الحب اللي كان
في سنة 1990 وفي واحدة من أكبر وأهم مستشفيات نيويورك كان الدكتور "ريتشارد باتيستا" من أكتر الدكاترة اللي ليهم شعبية وصيت في المستشفى سواء بين المرضى أو باقي الدكاترة أو حتى الإداريين.. السبب الأساسي لكده غير كفاءة "ريتشارد" الطبية طبعًا كان إنه شخص مخلص لعمله فوق الوصف.. راجل بيروح كل يوم قبل ميعاد الحضور وبيمشي بعد ميعاد الانصراف.. أو خلينا نقول على وجه الدقة هو راجل بينسى الزمن تمامًا بمجرد ما بيخطّي عتبة باب المستشفى.. في كل مكان هتلاقي د."ريتشارد".. هتلاقيه في العمليات، وهتلاقيه في غرف متابعة المرضى، وهتلاقيه بيواسي أسرة فقدت أحد أفرادها وهما منهارين قدام غرفة العمليات، وهتلاقيه في الغرفة المخصصة للأكل بيهزر ويضحك من ده ومع دي أو وارد يكون واقف بيحط الأكل في الأطباق بمنتهى المرح للي عايز، وهتلاقيه برضه في غرفة الممرضات أو غرفة الدكاترة عشان بيعمل عيد ميلاد لحد منهم.. إنت حتى لو احتجت د."ريتشارد" عشان تفضفض معاه هتلاقيه موجود وبيسمع حتى لو ماكنش فيه بينك علاقة!.. يعني وارد وعادي جدًا تلاقيه قاعد في الكافيتريا مع محاسب المستشفى بيسمع منه مشكلة عاطفية وبياخد رأيه فيها يتصرف إزاى!.. شخص لطيف، وعملي.
وصاحب كاريزما بشكل مش بيتكرر كتير.. محبته لشغله بالشكل ده خلّته مع الوقت ينسى نفسه وحياته الشخصية.. مفيش جواز.. أو مفيش وقت أساسًا إنه يختار واحدة يتجوزها!.. بس ولإن القدر محدش يقدر يمشيه على مزاجه خبط النصيب على بابه حتى وهو واقف مكانه!.. لحد ما ظهرت "دانويل".. ممرضة شابة انضمت للمستشفى من فترة بسيطة في أواخر 1990 وبسرعة وبسبب وجودها في نفس القسم بتاع "ريتشارد" قدر يتعرف على شخصيتها عن قرب أكتر.. مشاعره ومشاعرها اتحركوا بسرعة كبيرة واتحولت لحب حقيقي كان الاتنين متفقين إن الجواز هو نهايته المنطقية.. حصل فعلًا واتجوزوا.. حياة سعيدة ومثالية استمرت لمدة 11 سنة مافيهاش غلطة واحدة من أي نوع.. حاجة كده زي اللي بنقراها في الروايات وبنحلم نكون طرف من أبطالها في يوم من الأيام.. في بداية سنة 2001 أصيبت "دانويل" بفشل كلوي حاد وتطلب الفشل ده نقل كلية فورًا ليها وإلا حياتها هتبقى في خطر!.. بدون تردد قرر "ريتشارد" إنه يتبرع لها بكلية من الكليتين بتوعه.. تصرف طبيعي ومنطقي بسبب الحب والعِشرة الطويلة بينهم.. اتعملت العملية وبقى فيه جزء من "ريتشارد" في جسم "دانويل" وبسببه بعد إرادة ربنا حياتها كملت.. بدأت صحة "ريتشارد" يحصل فيها تأثر طفيف آه مش مأثر على أي حاجة في حياته من أي نوع لكنها قللت شوية من انطلاقه وحيويته اللي كانوا أكتر حاجة بتميز شخصيته!.. في سنة 2003 وبعد العملية بسنتين كاملين بدأ "ريتشارد" يحس إن "دانويل" بتتغير.. آه بالمناسبة أي طرف بيحس بسهولة بأي تغير يحصل في شريكه حتى ولو تغير بسيط.. إحنا مش بس بنشوف النتيجة النهائية للتغير ده لأ إحنا بنكون ملاحظين كل مراحله من أول ثانية بس فيه اللي بيعمل نفسه مش شايفه وفيه اللي بيتعامل معاه وفيه اللي مش بيفرق معاه لإنه عارف إننا كده كده مش هنكمل.. المهم إن "ريتشارد" حس بتغير "دانويل" لما بقت تخرج في أوقات غريبة خلال فترة الشغل بدون ما تقول.. ولما بيسألها كانت بتتحجج بحاجات غريبة ومش حقيقية.. بطبيعة شخصية "ريتشارد" اللي بتسيب مساحة حرية لكل الناس ماكنش بيحب يضغط عليها وكان بيفسر ده إنها ممكن تكون محتاجة تختلي بنفسها شوية.. يوم عن يوم تغير "دانويل" بيزيد لحد ما بتحصل لحظة مواجهة غريبة بين الاتنين.. "دانويل" قالت لـ "ريتشارد" إنها عايز تنفصل عنه!.. إيه؟.. طب ليه؟.. "دانويل" كانت بتحب واحد زمان قبل ارتباطها لـ "ريتشارد" وسابها ومشي وهي عشان تلخم نفسها وتخرج من آثار الصدمة راحت اشتغلت في المستشفى وقابلت "ريتشارد" وحبته واتجوزوا لكن من فترة بسيطة بعد عملية نقل الكلى قابلت بالصدفة حبيبها الأولاني ومشاعرها القديمة صحيت والحبيب الأول بمنتهى الحقارة هو اللي شجعها على طلب الانفصال عشان يتجوزوا وهي طاوعته وطلبت كده من "ريتشارد"!.. الموضوع كان صادم وقاسي على "ريتشارد" اللي لا هي ولا غيرها شافوا منه أي سوء طول حياته وكان بمثابة حكم إعدام لكل شيء نبيل صدر منه أو شخصية طيبة اتعاملت بحب مع كل اللي حواليه!.. حاول معاها.. رفضت وصممت على الطلاق.. رفعت قضية عشان تتطلق منه والسبب المعلن في القضية إن صحته بقت متأخرة وبقى محتاج رعاية من نوع خاص هي مش هتقدر توفرها له.. أثناء المحاكمة وقف "ريتشارد" قدام القاضي وأعلن أنه مستعد للكشف الطبي عليه لإثبات أن كلامها غير صحيح لكنه في نفس الوقت أعلن موافقته على طلاقها بشرط إنها ترجع له الكلية بتاعته اللي اتبرع بيها لـ "دانويل" أو لو مش هتقدر يبقى تدفع له ثمنها وهي بحسب أسعار الفترة دي المتداولة مليون ونص مليون دولار!.. طبعًا العرض كان صادم وأثار استغراب كل المتابعين للقضية بتاعتهم، وحاولت "دانويل" لما لقت الموضوع دخل في الجد والكورة بقت في ملعبها إنها ترجع علاقتها معاه بس هو رفض لإن قلبه كان اتقفل منها بشكل نهائي خلاص وكان بيقول لها جملة فضل يكررها كتير إنه ماكنش يتخيل أبدًا إنهم يقفوا قدام بعض الوقفة دي بعد الحب ده كله وإن كل المحبة اللي كانت في قلبه ناحيتها اتحولت وبضمير مطمئن لكراهية خالصة.. بسبب التأجيلات والمهلات اللي بتطلبها "دانويل"؛ حتى الآن مازالت القضية منظورة قدام المحاكم رغم إن طبيعة المحاكم الأمريكية مش بتاخد الوقت ده كله بس غرابة القصة خلّتها معلقة كل السنين دي ومن المفترض إن الحكم لما يحصل هيكون في صالح "ريتشارد" بدون شك.
في فيلم "المصير" وعلى لسان شخصية العالم "ابن رشد" قال الفنان "نور الشريف" جملة عظيمة: (لما الصديق بيتقلب على الصديق بيبقى أشرس من أعدى عدو، كإنه بياخد بتار الأيام اللي حبه فيها).. ومش في الصداقة بس لكن في كل العلاقات.. على قد المحبة الكبيرة على قد ما ممكن تتحول هي نفسها لكراهية كبيرة محدش كان يتوقع إنها تسكن نفس القلب!.. والسبب؟.. قلوبنا بتتلون من النقيض للنقيض، ومكانة الناس بتتغير فيها من فوق لتحت بسبب النمردة وقلة الأصل.. العدل الإنساني بيقول إنك زي ما شوفت مني في لحظات الود اللي يأكدلك قيمتك المميزة عندي، خلّيك مستعد تشوف العكس لما تقرر تضر شخص ماشوفتش منه أى ضرر ولا أذية ولا سوء.. بياض القلوب بيسوّد بأفعال الغير مش بالمزاج.