أرجل الفراخ و«الهِلعِز».. أكلات الأزمات..!
منذ ثلاثة أيام فتحت الثلاجة فوجدت كيس صدور فراخ وكيس آخر لتشكيلة معتبرة من «الكبد والقوانص والأجنحة والأرجل والرقاب والأدمغة» تبقت من «الزوادة» التي أعطتني إياها الحاجة «أم محمود» والدتي عند عودتي من آخر إجازة في البلد.. وقفت في حيرة من أمري أمام هذا الخيار الصعب، فصدور الفراخ المحمرة المقرمشة وتشكيلة «حوايج الفراخ» كلاهما من أحب الأكلات إلى قلبي.. وبعد تفكير عميق طبخت «تشكيلة الحوايج المعتبرة» على طريقة العبد لله.
انتهيت من طعامي وقبلت يدي ظاهرا وباطنا، وبدأت أحتسي كوب الشاي وأنا أتصفح موقع الحاج مارك المسمى بفيسبوك، وإذا بالتايم لاين قد انقلب إلى صور لأرجل فراخ محمرة وأخرى مشوية مرشوش عليها فلفل أسود وزعتر وزيت زيتون، مرفقة ببيان للمعهد القومي للتغذية يشرح الفوائد العظيمة لأرجل الفراخ، قائلا إنها غنية بالبروتينات والفيتامينات والسعرات الحرارية، حيث تحتوي الرجل الواحدة على 106 سعرات حرارية بدون الجلد، وبالجلد 176 سعرا، كما أنها غنية بالكولاجين الذي يزيد من نضارة البشرة، وتحافظ على صحة الشعر والأظفار، فضلا عن احتوائها على 158 مللي جرام من الفسفور، والمدهش أنها أكلة اقتصادية لا يتخطى سعر الكيلو منها 10 جنيهات!
المواقع والصفحات الإلكترونية سرعان ما انتبهت إلى هذا الاكتشاف العظيم لفوائد أرجل الفراخ، وبدأت تسأل خبراء في مجالات متعددة عن الفوائد المذهلة لهذه الأرجل، الذين لولا الحرج لقالوا إن لها مفعول السحر في القدرة الجنسية للرجال، وتعيد العجوز إلى فحولة الثلاثين، والمسنة إلى فتاة العشرين، وأنها قادرة على رد المطلقة وجلب الحبيب وجعله كالخاتم في أصابع اليدين، وأن شوربتها كماء زمزم "لما شربت له"!
في تلك اللحظة بدأ رأسي يلف ويدور ويطرح عليّ أسئلة لا حصر لها: لماذا ترك معهد التغذية كل أجزاء الفرخة وعدّد الفوائد الصحية للأرجل؟ لماذا لم يتكلم عن فوائد الهياكل بصفة عامة من أجنحة ورقاب وأدمغة وكبد وقوانص؟، والهياكل أكلة معروفة للطبقة الفقيرة في مصر من قديم الأزل، سعر الكيلو منها كان 15 جنيها، وبعد بيان المعهد ارتفع ل25، ولماذا لم يتكلم المعهد عن أرجل الطيور بصفة عامة من بط وأوز ورومي؟، ولماذا تطوع أصلا وفكر في هذه الأكلة كبديل اقتصادي للفراخ أو غيرها من البروتينات؟، ولماذا خرج هذا التقرير في هذا الوقت الصعب الذي يعاني منه العالم كله من أزمة اقتصادية طاحنة جراء الحرب الروسية الأوكرانية؟ ولماذا هذه الدعوة لأكل أرجل الفراخ وحدها كوجبة آدمية على مائدة أسرة محترمة؟
وفي محاولات مني للإجابة على تلك الأسئلة، فجأة قفزت إلى ذهني أكلة أخرى لكنها شديدة القذارة تسمى «الهِلعِز»، وهي أكلة عبارة عن دم يابس يخلط بوبر الإبل كانت العربُ في الْجاهِلِيَّةِ تَأْكُلُها فِي الجدب والمجاعات، وفي الحديث في دعائه عليه السلام، على مُضَرَ: «اللهم اجعلها عليه سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فابْتُلُوا بالجوع حتى أَكلوا العِلْهِزَ»، وبالتأكيد لا أقارن بين رجول الفراخ وهذه الأكلة الحقيرة، لكني لا أعلم لماذا تذكرت هذه الأكلة الجاهلية القبيحة الآن، رغم أنني لم أقرأ عنها سوى مرة واحدة منذ أكثر من 10 سنوات عندما كنت أطالع قصة إسلام سيدنا ثمامة بن أثال؟
بالتأكيد كلام المعهد القومي للتغذية عن أرجل الفراخ مبني على أسس علمية سليمة، لكن طريقة التناول نفسها من وجهة نظري خاطئة، فالناس يأكلون أرجل الفراخ والبط، بل إنني رأيت منذ أكثر من 15 عاما بإحدى القرى بالريف يلفون «مصارين البط» بعد غسلها جيدا على تلك الأرجل ويسلقونها ثم يحمرونها، بل وأكلتها معهم وكان طعمها على ما أتذكر جيدا، لكنها كانت أكلة من موروث ريفي قديم أكل عليها الزمن وشرب، واندثرت، وكانت تعد بمزاج ضمن وليمة كبيرة من «دكر بط» وأرز أشكال وألوان وأكثر من صنف للطبيخ، أي أنها لم ترتبط بغنى أو فقر أو ظرف اقتصادي أو غيره.
في النهاية أنا لا أهاجم المعهد القومي للتغذية، وإنما أريد أن يراعي الظرف الذي نعيشه، ليس الاقتصادي فحسب، بل السياسي أيضا، فبيان كهذا يفتح الباب لقوى الشر التي تجعل من «الحبة قبة»، ويستغلونه لأغراض خبيثة، كما أن الإنسان المصري بطبعه هو اقتصادي من الدرجة الأولى ويعلم أكلات لا تخطر على بال المعهد القومي للتغذية، اقتصادية جدا ومليئة بالعناصر الغذائية أيضا.