رئيس مُحققي قضية قتل الأنبا أبيفانيوس يتحدث لأول مرة ويكشف أدلة إدانة الجناة وكواليس التحقيق
علق اللواء خالد عبد الحميد، وكيل مباحث وزارة الداخلية، ورئيس فريق البحث المشرف على التحريات في قضية مقتل الأنبا أبيفانيوس، أسقف ورئيس دير أبو مقار، على حكم محكمة جنايات دمنهور بإحالة أوراق وائل سعد “أشعياء المقاري”، والراهب فلتاؤوس المقاري، إلى المفتي.
وكتب رئيس المحققين في منشور له على “فيس بوك” تحت عنوان “القتيل الزاهد.. والراهب الجاحد”، تحدث فيها لأول مرة عن حكم إعدام المتهمين بقتل الأنبا أبيفانيوس، كاشفًا عن أدلة إدانة المتهمين الاثنين.
واستهل اللواء خالد عبد الحميد منشوره مستشهدًا بآية: “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”، مردفًا: “جميعنا نتساءل هل في القصاص حياة وكيف؟ نعم فى القصاص حياة فالنفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص”.
وأوضح عبد الحميد، أن القصاص شريعة الله على أرضه وفي كافة أديانه السماوية، فما أمر الله بأمر قط إلا وهو أمر صلاح في الدنيا والآخرة، متابعًا: “فالعاقل عندما يجد أن من قتل شخص دون وجه حق سوف ينال ذات العقاب إلى آخر القصاص في أجزاء الإنسان المختلفة، فسوف يتجنب الانزلاق إلى الهلاك، ومن هنا يحيا وتصير له الحياة آمنه دون فقدانها أو فقدان أحد أعضاء جسده، وذلك باتباع أوامر المولى عز وجل وتدبرها للوقوف على حكمة تنزيلها، ألا وهي أن الله حجز بالقصاص إيذاء بعضنا لبعض وإلا أصبحنا نعيش في غابة”.
واستكمل: “أسدلت الآن محكمة جنايات دمنهور برئاسة المستشارين الأجلاء جمال طوسون وشريف فارس ومحمد المر، الستار على قضية قتل الانبا أبيفانيوس، رئيس دير الانبا مقار، الذي زهقت روحه الطاهرة يوم الأحد الموافق 2018/7/29، وهو قائم للعبادة في جوف الليل حال توجهه من قلايته إلى الكنيسة داخل الدير لمسافة لاتتعدى 300 متر ليتعبد بصلاة تسمى بالتسابيح، وهى تُصلى فجر الأحد من كل أسبوع، على غرار صلاة قيام الليل لدى المسلمين، وكانت من أهم القضايا التي شغلت الرأي العام”.
ولفت إلى صدور الحكم بإحالة أوراق الراهبان أشعياء وفلتاؤوس المقاري إلى فضيلة المفتي، ملمحًا أن هذا الحكم “لتهدء روحه الطاهرة التي صعدت لبارئها، ولتجف دموع أسرته وأحبابه وتضمد جراحهم، ويسعد الجميع للثأر القانوني ورد حق الدم من المسلمين والمسيحيين، فعلا سعادة غامرة فالجميع كان يحبه لصفاته السمحة واتباعه تعاليم السيد المسيح في لين قلبه مع كافة المتعاملين معه داخل وخارج الدير العتيق”.
وأكد أن الحكم يأتي لتخرس ألسنة حاولت نشر الإشاعات والأكاذيب بغرض تضليل العدالة في محاولات يائسة وفاشلة لتبرأة ساحة المتهمان، بعد اعتراف تفصيلي بالجريمة، ومعاينة تصويرية لكيفية ارتكاب الحادث والتي لا يعلم تفاصيلها إلا مرتكبيها، وذلك أمام النيابة العامة المناط بها تحريك الدعوى الجنائية.
واستطرد: “فذهب البعض يشكك ويصدق أكاذيب الدفاع التي بعدت كل البعد عن الإطار القانوني وتناولت شخصى تارة وشخص السيد رئيس النيابة تارة اخرى، وتعجبوا أنه لايمكن للراهب أن يقتل أبيه وأستاذه الأسقف، وأنشأوا العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تتبني ذلك لنشر الأكاذيب والشائعات ومحاولة التاثير على الرأي العام داخل وخارج البلاد، وأرد عليهم بعبارة واحدة: إن لم تستطيعوا قول الحق فلا تصفقوا للباطل”.
وقال اللواء خالد عبد الحميد: “لقد نسي هؤلاء أو تناسوا، أن خيانة السيد المسيح كانت على يد أحد تلاميذه وهو يهوذا، وأن بكل العصور يهوذا آخرين، وما نحن بصدده راهبان لم يستطعا أن يقاوما عوامل الشر في أنفسهما ودواعي الإغراء والإغواء التي أحاطت بهما، ففسدت طبيعتهما الرهبانيه واختلت مداركهما واتبعا خطوات الشيطان وسلكا معه الطريق حتى منتهاه، وقد قال عيسى علية السلام: من كان منكم بلا خطيئه فليرمها بحجر”.
وأردف: “تسارعا خلف شهواتهما التي من المفترض أن تركاها طواعية على باب الدير الخارجي عند عزمهما الالتحاق باتباع نذور ومبادئ الرهبنة، والتى يقوم جوهرها على الطاعة والفقر الاختياري والعبادة بحب وسلام وفقًا للشريعة المسيحية، وقد سعيا من أجل التحاقهما بالدير سعيًا حثيثًا ليتم الموافقة على التحاقهما بطابور ضم أسلافهم من ملايين القديسين الطاهرين، عاشوا فى أمن وأمان وتنيحوا على تلك البقاع التي شهدت عبادتهم بصحراء مصرنا الغالية، فسطروا تاريخ مضئ كله بركه ونور بكلمات وحروف ومداد من ذهب على مر الأزمان والعصور المختلفة”.
وأضاف: “وبالفعل تمكن الرجيم من إسقاطهما فى براثنه وقتلا نفس بغير نفس، ثم احتنكهما في فصوله الأخيرة فأصبحا لا يقولان أبدًا صوابًا ولا ينطقان إلا بالكذب والبعد كل البعد عن الحقيقة، وذلك عند مثولهما أمام هيئة المحكمة الموقرة خلال جلسات المحاكمة، والتي لا تحكم ولا تنطق هيئتها الموقرة إلا بدلائل قوية وبضمائر ووجدان استقرت واطمأنت إليه وقسم تلوه جميعًا عند بداية العمل القضائي، والعدالة هنا ولاسيما قضايا القتل، تكمن فى حكم القاضي الذي يطمئن له ضميرة قبل نصوص القانون المطبق على الواقعة”.
وسرد اللواء خالد عبد الحميد أدلة إدانة المتهمان، مبينًا أنها كانت بمثابة آمارات بينة ودلائل ناطقة وشواهد صادقة من تحريات دقيقة عززها وأزرها أنها صادقت الاعترافات ودوافع ارتكاب الجريمة، وصحيح الدليل الفني المستمد من تقرير الطب الشرعي للصفة التشريحية للمجني علية في تحديد سبب الوفاة وآداة الجريمة المضبوطة بأرشاد المتهم، والتي تبين من الفحص المعملي أنها لوثت بحامض الـ DNA للمجني علية أثناء قتله.
وعن بكاء المتهم وائل سعد “أشعياء المقاري” في إحدى الجلسات، أوضح اللواء، أن بكاء المتهم ما هو إلا تمثيلية بالتباكي في محاولة أخيرة ويائسة لكسب عطف الهيئة الموقرة.
وتابع: “لقد حاول المتهمان استمرارًا بطريق الغي الذي سلكاه وارتكابهما شيئًا فريًا، أن أخذتهما العزة بالإثم للهروب من العقاب الدنيوى، بالإنكار مرارًا وتكرارًا مما اقترفته وارتكبته أنفسهما وأيديهما في حق معلمهما الأسقف المسن، والذي عاش منذ شبابه داخل هذا الدير حياة الزهد بعيدًا عن الدنيا وصخبها وشرورها، بعد أن طوعت لهما أنفسهما القتل بدم بارد دون أي رحمة أو شفقه، لاكتشافه مؤخرًا مخالفات مالية ومسلكية ضدهما خطيرة فاقت كل الحدود الأخلاقية، اعتمادًا على سلطان مكانتهما داخل الدير، كانت ستؤدي إلى شلحهما وطردهما خارج الدير ومن حياة الرهبنة بصفة نهائية، فكانت الندالة والخسة هي الصفات الغالبة عليهما، والشناعة والفظاعة هي السمات والقاعدة لديهما، حتى هويا على رآس المجني علية بماسورة حديدية حتى شجت إلى نصفين من هول الضربات المتتالية على هذا الموضع القاتل، والذي استشف واستدل وبرهن منه على قصدهما في إزهاق روحه عن عمد وسبق وإصرار وترصد، بعد أن كمنا له فى طريقه للصلاة حتى تحينا فرصة التنفيذ فسقط غارقًا في دماؤه وصعدت روحه الطاهره الى السماء”.
وأرفق اللواء خالد عبد الحميد في منشوره، صورة المتهم وائل سعد “أشعياء المقاري” قبل تجريده أثناء فترة التحقيق معه داخل الدير، والتي استغرقت عشرة أيام حتى كشف غموض الحادث الأليم، وذلك دون تعرضه لأي اكراه أو تعذيب مادي وجسدي، أو أي ضغط معنوي كما ادعى دفاعه خلال جلسات المحاكمة.
وتابع: “فكانت دفوع دفاعه نسيًا منسيًا، فلا عبرة أمام عدالة المحكمة بالتوهم والتلاعب بالألفاظ والحيل الواهيه، وأن الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان، وأن حل لغز القضية لم يكن بالعسير ولكنه فى ذات الوقت ليس بالهين، فكانت مطالب الدفاع ببراءة المتهمان درب من دروب الأحلام والأوهام ولن تتحقق حتى يلج الجمل في سم الخياط”.
وفي النهاية، قدم اللواء خالد عبد الحميد، خالص التعازي لأسرة الأسقف الشهيد وكافة الشعب الكنسي المتابع للقضية، متابعًا: “تهانينا لأنفسنا وفريق البحث بانتصار الحق على الباطل، وأقول لهم لن ينسي الله حقًا اعدناه وخيرًا قدمناه وهمًا فرجناه وعينًا كانت تبكى فأسعدناها، فلا ندرى بأي معروف ندخل الجنه”.