أنقذوا 57357
قابلت الأزمة الحالية التي تعانيها مستشفى 57357 بحالة من الغضب الشديد الممزوج بالسخط، فالأمر الذي حذرنا منه منذ 4 سنوات تقريبا، يحدث الآن، ويجعلنا –لا قدر الله- نكاد نفقد صرحا طبيا عظيما لطالما تصدر طليعة فخرنا بالعمل الخيري بإنجازاته في علاج سرطان الأطفال.
ففي 2018، تقدمت - بصفتي عضوا بمجلس النواب وقتها- بطلب إحاطة موجها لرئيس مجلس الوزراء ووزير التضامن الاجتماعي، بشأن ما يتم تناوله حول وجود بعض المخالفات المالية والإدارية بمؤسسة مستشفى 57357 لعلاج سرطان الأطفال، ووجود أصابع اتهام يتم توجيهها لبعض من أعضاء مجلس أمناء المؤسسة حول ارتكابهم بعض المخالفات المتعلقة بالنواحى الإدارية والمالية بالمؤسسة.
وكل ما طالبت به وقتها هو الرد على ما يتم تداوله وتوضيح موثق بالأدلة من جانب إدارة المستشفى، لأن الأمر جلل، فهناك اتهامات تخص إدارة المستشفى ووجهات الإنفاق وآليات الرقابة داخلها، تم تدعيمها بمستندات، وكان يمكن الرد عليها بشكل واقعي وفعال، لكن إدارة المستشفى وقتها تعاملت بحالة من الكَبر، وحاولت تصدير وجود حملة لهدم المستشفى وتجاهلت حتى حضور اجتماعات مجلس النواب لمناقشة القضية.
لن أخوض في تفاصيل الاتهامات التي تم توجيهها إلى إدارة المستشفى، ولكن بلا أدنى شك، مستندات الكاتب الصحفي أسامة داوود، والمقالات المتتالية التي خطّها الراحل وحيد حامد، كانت تستحق الرد والتعاطي بشكل فعلي لأنه لا يوجد أحد مهما بلغت عنده صفات الشر قد يرغب في هدم هذا الصرح.
فالجميع وقتها كان يؤكد أن الهدف من الرغبة في الإصلاح هو مصلحة الأطفال واستمرار المستشفى في تقديم خدماته وتطويره، ناهيك عن أن الإدارة الجيدة والحوكمة والمكاشفة وسد منافذ المخالفات لا يجب أن تزعج أحدا شريفا بل على العكس يجب أن يسعى هو في سبيل تحقيق ذلك.
وتناولنا الأمر في مداخلة مطولة مع الإعلامي البارز الدكتور محمد الباز حول عدم اكتراث إدارة هذا الصرح الطبي العظيم بتوضيح موقفهم تجاه ما طالهم من وقائع، محذرين أن هذه السحابة السوداء التي باتت مخيمة فوقهم سرعان ما سوف تفقدهم المصداقية ومن ثم التمويل.. وللأسف، قد كان.
أكدت وقتها أن عدم التعاطي مع الاتهامات ومواجهة نقاط الخلل لن يضر سوى بالأطفال الأبرياء وذويهم، وأنه إذا استمر الوضع كما هو عليه دون تدخّل لضبط إدارة المستشفى لن نرى تلك النهاية السعيدة التى يرجوها الجميع، وللأسف لاحت في الأفق الآن.
جزء أساسي من مشكلة مستشفى 57357 هو رئيس مجلس إدارتها نفسه، الذي مع كل انتقادات لسياسات إدارية تخص المستشفى يلجأ إلى التهديد بالأطفال ومصيرهم رغم أن الفارق الكبير ولا تضاد بين مصلحة الأطفال وإصلاح مواطن الفساد.
يقينا لن يترك المصريون هذا الصرح لمصير تدفعنا إلي إدارة المستشفى، وبدا ذلك واضحا من حملة التضامن والدعوة لمزيد من التبرعات لمواجهة نقص الإمدادات وموارد المستشفى، ولكن ذلك لا يجب أن يعفي الإدارة من مسئوليتها، لأنه في تقديري أن هذا التوقيت يحتاج إلى إدارة جديدة وفعالة لا غبار عليها.
وما زاد اعتقادي بأن السبيل الرئيسي للحفاظ على المستشفى قد يكمن في تغيير في إدارتها، هي التصريحات المتلفزة لرئيس مجلس إدارتها، التي تحدث فيها عن الأزمة، وأرجع سببها إلى ما أطلق عليه الحملة ضد المستشفى، وأن الله هو الرقيب على إدارة المستشفى!
لا خلاف حول أهمية المستشفى ودوره ومعدلات التطوير ونسب الشفاء المرتفعة، وكل شيء ولكن ذلك لا ينفي ضرورة الإصلاح الإداري وتعميق الرقابة على كل شيء لمنع منافذ المخالفات ومكاشفة الجمهور بالحقيقة.
وتحضرني مقولة الكاتب والروائي دوستويفسكي: لا يغيظني الوقوع في الخطأ فهو شيء يمكن التسامح فيه، وهو شيء رائع لأنه يؤدي إلى الحقيقة، ما يغيظني هو الإصرار على إنكار الأخطاء.