إرهاب الشعراوي وتطرفه..!
ما بين حين وآخر تطفو على السطح معركة حامية الوطيس وجدل لا ينتهي عن شخصية الإمام الراحل محمد متولي الشعراوي رغم رحيله منذ 24 عاما تقريبا، إلا أن الرجل يظل بطلا لمعارك وخلاف دائر حتى في قبره كما كان في حياته أيضا.
الشعراوي الذي توهج كداعية إسلامي في أواخر حياته، وفي غضون 20 عاما حقق شعبية جماهيرية كبيرة، وذلك منذ منتصف السبعينيات تقريبا حتى وفاته في العام 1998 خاض معارك وصراعات كثيرة أثناء حياته بداية من سجدة الشكر بعد هزيمة 67 حتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى.
من السهل أن تكون مؤثرا، لكن من الصعب بل والمستحيل أحيانا أن تظل مؤثرا حتى في قبرك، "توليفة" الشعراوي العجيبة هي التي صنعت منه شخصا مؤثرا، فهو الذي يخاطب البسطاء بلغتهم ويحاور المثقفين ويبارزهم في أفكارهم وكتبهم ويرد على مقالاتهم في الجرائد والصحف، وهو الذي يناقش علماء الدين في فتاويهم، إلى جانب امتلاكه ناصية الحديث ومفاتيح اللغة، فاستطاع أن يدخل كل البيوت فوجد آذانا تسمع أحاديثه وعقولا تفهم تفاسيره وقلوبا تحب شخصه، فأصبح نجما شعبيا وليس نخبويا ملأ حالة الفراغ التي كانت موجودة في الحقل الدعوي وقتها، إذ أن المجتمع المصري في سبعينيات القرن الماضي كان أحوج ما يكون إلى داعية عصري يحل محل جماعات متطرفة كانت قد بدأت في الانتشار، فوجدوا ضالتهم في الشعراوي وأحاديثه.
الهجوم على الشعراوي بأنه داعم للفكر الإرهابي والمتطرف ليس جديدا ومردود عليه من عدة وجوه، أولها أنه لو كان الشعراوي داعما للتطرف والإرهاب لما وقف في وجه الحملات الشرسة التي كانت تريد النيل من مصر وشعبها عندما اتهم المتطرفون وأصحاب الأفكار المخالفة للفكر الوسطي الذين يظنون أنفسهم أوصياء على الدين بأن مصر أمة كافرة، حينها قال الشعراوي جملته الشهيرة التي ظلت في ذاكرة الجميع حتى الآن، وانبرى وقتها دفاعا عن شعبه وبلده، هذا إلى جانب وطنية الشعراوي التي لا يزايد عليها أحد بداية من نضاله ضد المحتل ومرورا بقبوله منصب وزير الأوقاف بعد اغتيال سلفه الشيخ الذهبي وانتهاء بمواقفه ضد الفكر الدخيل على المجتمع المصري في السبعينيات والثمانيات والتسعينيات.
الذي يتهم الشعراوي بالتطرف والإرهاب، للأسف لا يناقش قضية واحدة أثارها الرجل، ولكن في وجهة نظري يهاجمون الرجل من ناحية أنه كان نجما شعبويا استطاع التأثير في كثير من المصريين، معلوم أن الكل يؤخذ منه ويرد، ووارد أن يكون الشعراوي أخطأ في بعض الأطروحات، لكن هل الحل هو التشكيك في إخلاصه لدينه ومهاجمته واتهامه بأنه داعما للتطرف والإرهاب.
ما يضير المجتمع الآن في تقديم عمل فني عن الشعراوي، وما يضير النخبة التي تهاجم هذا العمل قبل عرضه، أليس هناك حرية في العمل الإبداعي؟، تختلف أو تتفق مع الشعراوي لكن لا تنكر أبدا أنه كان وسيظل مؤثرا، وبالتالي تقديم عمل فني ليس خارجا عن الإطار، فالكلمة الأخيرة للمشاهد والمتلقي وليس الناقد والمهاجم.
الهجوم على الشعراوي لا يصب إلا في مصلحة المتطرفين وأصحاب الآراء الشاذة، كونه يمثل وسطية الأزهر التي يلجأ المصريون إليها في مواجهة فتاوى شاذة تتنشر كالنار في الهشيم في الواقع أو على وسائل التواصل الاجتماعي.. وحدوا جهودكم في ألا يعود الفكر الظلامي مرة أخرى يبث سمومه في عقول شعبنا بدلا من النيل من الرموز التي أثرت في وجدان المصريين.