الأحد 22 ديسمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

هدنة عيد الميلاد.. الأزمة الأوكرانية إلى أين؟

الجمعة 06/يناير/2023 - 04:37 م

في خضم اشتعال جبهات الأزمة الأوكرانية على المستويات الميدانية العسكرية والجيوسياسية والاقتصادية ظهر الرئيس الروسي في إطلالة مفاجئة، ليأمر قواته بوقف القتال مؤقتًا بمناسبة عيد الميلاد. خطوة رفضتها كييف وقللت من أهميتها القوى الغربية، وأثارت تساؤلات مشروعة حول مسار الأزمة الأوكرانية التي تزداد تعقيدًا مع مرور كل لحظة بشكل يهدد الأمن والسلم العالمي في الصميم.. هل دعوة الرئيس الروسي إرهاصات انفراجة العالم بأشد الحاجة إليها؟ أم إنذار أخير قبل انطلاق عاصفة تعمق الجراح وتبدد فرص السلام؟

لنضع الأمور في نصابها لا بد أن نعود عدة شهور للوراء لنتمكن من قراءة المشهد بشكل موضوعي يفضي إلى تنبؤات تلامس الواقع. 

بعد انتكاسات الصيف والخريف على أرض المعركة روسيا أعادت تموضع قواتها ودعت إلى تعبئة جزئية للجيش.. التعبئة أسفرت عن استدعاء نحو 300 ألف جندي للمشاركة في القتال وتدارك الهزائم. وفي ضوء هذه الإجراءات بدأت روسيا تتقدم من جديد علي جبهة الدونباس وبالأخص في محيط مدينة باخموت، وأصبح الصراع من أجل هذه المدينة الصناعية الهامة استراتيجيًا متغيرًا قد يحدد مصير هذه الحرب ميدانيا. وفي ظل هذا التصعيد التدريجي الروسي في ميدان القتال استجاب الرئيس الروسي لمناشدات بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وأعلن هدنة مؤقتة من جانب واحد تسري خلال عيد الميلاد المجيد مما اثار دهشة المراقبين أو بدأت تظهر تكهنات لتفسير الموقف الروسي المفاجئ. 

وما لبث أن دعا بوتين للهدنة حتى قفز أغلب المراقبين الغربيين لاستنتاجات متسرعة، مفادها أن بوتين يناور بهذه الهدنة لكسب الوقت ليتدارك خسائره الميدانية. هذا الاستنتاج إن لم يكن الغرض منه التضليل وتبديد فرص السلام فبالتأكيد هو نابع عن سذاجة مفرطة يعميها الغرور وحالة الإنكار.

غرور يأبى أن يرى حجم التجهيزات الروسية لما هو آت، ويخفق في قراءة غنذار الكرملين الأخير قبل أن تتحول العملية العسكرية الروسية إلى حرب شاملة على أوكرانيا.

روسيا في واقع الأمر تمنح الغرب فرصة أخيرة لوقف القتال والدخول في مفاوضات، حيث إنها أعلنت من قبل استعدادها للتفاوض ووقف الحرب، شريطة أن يتم التسليم بسيادتها على الأقاليم الأربعة التي ضمتها (وهي تسيطر على أغلبها) وهو ما رفضته كييف وواشنطن والعواصم الغربية. ويشابه هذا طرح وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر منذ أشهر حيث إنه في نهاية المطاف إذا توقفت الحرب في هذه اللحظة يخرج الطرفان بنتائج قد يتم تسويقها كانتصار جزئي.. فروسيا تحتل أغلب الدونباس وخيرسون وزاباروجيا ذات الأغلبية العرقية الروسية، وتسيطر على كامل بحر أزوف والقرم.. يمكن أن يسوق بوتين هذا كانتصار وإن كان متواضعًا في مواجهة سقف التوقعات الروسية في بداية الحرب، بينما أوكرانيا نجحت في صد العدوان عن كييف في بداية الحرب واستطاعت أن تهزم القوات الروسية في خاركيف، هذا يمكن أن يتم تسويقه من قبل الرئيس زيلينسكي ونظامه كانتصار حيث إن البقاء في حد ذاته مكسب كبير في ضوء فارق القدرات والموارد الرهيب بين المارد الروسي وأوكرانيا.

وبالرغم من منطقية الطرح السابق فإن أوكرانيا حتى الآن ترفض الهدنة وتتمسك باستكمال الحرب حتى يخرج الروس من المدن والقرى التي فرضوا سيطرتهم عليها (نحو 20% من أوكرانيا).

على ما يبدو هذه الفرصة ستضيع كما ضاعت فرص سابقة خلال الإحدى عشر شهرًا الماضية، وذلك بسبب الاعتقاد الراسخ لدى الغرب بأن هزيمة روسيا ممكنة وإن لم تكن حتمية، وهذا الطرح العبثي سيُجهز على جميع فرص التسوية السلمية، وسيطيل أمد الحرب ذات التداعيات الوخيمة على أمن العالم واستقراره الاقتصادي.

 وفي حال صدق هذا التحليل واستمرت الحرب ستنتقل موسكو على الأرجح من مرحلة العملية العسكرية الخاصة إلى مرحلة الحرب الشاملة.. وروسيا تهيئ نفسها لهذا السيناريو بالفعل.. على مدار الأشهر الماضية الحكومة الروسية سخرت قدرات البلاد الصناعية الهائلة لتلبية حاجات الجيش، أي روسيا انتقلت فعليا بشكل جزئي لاقتصاد الحرب.. وموسكو حاليا حشدت 300 ألف مقاتل ينضمون الآن لنحو 150 ألف جندي يقاتلون في أوكرانيا منذ بداية الحرب.. ويحتشد نحو 100 ألف من هذه القوات الجديدة في بيلاروسيا على بعد عشرات الكيلومترات من العاصمة كييف.. وبيلاروسيا أيضا تتأهب لاحتمال دخولها المعركة.. ووردت أنباء غير مؤكدة عن نقل موسكو عددًا من الرؤوس النووية لمينسك، وذلك لردع أي إجراء غربي عسكري ضدها في حال شاركت في الحرب ضد أوكرانيا... كما تواصل روسيا قصف البنية التحتية الأوكرانية بشكل وحشي حرم نصف أوكرانيا من الكهرباء والماء والتدفئة.. ويبدو من هذه المؤشرات ان روسيا خلال هذا الشتاء ستزيد من وتيرة استنزاف أوكرانيا عبر ضرب البنية التحتية، وتدمير القدرات العسكرية الأوكرانية من خلال مواصلة استدراجها لملحمة باخموت في دونتسك، أو ستقوم روسيا باجتياح جديد لكامل أوكرانيا يستهدف مدنًا كبرى مثل خاركيف وسومي في الشرق أو العاصمة كييف في الشمال او حتى الحدود البولندية الأوكرانية لقطع طريق الإمدادات الغربية لأوكرانيا. 

وعلى الجانب الآخر الولايات المتحدة أقرت حزمة مساعدات عسكرية ومالية جديدة لأوكرانيا تبلغ 37 مليار دولار في مؤشر على استعداد الغرب لمواصلة الحرب لاستنزاف روسيا حتى آخر أوكراني. وكييف على ما يبدو ما زالت مقتنعة بأنها من الممكن أن تحقق المستحيل وتهزم روسيا شر هزيمة وتخرجها من كامل أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. والولايات المتحدة تستغل هذا الاعتقاد غير العقلاني لتستنزف روسيا، آملةً في أن يؤدي هذا لسقوط بوتين من السلطة. وأوكرانيا تتحدث خلال هذه الفترة عن التجهيز لهجوم خلال الشتاء لتحرير منطقة زاباروجيا وقطع الجسر البري بين الدونباس والقرم، مما يزيد من فرص استمرار الصراع إذ إن نية التصعيد المتبادل تسود الأجواء.

تنذر 2032 بشتاء دموي سيكون ساخنًا على أوكرانيا، برده قارس على أوروبا، وتبعاته الاقتصادية خانقة على عموم دول العالم.. فهل تتعقل الأطراف ويتواصل سادة البيت الأبيض والكرملين لوقف السقوط الرأسي للهاوية؟ أم يسود الجنون الموقف وينتهي بنا إلى ما لا يُحمد عُقباه؟

تابع مواقعنا