أصوات ووجوه قاهرة المعز منذ 100 عام.. سلسلة أرواح في المدينة تحكي التاريخ المصري وتجعله نابضًا بالحياة
أرواح هائمة في فضاء المدينة.. تنتظر من يلتقطها ويُخرجها للنور.. تحلق منذ ما يزيد عن 100 عام، ولا يربط بينها سوى الانتماء لهذه المدينة التي حفظ المخلصون تراثها وتناقلوه فيما بينهم جيلًا بعد جيل حتى وصل إلينا، وأحيانًا يعلو غبار هذا الإرث، وربما يندثر تحت الرُكام، لكن الأرواح تظل هائمة في سماء المدينة، حتى قرر محمود التميمي؛ استحضارها والتقاطها ليلضمها معًا في سلسلة بعنوان «أرواح في المدينة» تحكي عن القاهرة من أرشيف الصحافة المصرية في 100 عام، لتعلن تلك الأرواح نفسها في مشروع أشمل باسم القاهرة عنواني.
في تنويعة رائعة بين أحداث وشخوص وأماكن القاهرة القديمة؛ روى الكاتب الصحفي محمود التميمي خلال حديثه لـ القاهرة 24، قصة مشروعه القاهرة عنواني، والذي هو مشروع ثقافي مختلف عما شهدناه من قبل، فالغرض منه هو إعادة توظيف التراث الحضاري المصري بطريقة عصرية مناسبة للأجيال الجديدة، بما يضمن التأثير الحضاري في شخصية الإنسان، وتأثير يكون له دورٌ في تغيير عادات الناس عن طريق التنقيب في الأصول التي قامت عليها المجتمعات المصرية فيما مضى، فندرك طبيعة مشاكل الحاضر بمعرفة ما جرى في الماضي، والتأثيرات التي تركتها أحداث الزمن على الشخصية المصرية.
«القاهرة عنواني» من خلال أرواح في المدينة؛ تسرد حكايات عن قصص المصريين في كل شهر في اليوم المماثل لرقم الشهر، وفي اللقاء الأخير يوم 1 يناير؛ حكت «أرواح في المدينة» عن أحداث عام 1922، سواء كانت سياسية أو فنية أو تاريخية، البعض منها غير معروف، وتم الكشف عنه لعدد كبير في هذا اللقاء لسلسلة أرواح في المدينة، كان أبرزها اشتراك الفنانين المصريين في أفلام إنجليزية ومكسيكية وغيرها، ومنها فيلم إخناتون ونفرتيتي للفنان صلاح ذو الفقار، الذي قدّم دور حور محب باللغة المكسيكية، ولم تُعثر على نسخ منه حتى في المواقع المكسيكية، وكذلك ظهور الراقصة سامية جمال في الفيلم الأمريكي الشهير Valley of the Kings عام 1954.
تلك الأعمال التي أصبحت منسية؛ كانت بمثابة مفاجأة كبيرة، وكذلك بعض المجلات التي اندثرت، ولكن يوجد منها بعض النسخ المتهالكة التي تم عرضها، فضلًا عن الأصوات التي تسمعها، وكانت متواجدة منذ 100 عام، حيث أن المشروع بمثابة رحلة طويلة في قلب التاريخ المصري، تعود بعدها إلى ما أنت عليه الآن.
ويهدف المشروع إلى إعادة اكتشاف الشخصية المصرية، من أجل الوصول إلى الجذور الحقيقية المخبأة أسفل ركام مُتعلق بنا، حيث أن الثفاقة التي فرضت نفسها في مصر الآن من حيث السلوكيات والطريقة التي يتبادل بها الناس الحديث أو حتى بعض الفنون الطارئة؛ غير نابعة من الشخصية المصرية، ومثلما تقوم الدولة بإزالة العشوائيات؛ يحاول التميمي من خلال مشروعه، بإزالة عشوائيات النفوس والأرواح، ونفض الغبار عن الطبقة الأصلية للشخصية المصرية.
أرواح في المدينة
يستحضر التميمي خلال لقاءاته أصوات وأرواح منذ 100 عام، ويثبت من خلالها، أننا المجتمع الوحيد الذي إذا عاد إلى الوراء يتقدم، ومن ضمن هذه الأرواح كان صوت الشيخ مصطفى إسماعيل أو البابا شنودة، وهم يضحكون ويلقون النُكات التي تعتبر أهم سمات الملامح المصرية.
يعود التميمي إلى ما قبل إطلاق مشروع القاهرة عنواني وأرواح في المدينة، ويتحدث عن فكرة هذا الوجه، والغرض من نشر صورة معروفة لشخصية ما ظهرت في السينما والدراما وعلقت بوجداننا، لكن لا نعرف اسم الممثل الحقيقي، مثل عشماوي في ريا وسكينة، والتي نعرف بعدها أنه الفنان حافظ أمين.
بيت المعمار المصري.. كان بداية انطلاقة القاهرة عنواني، والغرض من اللقاءات به، هو تسليط الضوء على رموز القاهرة الراحلين الذين هم أكثر من الأحياء بكثير لذلك أُطلق عليهم أرواح، وكانت القاهرة بالتحديد، لأنها خزانة التاريخ المصري، وعبارة عن نسيج من قماش نُسج من كل خيوط المدن المصرية.
والعودة إلى الماضي تحمل في طياتها كل ماهو جديد، وكان من أكثر الأشياء القديمة مُفاجئة وتأثيرًا ملف التعليم، حيث كان الطالب المصري قبل 100 عام مؤهلًا ليدرس في أي دولة دون تعقيدات أو معادلة، وكانت شهادته من مصر مصدر فخر، وأبرز مثال على ذلك هو خبر بمجلة المصور عام 1926 عن الآنسة ذكية سليمان، البالغة من العمر 30 عاما، وهي مدير روضة أطفال قصر الدوبارة، وتحكي القصة حينما جاء الهنود إلى مصر لدراسة النهضة المصرية؛ زاروا مدرسة الدوبارة وتفاجئوا بالنظام الموجود بها، وأفادوا بأنها تكاد تكون من أفضل المدارس على مستوى العالم، لذلك تم دعوة ذكية من الحكومة الهندية للسفر إلى الهند، للتفتيش على مدارسها وعمل مدرسة بنفس نموذج قصر الدوبارة حتى تكون مرجعًا لهم، ومن حين لآخر تأتي للتفتيش عليها.
جاءت كذلك انطلاقة أرواح في المدينة من استحضار فيلم حياة أو موت، صاحب الجملة الشهيرة: الدواء فيه سم قاتل، فلم يتم الكشف فقط عن السيدة بطلة الفيلم ضحى أمير، ولكن كذلك عن عملة 25 قرش، والتي منحتها لكمسري الترام بأحد المشاهد، حيث أنها العملة الوحيدة في تاريخ مصر التي تحمل صورة مسجد خارج القاهرة، وهو مسجد المرسي أبو العباس بالإسكندرية.
يحلم التميمي بأن تكون القاهرة عنواني؛ مؤسسة ثقافية تعمل مع جميع الهيئات الثقافية في مصر سواء الرسمية أو الأهلية، للوصول إلى برامج وجداول جاذبة للأجيال الجديدة، ويكون هناك مهرجانًا سنويًا للقاهرة في شوارعها التراثية؛ يجمع كل الأنشطة الفنية الجديدة والمدهشة، والتي تليق بالقاهرة.