من قلب الصعيد إلى فرنسا.. كيف نقلت مسلّة معبد الأقصر لتزيين ميدان الكونكورد؟
يلاحظ الزائر لمعبد الأقصر وجود مسلة واحدة تزين مقدمته وقاعدة أخرى لمسلة من المفترض أنها كانت متواجدة أمام صرح المعبد ولكنها الآن تزين ميدان الكونكورد في قلب العاصمة الفرنسية باريس.
هدية خاصة لفرنسا
وتعود أحداث القصة إلى 29 نوفمبر عام 1830 حيث قدم محمد علي باشا، والي مصر في هذا التوقيت هدية من نوع خاص إلى فرنسا، تعبيرا عن حسن التفاهم ودفء العلاقات بين البلدين، إذ أهدى مسلة معبد الأقصر والتي يصل ارتفاعها إلى 24 مترا والمصنوعة من الجرانيت الوردي إلي ملك فرنسا لوي فيليب الأول.
كيف نُقلت كتلة حجرية تزن 230 طنا إلى باريس
فرحت فرنسا بتلك الهدية الثمينة بل وشيدت لها سفينة خاصة أطلقت عليها اسم ( الأقصر ) حيث غادرت ميناء تولون في 15 أبريل عام 1831، وعلى متنها طاقم مكون من 150 شخصا من حرف مختلفة، جميعهم تحت قيادة المهندس الفرنسي ( أبوللينير لوبا ).
400 عامل لنقل المسلة
تم التفاوض مع أهالي الأقصر الذين كانوا يقطنون حول المسلة في ذلك الوقت لشراء بيوتهم وهدمها من أجل إفساح الطريق ووضع قضبان من الخشب لنقل المسلة عليها بمساعدة 400 عامل تم استئجارهم خصيصا لهذا الغرض إلى أن وضعت المسلة على ظهر السفينة في نهاية ديسمبر عام 1831.
الكوليرا توقف نقل المسلة في موعدها المحدد
وصل الطاقم الفرنسي المكلف بنقل المسلة إلى الأقصر يوم 14 أغسطس وبدأ العمل ثم توقف بسبب وباء الكوليرا الذي أصاب 15 فرنسيا، وتسبب في وفاة 128 مصريا، ولم تُقطع المسلة عن قاعدتها قبل يوم 31 أكتوبر عام 1831 بعد زوال الكوليرا.
كادت أن تغرق في البحر
واجهت السفينة بعد إبحارها صعوبات واضطرت إلى الرسو من جديد في مدينة رشيد بسبب عدم قدرتها على اجتياز مياه النيل إلى البحر المتوسط، فاستعانت بواحدة من أوائل السفن البخارية الفرنسية في العصر واسمها (أبو الهول) وقطرت السفينة ( الأقصر )وسط بحر مضطرب لمدة يومين مما هدد السفينة بالغرق وهلاك الطاقم والمسلة في قاع البحر حسبما وصف أحد المؤرخين الفرنسيين ويدعى فرنيناك في مذكراته.
420 جنديا فرنسيا لرفع المسلة
وصلت السفينة إلى ميناء تولون يوم 10 مايو 1833، وعبرت مصب نهر السين ووصلت إلى باريس في 23 ديسمبر بعد رحلة شاقة، واستعان المهندس ( لوبا ) بنحو 420 جنديا فرنسيا لرفع المسلة في ميدان الكونكورد في حضور الملك لوي فيليب الأول وجمهور قُدّر بنحو 200 ألف شخص في 25 أكتوبر عام 1836 وسط عزف أوركسترا من مائة عازف لتزين الميدان الفرنسي حتى الآن وتترك شقيقتها الأخرى وحيدة في قلب معبد الأقصر.