مجال الاتصال الإنساني، إلا أن هذا الدور رافقه العديد من السلبيات الناجمة عن فرط استخدامها، حيث ظهرت مؤشرات "إدمان شبكات التواصل الاجتماعي" وصاحَب ذلك العديد من الآثار النفسية السلبية، مثل الشعور بالوحدة، والاكتئاب والتوتر والقلق والإجهاد والحزن والصراعات الداخلية، وغيرها.
ويمكن تعريف إدمان شبكات التواصل الاجتماعي بأنه حالة نظرية من الاستخدام المرضي لشبكات التواصل الاجتماعي، والذي يؤدي إلى اضطراب في السلوك، وهو ظاهرة قد تكون منتشرة تقريبًا لدى جميع المجتمعات في العالم بسبب توافر الحواسيب وتوفر الانترنت.
ولإدمان شبكات التواصل الاجتماعي أنواع بحسب الاستخدامات التي تمارسها عليها، فهناك إدمان المحادثة (الشات)، وهناك إدمان المنتديات، وإدمان البحث المعلوماتي، وهناك إدمان الألعاب وغيرها من الأنواع.
وأوضح العالم غريفث أن الشخص يكون مدمن لمنصات التواصل الاجتماعي إذا انطبقت سلوكياته على إحدى هذه الستة تصنيفات:
1- عندما تصبح منصات التواصل الاجتماعي هي الجزء الأهم في حياة الأشخاص.
2- عندما يستخدم الشخص منصات التواصل الاجتماعي كطريقة للهروب لأنها تشعره بالبرود واللامبالاة كتأثير الخمور.
3- عندما يزيد الشخص من الوقت المستخدم على منصات التواصل الاجتماعي تدريجيًا ليحافظ على شعور الهرب.
4- عندما يشعر الشخص بمشاعر سيئة وأحاسيس جسدية في حالة عدم تمكنه من استخدام منصات التواصل الاجتماعي.
5- عندما يسبب استخدام منصات التواصل الاجتماعي المشاكل في العلاقات الشخصية وفقدان الرغبة في المشاركة في أنشطة أخرى، ويصبح ذلك غالب على حالة الشخص.
6- عندما يشعر الشخص المدمن سابقًا بالرغبة في العودة لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي بنفس النمط المفرط السابق.
ولعل من أبرز الآثار النفسية والصحية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي حدوث ما يعرف بالهزة النفسية Technostress التي تُحدث القلق والغضب والانطواء على النفس، نتيجة قضاء وقت طويل في البحث والتواصل عبر الشبكات الاجتماعية، بالإضافة إلى الإصابة بأمراض الاكتئاب، حيث أشار مسح وطني أجراه فريق بحثي بقسم بحوث الإعلام والتكنولوجيا والصحة في جامعة بيتسبرج بالولايات المتحدة الأمريكية، أن المقارنات الاجتماعية التي يجريها مستخدم هذه المواقع مع أصدقائه الافتراضيين غالبًا ما تدفعه إلى رفض عالمه الواقعي بكل مفرداته الاجتماعية ليصاب بحالات الاكتئاب المزمن.
وفي دراسة أجراها Perloff، عام 2014، حول العلاقة بين استخدام الفتيات لمواقع التواصل الاجتماعي وظهور اضطرابات الخوف والقلق المزمن من الرفض الاجتماعي لديهن، خلصت الدراسة إلى أن هذه المواقع بما تقدمه من محتوي يرسخ الصورة المثالية لجسد المرأة يمثل أحد الأسباب الجوهرية لارتفاع مستويات الخوف لدى مستخدماتها من رفض الأصدقاء عبر هذه المواقع لصورة أجسادهن.
على الجانب الآخر، تجمع مواقع التواصل الاجتماعي كمًا كبيرًا من الناس من أجل التواصل الاجتماعي وتساعدهم للظهور، كما أنها تعمل بشكل افتراضي مما يوسع دائرة واستراتيجيات تضخيم الذات وإبرازها وهي النقطة الأساسية لنشوء النرجسية عند مختلف الأفراد المستخدمين لهذا النوع من المواقع، كما أن الظهور الشخصي على المواقع تعتبر وسيلة للظهور لدى النرجسيين من أجل تضخيم ذاتهم وإظهار أنفسهم بشتى الطرق على هذه الموقع
ورغم كافة الآثار السلبية التي يسببها إدمان الشبكات الاجتماعية والتي تم ذكرها فيما سبق، إلا أن الوعي تجاه القضايا المتعلقة بالآثار النفسية السيئة لإدمان شبكات التواصل الاجتماعي يزداد يومًا بعد يوم، فقد تعاونت مجتمعات تقنية وطبية لتطوير حلول جديدة، فعلى سبيل المثال أصدرت شركة أبل تطبيق طرف ثالث يعرف بـ"وقت الشاشة" وأدرجته في هواتفها كجزء من تحديثها في النسخة الثانية عشر (IOS 12)، وطورت شركة تقنية ألمانية هاتف أند رويد مصمم خصيصًا لكفاءة وتقليل وقت الشاشة، وأصدرت نيوز كروب طرق عديدة لتقليل وقت الشاشة، كما أن هناك العديد من الدورات في بعض البلدان للتدريب على السيطرة على استخدام وسائل التواصل والتدريب على الاستعمال الآمن لها وهناك تطبيقات على الإنترنت تساعد المستخدمين على ذلك.
وأخيرًا.. نحتاج لكي نتعافى من الآثار السلبية لاستخدام مواقع التواصل أن نحافظ على تعددية وتكامل أنشطتنا الحياتية بحيث ننظم أوقاتنا بين أنشطة رياضية وأخرى ثقافية وثالثة اجتماعية ورابعة روحية وخامسة إلكترونية وسادسة ترويحية وهكذا.. حتى لا نقع في فخ إدمان وسائل التواصل الاجتماعي فتبتلع كل وقتنا وجهدنا واهتمامنا فتدمرنا ونحن في حالة سكر إلكتروني خادع.