محمد فؤاد يكتب.. وربما تتغير "الأحوال"
ها نحن ذا أخيرًا أمام مشروع قانون للأحوال الشخصية تم إعداده من قبل الحكومة، وهو ملف غاية في الأهمية وله أولوية حياتية، فالأسرة في مجتمعنا وصل بها الحال إلى درجة من التهلهل تستدعي تدخلا حاسما دون إرجاء أو تباطؤ.
ومنذ 2017 تقريبا والحكومة تعد بإرسال مشروع قانونها للأحوال الشخصية إلى مجلس النواب، وكان ذلك سببا في إرجاء مناقشة أي تعديلات مقدمة من النواب، ومنها مشروع قانوني الذي قدمته في الدورة الأولى للمجلس.
لكني الآن لست بصدد مهاجمة تأخر الحكومة كل هذا الوقت أو الإشارة إلى أسباب وشخصيات متعددة يدّها عمدت تأجيل المناقشات، فالخير هو أن الحكومة أتت، وحركت مياها راكدة في هذا الملف منذ عقود، نأمل أن تجلب معها نفعًا، لا مزيدا من الأزمات للأسرة.
ولقد استحوذ هذا الملف على جلّ اهتماماتي خلال عضويتي لمجلس النواب في الدورة الماضية، وبذلت في سبيله مجهودا ضخما للغاية بداية من جولات ميدانية في غالبية المحافظات للاستماع إلى المتضررين، ثم مجهودا تشريعيا في إعداد مشروع قانوني، ثم مجهودا أكبر في إبرازه إعلاميا وتقديمه لمجلس النواب والاستماتة في سبيل بدء المناقشة.
فاستعنت بكل شيء متاح حتى أصل إلى مشروع متكامل يعالج إشكاليات القانون الحالي ويحمي المجتمع من أضراره التي لا تخفى عن أحد، معتمدا على أبحاث ودراسات ومقارنات مع الحال في دول أخرى ومشاركة من خبراء متخصصين في الطب النفسي والاجتماعي وأساتذة قانون ودستوريين، وصولا إلى جلسات نقاشية مكثفة وورش عمل للوصول إلى أفضل صياغة ورؤية ممكنة.
وللأمانة قد ساعدني في هذا الملف زخما مجتمعيا يئن من القانون الحالي، ومجموعات ضغط قوية وأصدقاء ورجال قانون وأحزاب قد لا يتسع المقال لذكرهم جميعا لكن وددت أن أخص روح المرحوم الدكتور محمد الوقاد تحديدا الذي توفاه الله قبل أن يرى ثمرة مجهود كبير بذله من خلال مجموعة تمرد ضد قانون الأسرة.
ومن المطالعة المبدئية لملامح مشروع قانون الحكومة الذي أعدته وزارة العدل، يتضح أننا أمام رؤية جيدة اقتربت من نقاط الخلل في القانون الحالي وحاولت قدر الإمكان أن تصلح.
أينعم، لا يوجد منتج نهائي يمكن الحكم عليه وتقييمه حتى الآن، ولكن على الأقل هناك بشائر مستحسنة أعطت مزيدا من الأمل عند المتضررين من القانون سواء طرف الرجل أو المرأة.
ومن ذلك بالطبع تقديم ترتيب الأب إلى المركز الثاني في الحضانة والتي تأخذ في الاعتبار حقوق أرامل مصر من الرجال والحديث عن تنظيم الاستضافة وحفظ حقوق المرأة ف وتوثيق الطلاق الشفهي وتسريع وتيرة التقاضي في قضايا الأسرة.
لكن لا يوجد مناص من بعض المطالبات التي نتجت من الحوار المجتمعي الممتد حول القانون، وأبرزها وتوضيح آليات سقوط الحضانة عن الطرف الحاضن وإعلاء مصلحة الصغير في رعاية مشتركة له من كلا أبويه.
بلا أدنى شك لن يحصل أي منتج أبدا على رضا الجميع خاصة ونحن أمام حالات متفاوتة في الخلاف وتشابك مستمر بين طرفي القانون، لذا فالحل الأمثل الذي يجب أن يكون إعلاء مصلحة الصغير كاعتبار أولي، ثم الموازنة بين حقوق الطرفين وأسرتيهما.
أتمنى ألا تطول فترة إعداد مشروع القانون وأن تُجرى حوله جلسات مكثفة وسريعة للنقاش والحوار المجتمعي، حتى يتم إقراره سريعا لإنقاذ ما يمكن وخلق بيئة مناسبة تنعم فيها الأسرة بالاستقرار.
ولا أجد ختاما مناسبا سوى مقولة النائب أحمد السجيني، في إحدى جلسات اللجنة التشريعية لمناقشة القضية: المجتمع الذي لا يستطيع مناقشة مشاكله هو مجتمع عاجز.