الإمامُ.. والأقزامُ!!
من وقتٍ لآخرَ، وبعدَ وفاتِه بربعِ قرنٍ من الزمانِ، يتعرَّضُ فضيلةُ الشيخِ محمد متولي الشعراوي للهجومِ، من قِبَلِ بعضِ العِلمانيينَ المأجورينَ، الذينَ تُفردُ لهم وسائلُ الإعلامِ مساحةً لبثِّ سمومِها التي تدُسُّها في عسلِ التنويرِ المسمومِ، وفي الحقيقةِ ذلك الهجومُ ليس هجومًا على الشيخِ، بقدرِ ما هو هجومٌ على كتابِ اللَّهِ ولُغَتِه الخالدةِ، لأن الشيخ وهبَ حياتَه لتفسيرِ كتابِ اللَّهِ، وأوقفَ عمرَه لتلك المهمةِ، وأوصلَ معاني القرآنِ الكريمِ لسامعيه بسلاسةٍ وعذوبةٍ ويسرٍ، وجذب بأسلوبِه البسيطِ الناسَ بمستوياتِهم العلميَّةِ والفكريَّةِ كافةٍ، وكان أسلوبُ الشيخِ يتميَّزُ بالسهلِ الممتنعِ، الذي يجذبُك بسهولتِه، ويسهلُ عليك فهمُه، ولكن من الصعبِ مجاراتُه أو تقليدُه!!!
إنَّ الهجومَ الذي يتعرَّضُ له "الشعراوي" جزءٌ من هجومٍ أوسعَ وأكبرَ وأشملَ هو الهجومُ على (التراثِ الإسلاميِّ ورموزِه)، بدايةً من البخاري ومسلم، ومرورًا بكتب الصِحاح في الحديثِ، علاوةً على مصنفاتِ الائمة الأربعةِ في الفقه وأصولِه، وانتهاءً بالعلماء الربانيين الذينَ وهبوا وأوقفوا حياتَهم لِلَّه، نُصرةً للإسلامِ وخدمةً للمسلمينَ.
ومن العجيبِ، كُلَّمَا هُوجِمَ الشيخُ؛ ازدادتْ شعبيَّتُه، ولا زالت مكانتُه ومكانُه في قلوبِ عاشقيه ومحبيه كما هي، تزيدُ ولا تنقصُ، تعلو في الآفاق، ويكفيه شرفًا وفخرًا، أن قرنَ اللَّهُ بينَه وبينَ الأذانِ يوميًّا خمسَ مراتٍ، في كُلِّ الفضائياتِ، ليلًا ونهارًا، ولعَلَّها كانتْ دعوةً منه بأن يجعلَ اللَّهُ له ذِكرًا حسنًا بعدَ مماتِه في الآخرينَ، كما دعا سيدُنا إبراهيمُ - عليهِ السلامُ - حينَما قالَ: {واجعل لي لسانَ صدقٍ في الآخرينَ}. (الشعراء، الآية:٨٤).
إنَّ الهجومَ على الشيخِ الشعراوي لا يزيدُه في قلوبِ محبيه إلَّا رفعةً، ولا يزيدُ منتقديه إلَّا تقزمًا ووضاعةً وتحقيرًا، وعلينا - كمستخدمي لمواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ - ألَّا نعطي للساقطينَ والتافهينَ مكانًا أو مكانةً في المجتمع، لأنَّ التفاعلَ معهم، والتجاوبَ مع أفكارِهم والرَّدَ على نقدِهم الهدَّامِ؛ يعطيهم حجمًا أكبرِ من حجمِّهمِ الطبيعيِّ، في الوقتِ الذي لا يتجاوزونَ كونَهم (أقزامًا) لا يبدو لهم أثرٌ بجوارِ قِمَّةٍ عِلْميَّةٍ وإسلاميَّةٍ بحجمِ الشيخِ الشعراوي، وصدق فيهم قولُ الأعشى في معلَّقتِه:
كَنَاطِحٍ صَخرَةً يَوْمًا ليوهنها فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ.