الإثنين 25 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

ففروا إلى الله

السبت 28/يناير/2023 - 09:04 م

عندَما تحدثَ اللَّهُ عن السيرِ في الدنيا طلبًا للرزقِ؛ قال: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ}. (الملك، من الآية: ١٥).، وعندَما تحدثَ عن السيرِ إلى الصلاةِ؛ قال: {فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ}. (الجمعة، من الآية: ٩)، وعندَما تحدثَ عن السيرِ إلى الجَنَّةِ؛ قال: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}. (آل عمران، الآية: ١٣٣)، وقال: {سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}، (الحديد، من الآية: ٢١)، فنلاحظُ مِمَّا سبقَ دِقَّةَ اللفظِ القرآنيِّ المُسْتَخْدَمِ في كُلِّ موقفٍ من مواقفِ الحياةِ التي تحتاجُ  مِنَّا إلى حركةٍ، فطلبُ الرزقِ يناسبُه المشيُّ، والصلاةُ يناسبُها السعيُّ، والجنَّةُ يناسبُها المسارعةُ والمسابقةُ، لكن عندَما تحدَّثَ اللَّهُ - سبحَانَه وتعالى - عن السيرِ إليه قال: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}. (الذاريات، من الآية: ٥٠).
فالفرارُ إلى اللَّهِ - سبحَانَه وتعالى - أمرٌ إلهيٌّ نلجأُ إليهِ للهروبِ من همومِ الدنيا، وأكدارِ الحياةِ، وأدرانِ المعيشةِ ومشاغلِها التي ندورُ فيها في دوامةٍ لا نخرجُ منها إلَّا بعدمَا نستفيقُ على الموتِ، قال تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ}. (الأنبياء، الآية: ١)، وكما جاء في الأثرِ وهو ليس بحديثٍ، بل هو من كلامِ سيدِنا عليٍّ بنِ أبي طالبٍ، وقيل من كلامِ سهلٍ بنِ عبدِ اللَّهِ التستري (حسب ما ذكره العجلوني في كشف الخفاء (26/ 234)، يقولُ الأثرُ: {الناسُ نيامٌ فإذا ماتوا؛ انتبهوا}. 
ومن عجيبِ الفرارِ من الشيءِ؛ أنَّكَ إذا ما فررتَ منه تتركه خلفكَ، أمَّا الفرارُ من اللِّهِ؛ فهو فرارٌ إليه، والهروبُ من اللَّهِ هروبٌ إليه، والبعدُ عن اللِّهِ ذَهابٌ إليه، لأنَّه لا ملجأ ولا منجى منه إلَّا إليه، فالمُلْكُ مُلْكُه، والخَلقُ خَلقُه، والأرضُ أرضُه، والسماءُ سماؤُه، والعبادُ جميعًا في قبضتِه، {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ}. (الزُمَر، الآية: ٦٧).
وما نحتاجُ إليه جميعًا في تلكَ الأيَّامِ العصيبةِ، رجالًا ونساءً، وشبابًا وشيوخًا هو الرجوعُ والعودةُ والإنابةُ إلى اللَّهِ، حتى يرفعَ ما بنا من النقمِ، ويُفَرِّجَ ما بنا من الكروبِ، وينجينا من الغمومِ والهمومِ، فالفرارً إلى اللَّهِ هو المِفتاحُ وكلمةُ السِّرِّ وجوازُ المرورِ الذي نَعْبُرُ به من اليأسِ إلى الرجاءِ، ومن ضنكِ العيشِ إلى رغدِ الحياةِ، يقولُ تعالى:
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.(النحل، الآية: ٩٧). ويقولُ تعالى: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ}. (طه، الآية: ١٢٤).
فالقرآنُ الكريمُ يَصِفُ لنا الداءَ والدواءَ، ويخبرُنَا أنَّه لا فلاحَ، ولا نجاحَ، ولا حياةً طيبةً، ولا أجرًا حسنًا إلَّا بالرجوعِ إلى اللَّهِ، فهو سببُ كُلِّ توفيقٍ وفلاحٍ ونجاحٍ في الدنيا والآخرةِ، وأمَّا ما نحنُ فيه من الابتلاءاتِ والأمراضِ والنكباتِ والمصائبِ، فبما كسبتْ أيدينا، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}.(الشورى، الآية: ٣٠). فاللَّهُ يعفو عن كثيرٍ؛ لأنَّه لو آخذنَا بِكُلِّ ذنبٍ نذنبُه؛ ما تركَ على ظهرِ الأرضِ من دَابَّةٍ، ولكن يؤخرُنا إلى أجلٍ مُسَمَّى، قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}. (النحل، آية: ٦١)، وما انتشرَ فسادٌ في الأرضِ، وما ظهرَ عطبٌ في الحياةِ؛ إلَّا بما كسبت أيدي الناس، وما نذوقُه من مراراتٍ، وما نعيشُه من مآسي؛ إنَّما هو نتيجةٌ طبيعيَّةٌ لبعضِ وجوهِ الإفسادِ في الأرضِ التي نقومُ بها ليلًا ونهارًا، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم، آية: ٤١).
فإذا أردنَا أن يُفَرِّجَ اللَّهُ ما بنا من الكروبِ؛ فعلينا أوَّلًا أن نغيِّرَ ما بنا من الذنوبِ، ولن نُغَيِّرَ ما بنا من الذنوبِ؛ حتى نعودَ إلى اللَّهِ، والعودةُ إلى اللَّهِ إنَّما تكونُ بالفرارِ إليه، فالفرارُ إلى اللَّهِ هو سبيلُ الحياةِ الطيِّبةِ الهادئةِ الهانئةِ، التي نسعدُ فيها في الدنيا، وننالُ عليها الأجرَ الأحسنَ في الآخرةِ. 
ففروا إلى الله...

تابع مواقعنا