الشراكة المصيرية
تكاتف الجميع.. حكومة وشعبا أهم ركائز العبور للأزمات والشدائد والمحن.. فكل منهما يؤدى دوره.. فالدولة تفعل ما عليها في اتخاذ الإجراءات.. وتبنى السياسات لتخفيف الأعباء عن المواطنين..والمواطن أيضا مطالب بالعمل والأمل والوعى والإرادة والصبر.. والترشيد.. وإدراك أنها أزمة فرضت علينا.. لذلك علينا أن نعمل معا.. نتكاتف ونتلاحم.. ونتحدى أيضا.. لنجعل من المحنة منحة.
على طريق عبور الأزمات والتحديات.. تلاحم الحكومة والشعب أهم الأسلحة
هناك إجماع واتفاق كاملان أن الأزمة الاقتصادية التي نعيشها ولدت من رحم الأزمة العالمية.. أو تداعيات الحرب «الروسية - الأوكرانية».. وأن الأزمة طالت الجميع وتتسابق الدول في الاجتهاد لتجاوز وعبور التحديات الكثيرة.. فالحقيقة أن مصر تواجه مثل دول العالم تداعيات الأزمة العالمية خاصة ارتفاع الأسعار العالمية وارتفاع معدلات التضخم، واضطرابات سلاسل الإمداد والتوريد، وهو ما انعكس على المواطن نفسه.
يكفى أن نقول إن الدولة المصرية تبذل جهودًا مضنية وخلاقة من خلال العديد من المسارات سواء في توفير احتياجات المواطنين من السلع الأساسية وزيادة المعروض منها دون وجود عجز أو نقص من خلال التوسع في ضبط الأسواق والأسعار.. وأيضًا بالتوسع فى المنافذ الثابتة والمتحركة والشوادر والمعارض وهى جهود باتت ملحوظة وواضحة للعيان ويلمسها المواطن ولاقت ارتياحًا.. بالإضافة إلى تعظيم الاستقرار في سوق النقد الأجنبي، والقضاء على السوق السوداء والمضاربات وأيضًا وجود السيولة من النقد الأجنبي خاصة الدولار بما يتيح للمستوردين شراء مستلزمات الإنتاج لضمان دوران عجلته، وهو ما حقق نجاحًا كبيرًا خلال الأيام الماضية بالإضافة إلى الإفراج الجمركي المتواصل عن البضائع المتراكمة فى الموانئ.. وهو ما يحقق ضبط الأسواق والأسعار بزيادة المعروض، ويؤدى إلى استمرار الإنتاج.
الحقيقة أن الدولة وضعت يدها على أكثر من نقطة مهمة على طريق مواجهة الأزمة العالمية وتداعياتها الصعبة على الجميع، خاصة الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية والاقتصادية التى تشكل عنصرًا حيويًا ومحوريًا فى مجابهة الأزمة العالمية، سواء فى مجالات الأزمة لتعظيم الأمن الغذائي، وزراعة المحاصيل الاستراتيجية والمحاصيل أيضًا التى من شأنها تقليل فاتورة الاستيراد، وتسد النقص والعجز مثل زراعة المحاصيل الزيتية مثل فول الصويا وعباد الشمس والذرة والقطن، لتقليل فاتورة استيراد زيوت الطعام التى يبلغ حجم استيرادنا منها ما يقرب من ٩٥٪، وهنا وضعت الدولة يدها على معالجة بعض السلع التى يحتاج استيرادها لنقد أجنبي، ومن باب تحويل المحنة إلى منحة بحيث تعكف على معالجة بعض مظاهر النقص التى تعتمد فى توفيرها على الخارج لتصبح متوفرة من خلال إنتاج محلي.
ليست الزراعة فحسب التى تشهد اهتمامًا كبيرًا وتوسعًا غير مسبوق.. ولكن أيضًا السياحة التى تعد نموذجًا وميزة بين أيدينا لمواجهة تداعيات الأزمة العالمية وزيادة موارد الدولة من النقد الأجنبي، وهناك نشاط مكثف للحكومة فى هذا الصدد، وتحرك إيجابى من وزير السياحة من خلال معرض اسبانيا واجتماعاته مع الشركات الكبرى لكن أيضًا من المهم الجلوس مع كبار صناع السياحة سواء محليًا للاستفادة من خبراتهم وأفكارهم، وأيضًا دعوة كبار الشركات والشخصيات والكُتاب في مصر واطلاعهم على ما بين أيدينا من فرص ومزايا لا تتوفر لدى الآخرين، وأهمية معالجة التحديات التى تواجه هذا القطاع من خلال هذه الاجتماعات سواء على الصعيد المحلى أو الدولي.. ربما تضيف لنا أفكارًا وحلولًا تجعل من قطاع السياحة قيمة مضافة وتحقق منافسة أكبر وأعلى بكثير.. فمن المهم أن نروج لأنفسنا ونستفيد من خبرات وتجارب الآخرين، خاصة أن مصر تتمتع بالكثير من المزايا والفرص الغزيرة فى هذا المجال ناهيك عن استقرار أمنى وسياسي وبيئي ومناخي وظروف جوية مثالية خاصة الشمس الساطعة فى وقت أوروبا تحتاج فيه للدفء بالإضافة أيضًا إلى توفر كل شيء فى مصر من طاقة وسياحة أثرية وعلاجية، وبيئية وشاطئية.
الدولة لم تغفل أى بُعد يمكن أن يضيف موارد جديدة للاقتصاد المصري، فى ظل التركيز والاهتمام بملف الصناعة، وحل مشاكل الاستثمار والمستثمرين والتوسع فى المزايا، والتسهيلات والرخصة الذهبية، والتخلى عن الإجراءات الروتينية التى لا تشكل أى أهمية وإزالة كافة العوائق أمام الاستثمار والمستثمرين خاصة أن مصر أصبح لديها بنية تحتية وفرص كثيرة وموقع جغرافى هو الأهم، وفرص استثمارية نستطيع من خلالها جذب كبار المستثمرين فى العالم فى ظل وجود نتائج أفرزتها الحرب «الروسية - الأوكرانية»، خاصة التمادى فى إصدار العقوبات الدولية ضد دول وصلت إلى أكثر من 6 آلاف عقوبة لروسيا، وهو ما يتيح الفرصة أمام مصر لاستقبال العديد من الاستثمارات التى تتطلع للاستقرار الأمني والسياسي والضمانات الكافية، والموقع والفرص، والبنية التحتية، وتوفر مصادر الطاقة والأيدى العاملة الأقل تكلفة، والأكثر مهارة، وهو ما يحتم أهمية الجلوس والاجتماع والنقاش حول هذا الملف حكومة ورجال أعمال وكبار الصُناع والخبراء فى هذا الملف لتعظيم الاستفادة منه بعد دعوة كبار المستثمرين والشركات العالمية فى معرض «أوتو تمر» للتعرف على أرض الواقع على الفرص المصرية الكثيرة والمتنوعة بالإضافة إلى التركيز على مجال تكنولوجيا المعلومات وما يتيحه من فرص وما لدينا من قدرات ونجاحات لتعظيم العائد، وزيادة الناتج المحلى من هذا القطاع الذى وصل ١٦٪ بالإضافة إلى التوسع فى تدريب وتأهيل الكوادر والشباب لتمكينهم من فرص عمل تحقق لهم دخلًا كبيرًا من العملات الصعبة، من خلال العمل مع كبريات الشركات العالمية.
هناك أيضًا نقاط مضيئة كثيرة الدولة تضع يديها عليها مثل صناعة الغزل والنسيج وهناك طفرة لا أدرى لماذا لا يعلن عنها فى ظل غياب المعلومات والبيانات عن هذا الإنجاز الكبير في ظل أكبر عملية تحديث وتطوير لهذا القطاع.. كذلك قطاع الملابس الجاهزة والجلود، وغيرها من المجالات التي يمكن التركيز عليها والاستفادة من عوائدها في فتح أسواق جديدة للمنتج المصري أو التعاون مع كبريات الشركات العالمية، وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية الحوار والاجتماع مع أرباب هذه القطاعات، ومنحهم ميزات أكثر سواء في إقامة معارض بأسعار مخفضة لترويج المنتج المصري، ودعوة المستوردين في العالم حتى ولو وصل الأمر في هذه الفترة إلى مجانية أراضي المعارض لأن ذلك يخدم الاقتصاد المصري سواء الملابس الجاهزة أو المفروشات والسجاد، والصناعات الجلدية، وصناعات الغزل والنسيج وهناك تجارب وخبرات هائلة يمكن الاستفادة منها.
الحقيقة أيضًا أن رسائل الاطمئنان الرئاسية للمصريين أتت ثمارها، وأجهضت حملات التخويف، ومحاولات بث الإحباط، خاصة أن هذه الرسائل جاءت على قاعدة من الإجراءات والنجاحات على أرض الواقع.. فإذا كانت الأشهر الأربعة الماضية شهدت بعض الانفلات والفوضى فى الأسواق أو سوق النقد الأجنبى تحديدًا فإنه قد تم تلجيم هذه الفوضي، وبعد أزمة النقد الأجنبى خلال الـ 4 أشهر الماضية، لم تعد هناك مشكلة الآن فى ظل نجاحات الدولة سواء فى توفير مليارات الدولارات فى سرعة الإفراج الجمركى من البضائع المتراكمة، أو توفير مليارى دولار للمستوردين، واستقرار الجنيه أمام الدولار بعد أن تلاشت المضاربات والسوق السوداء، أو زيادة الاحتياطى النقدى الأجنبي، وكذلك الاتفاق مع الجانب الروسى على استخدام العملات المحلية «الجنيه والروبل» فى التبادل التجارى بين البلدين وهو ما يخفف الضغط على النقد الأجنبى مثل الدولار وهو فى رأيى إنجاز كبير، وهناك مؤشرات تدعونا للتفاؤل فى إبرام مثل هذا الاتفاق مع دول أخري.
لا شك أنها «أزمة وهتعدي»، وتحويلها من محنة إلى منحة بين أيدينا، لابد أن ندرك أننا واجهنا أزمات وتحديات أكثر قسوة وصعوبة من قبل وتجاوزناها وأصبحت مجرد ذكريات، لكن الأزمات تكسبنا الخبرات وتزيد مناعتنا، بشرط أن نستفيد منها بتعظيم نقاط القوة وعلاج مناطق الضعف من خلال استيعاب الدروس المستفادة.. فالأزمات مثل الحروب تمنحنا خبرات متراكمة ودروسًا مستفادة تشكل قيمة مضافة لقوتنا ومناعتنا والقدرة على تحقيق الانتصارات والإنجازات، فالدول العظيمة هي من تستفيد من تجاربها والأزمات والتحديات التي تواجهها لذلك أثق فى أن قضايا مهمة مثل استيراد القمح، والزيوت والاحتياجات الأخرى التي كنا نعتمد في توفيرها على الاستيراد من الخارج ستكشف الأيام القادمة أننا حققنا فيها إنجازات وخطوات مهمة نحو الاكتفاء أو تقليل نسبة الاستيراد.
لكن إذا كانت الدولة تفعل ما عليها وتحقق نجاحات على طريق تجاوز وعبور الأزمة، وتستفيد من الدروس الناتجة عنها هل نحن كمواطنين استفدنا من درس الأزمة؟ وهل وضعنا خارطة جديدة لأسلوب حياتنا تتماشى وتتناسب وتتواكب مع تداعيات الأزمة العالمية وآثارها الصعبة، وهل اعدنا ترتيب بيوتنا من الداخل، وهل استغنينا عن بعض الأمور غير الأساسية، وجدولنا بعض الاحتياجات ووضعنا هرمًا للأولويات.. هنا لا أتحدث عن الفئات الأكثر احتياجًا فتداعيات الأزمة عليهم صعبة وقاسية والدولة لا تدخر جهدًا فى توفير الحماية الاجتماعية والدعم لهم بكافة الأشكال والوسائل سواء عبر مؤسسات الدولة مثل التضامن الاجتماعي والتموين، والكهرباء والبترول أو المجتمع المدني ممثلًا فى التحالف الوطني للعمل الأهلى والتنموي وهى للأمانة جهود خلاقة، ويكفى أن أقول إن القوات المسلحة باعتبارها جيش الشعب وقلعة الوطنية المصرية، تقوم بدور مهم للغاية فى هذا الإطار فى توفير صناديق وعبوات للمواد الغذائية والسلع الأساسية التموينية بنصف الثمن، أو تقديم ٣ ملايين صندوق للفئات الأكثر احتياجًا مجانًا.
هنا أتحدث عن فئات الميسورين، والمقتدرين أو على الأقل الفئات التى تعلو فوق الطبقة المتوسطة.. فإن قضية الترشيد وإعادة رسم الخريطة الحياتية هي أمر مهم، وتكون أكثر إحساسًا وشعورًا بالفئات الأكثر احتياجًا، وهنا وفى إطار ثقافة عبور الأزمة، فإن وضع هرم للأولويات والتركيز على الأمور الأساسية والتخلي عن بعض الأمور الشكلية بات أمرًا مهمًا حتى الطبقة المتوسطة ومن باب تعاطيها مع آثار الأزمة عليها أن تغير نمط حياتها وعدم الإسراف فى الإنفاق على أشياء غير مهمة، وكذلك طريقة الحياة والابتعاد عن الإهدار والاتجاه صوب الترشيد قدر المستطاع.
هناك أمر مهم جدًا.. طرحته تداعيات الأزمة سواء على صعيد الوزارات والمؤسسات والكيانات الصناعية والإنتاجية، فطبيعة الحال المخازن والمناطق المهملة بها الكثير من الخردة والكراكيب التى انتهت صلاحيتها بالنسبة لهذه الكيانات والمؤسسات، فلماذا لا يتم التصرف فيها أو الاستفادة منها سواء بالبيع أو استثمارها فى تعويض مكونات نستوردها من الخارج، ونعمل على إطالة أعمارها لذلك فإن كل مؤسسة عليها أن تفتش فى دفاترها ومخازنها، وتصل إلى جدوى اقتصادية من خلال توظيف هذه «الكراكيب» والكهنة والخردة وتعمل على الاستفادة منها بدلًا من امتلاكها لمساحات كبيرة دون فائدة.. الأمر فقط يحتاج لمراجعة وتوصيف وتصنيف لكل الأمور المتشابهة وما يمكن الاستفادة منها وما يمكن تسويقه وبيعه.
نفس الحال بالنسبة للبيوت والمنازل.. تجد فيها نسبة كبيرة من «الكراكيب» والأشياء التي أصبحت غير صالحة، بالإضافة إلى «الكراكيب» الإلكترونية من تليفونات قديمة ومتهالكة أو تابلت أو «كمبيوترات»، وتليفونات محمولة، و«ايباد» وكراكيب خشبية وورقية لم يعد لها فائدة.. فلماذا لا تتصرف فيها بالتسويق أو البيع أو على الأقل إعادة الاستفادة منها بدلًا من شراء الجديد، وبالتالي تفريغ مساحات نحتاجها فى منازلنا.
سواء الوزارات والمؤسسات والمصانع والشركات أو البيوت أو المخازن.. هناك أمور يمكن الاستفادة منها سواء فى توفير أجزاء ومكونات يمكن توظيفها كقطع غيار فى أجهزة أخرى تحتاج إلى هذه القطع أو على الأقل بيعها كخردة وهناك مخاطر حسب تقرير سُمية الكراكيب الإلكترونية فى حال استمرار وجودها فى المنازل لذلك يجب التخلص منها، ويقينًا فإن هناك أجهزة كثيرة معطلة وتالفة لا نستخدمها موجودة فى منازلنا، لماذا لا نتخلص منها بطرق نستفيد منها وتحقق أهداف الآخرين.
أيضًا نحتاج إلى إعادة نظر فى ميزانية الدروس الخصوصية التى تكبدنا الآلاف شهريًا، وهناك وسائل أخرى للتعلم والتحصيل الدراسى أبرزها التعليم عن بعد، والفضاء الإلكترونى يعج بالمنصات فى كافة المراحل الدراسية.. نحتاج أيضًا إلى ترشيد فى استخدام التليفون «المحمول»، والإنفاق على المقاهى والكافيهات وتناول الوجبات خارج المنازل بل نحتاج إلى إعادة نظر فى طريقة تعاملنا مع الوجبات الغذائية داخل منازلنا، ونطهو ما يكفينا بالفعل دون أن يتبقى جزء نلقيه دون استفادة، وهنا فإن «ست البيت» وهى وزيرة الاقتصاد فى الأسرة عليها أن تبحث عن السلع الأكثر جودة والأقل سعرًا، وتذهب إلى الأسواق الشعبية ومنافذ الدولة والبحث عن العروض والتيسيرات فى الأسعار.. وإيجاد بدائل للحوم والدواجن أسبوعيًا مرتين أو ثلاثًا لعدم الضغط على ميزانية الأسرة، لذلك أريد القول إنه بالتكاتف والتلاحم والتراحم والترشيد والوعى والأمل والعمل نستطيع أن نحول المحنة إلى منحة وصياغة اسلوب حياة جديد أكثر أمانًا وتوفيرًا.
الحقيقة ان الدولة أيضًا لا تدخر جهدًا في الاهتمام بالفئات الأكثر احتياجًا والأولى بالرعاية، فالرئيس عبدالفتاح السيسى اجتمع بالأمس مع الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء والدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي فى إطار حرصه على متابعة برامج الحماية للفئات الأولى بالرعاية الأسرية ووجه بالإسراع فى الانتهاء من مشروع قانون الرعاية البديلة الذى يوفر كافة سبل الحماية لهذه الفئات.
ما أريد ان أقوله أن الرئيس السيسي لا يترك صغيرة أو كبيرة فى ملف الحماية الاجتماعية سواء للفئات الأكثر احتياجًا أو الأولى بالرعاية وأيضًا فى توفير احتياجات جميع المصريين والسعى لتحسين جودة ومستوى الحياة والظروف المعيشية وهو ما يبعث على الاطمئنان ان الدولة تقف إلى جوار جميع الفئات ولم تنس أحدًا سواء فى كل ظل تداعيات الازمة العالمية أو قبلها وهو ما يشير إلى ان ملف الحماية الاجتماعية يحظى بالأولوية والاهتمام الرئاسى وبشكل غير مسبوق والإنسان المصري عمومًا في كل ربوع البلاد.